رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

السودان.. لماذا يدعم إثيوبيا ضد مصر؟!

دعَوْنا، في مقال الجمعة الماضي، إلى ضرورة تثقيف المشاركين في صناعة القرار، وقادة الرأي العام، بمفاتيح وأسرار الشخصية الأفريقية، وتفاصيل القضايا التي تهم أبناء القارة السمراء.

 

الفئة الأولى، أعني منهم السفراء والدبلوماسيين، وكافة المتعاملين مع الأشقاء الأفارقة.. والشريحة الثانية؛ الإعلاميين والصحفيين والمعلِّقين، وحتى أئمة المساجد.

 

فمنذ أيام كانت جامعة الدول العربية مسرحًا لمناقشة أزمة "سد النهضة".. حيث حشدت الدبلوماسية المصرية قواها بهدف إقناع أعضاء الجامعة باتخاذ قرار يعضد الموقف المصري في المفاوضات المتوقفة، ونجحت في ذلك إلى حد بعيد، ولكن كانت الصدمة والمفاجأة المدوية في الاعتراض السوداني، الذي كان مستغربًا من قِبَل الجانب المصري.. ثم جاءت نتيجة التصويت بالموافقة إجماعًا على قرار يدعم مصر، باستثناء الصوت السوداني!!

 

حميدتي يكشف دور السودان للتوصل لاتفاق حول سد النهضة | فيديو

 

وهنا بدأت الحفلة الإعلامية في مصر.. هجوم كاسح على السودان.. ومارس مقدمو الـ"توك شو" هوايتهم في "الردح" لإخواننا في الجنوب، و"معايرتهم" بالفقر والجهل وأيادينا البيضاء وأفضالنا عليهم... إلى آخر ما تفتقت عنه الأذهان اللوذعية!!

 

لم يفكر أحد في التفتيش عن أسباب الموقف السوداني من قرار الجامعة.. حتى فوجئنا بتحركات إثيوبية في القارة الأفريقية، وطلب أديس أبابا تدخل الاتحاد الإفريقي، الذي حرص الرئيس عبد الفتاح السيسي، طوال فترة توليه رئاسته خلال اثني عشر شهرًا مضت، على عدم استغلال موقعه في إقحام الاتحاد في الأزمة.. في موقف نبيل ورائع، يثبت فروسية ونزاهة وعظمة المصريين ورئيسهم.

 

الأفارقة عندما يعارضون المصريين يلجأون فورًا إلى ابتزاز مشاعر جيرانهم من خلال اللعب على أوتار "اللون الأسود"، وفكرة "الزنوجة"، واتهام المصريين بأنهم "سلالة بيضاء"، وأنهم "أقرب إلى أوروبا"، ولاينتمون إلى أفريقيا إلا جغرافيًّا، والزعم بأن الأفارقة هم من يقطنون جنوب الصحراء الكبرى.. وهذه المصطلحات تُحدث أثرًا فوريًّا وفعالًا.

 

سياسة مصر دائما سندا ودعما للسودان خاصة خلال المرحلة الانتقالية

 

ورغم التحركات القوية التي قام بها سامح شكري وزير خارجيتنا إلا أن جولات المبعوثين الإثيوبيين في الدول الأفريقية وعدد من الدول الأوروبية، كان أثرها أقوى بوضوح.

 

أيضاً، وبحكم عادة الإعلام المصري، فقد كان هناك هجوم آخر وسخرية شديدة من تصريحات وزير الخارجية الإثيوبي غيدو أندرجاتشاو، التي قال فيها إن بلاده تبني سد النهضة، لأنها تملك الحق الكامل في ذلك، مع إلتزامها بالحفاظ على مصالح دول المصب وعدم إلحاق أي ضرر بها.

 

وخلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي سليشي بيكلي، أكد أندرجاتشاو أن بلاده تؤمن بأن المفاوضات هي الحل الوحيد للوصول إلى اتفاق، معربًا عن رفضه للتحذير المصري الذي قال إنه "ليس في صالح الجميع، ولن يؤدي إلا إلى تدمير العلاقات".

أفريقيا.. نمور بلا موارد (4)

وبدوره نال نائب رئيس الوزراء الإثيوبي، ديميك ميكونين، نصيبه من الهجوم، حين قال: إن مشروع سد النهضة خط أحمر لن نقبل تجاوزه، باعتبار أن ذلك "مسألة سيادة".

 

وأضاف ميكونين، خلال اجتماع لمكتب المجلس الوطني، إن البلاد تتمتع بالحقوق الكاملة في تنمية مواردها دون إلحاق ضرر كبير بالبلدان الواقعة أسفل النهر، وفقا لوكالة الأنباء الإثيوبية.

من جانبها، وصفت الخارجية المصرية في بيان لها، البيان الإثيوبي بعدم اللياقة، وافتقد للدبلوماسية، وانطوى على إهانة غير مقبولة لجامعة الدول العربية ودولها الأعضاء.

أفريقيا.. نمور بلا موارد (2)

ولنعد إلى السودان، حيث شرحت وزارة الخارجية هناك الموقف قائلة: "السودان أبدى تحفظه على مشروع القرار الخاص بسد النهضة، الذي أدرجته جمهورية مصر العربية في أعمال المجلس الوزاري نظراً لعدم التشاور مع حكومة السودان بشأنه وقبل إيداعه أعمال المجلس".

 

وعلل البيان ذلك بأن مشروع القرار "لا يخدم روح الحوار والتفاوض". ويشرح الموقف السوداني، الدكتور أحمد المفتي الخبير المائي والعضو السوداني السابق في مفاوضات نهر النيل، حيث يقول: إن "إثيوبيا تجابه دعم جامعة الدول العربية لموقف مصر بالسعي لاصطفاف دول حوض النيل الأخرى، بل والاتحاد الأفريقي، إلى جانبها، وقد حذرنا وتحفظنا على دعم جامعة الدول العربية لمصر، وأيدنا موقف السودان، كأول موقف سليم منذ بدء مفاوضات السد، وأوضحنا أن السبب في تحفظ السودان هو أن ضرر ذلك الدعم العربي لمصر سوف يكون أكثر من نفعه".

 

وتابع المفتي: "والآن تأكدت الرؤية السودانية في الجولة التي يقوم بها المسئولون الإثيوبيون في القارة الأفريقية وبخاصة في دول حوض النيل، وأكد الجميع أنهم يقفون مع الحل الأفريقي، بكل ما يعني ذلك من إعادة نظر في استخدامات مياه النيل، التي لدول حوض النيل الأخري نصيب فيها، وهو أمر يعترف به القانون الدولي".

«سيناريوهات الحسم» بمفاوضات سد النهضة..

 

وأضاف الخبير السوداني: "لم نسمع طوال جولات المفاوضات السابقة إثارة مثل هذا الأمر إلا بعد إقدام مصر على الحشد في جامعة الدول العربية، ولا شك عندي في أن موقف الجامعة العربية، أسرع بمسيرة إثيوبيا في ذلك الاتجاه، ودليلي علي ذلك، أن مبعوثيها، على أعلى المستويات، أصبحوا بعد قرار الجامعة العربية يجوبون دول حوض النيل الأخرى، لتذكيرهم بحقوقهم المائية، كما ذهب بعضهم إلى جهات غربية؛ بحثًا عن دعم سبق أن قدمته تلك الجهات، لمسار دول حوض النيل 1995-2010".

 

لست بصدد تقييم الموقف السوداني في الأزمة طوال الفترة الماضية، لكن ماحدث، والصدمة التي أصابت المصريين، واتهامات الإعلام لهم بنكران الجميل، والكيد لنا، وتبني موقف أديس أبابا، الذي يستهدف تعطيشنا.. يؤكد أن الحاجة ماسة للتنقيب عن مكنون الشخصية الأفريقية، وطريقة تفكيرها، وكيف نستطيع فهم الشعوب السمراء.. حتى نكسبها في صفنا، وندير الأزمات معها بالحوار، والتفاوض الجاد.

Advertisements
الجريدة الرسمية