رئيس التحرير
عصام كامل

د. محمد كمال: لا توجد قداسة في الإسلام.. نحتاج لخطاب ديني جديد.. والغزو العثماني قضى على الإبداع الفكري تمامًا | حوار

الدكتور محمد كمال
الدكتور محمد كمال

نحتاج خطاب ديني جديد يقوم على قراءة النص المقدس بآليات تناسب المجتمع الحالي .. والمناداة بخطاب ديني جديد ليس بدعة 

المستشرقون يقرأون النص الديني من أجل التهكم والسخرية منه 

الفكر الديني في مصر وفكر المصريين عموما يعاني من حالة اضطراب 

مع اقتراب موعد انطلاق مؤتمر الأزهر العالمي الذي يأتي تحت اسم «الخطاب الديني بين التجديد والتبديد»، يتحدث الدكتور محمد كمال، أستاذ الفلسفة الأخلاقية والإسلامية بجامعة القاهرة، فى هذا الحوار لـ"فيتو" ضمن سلسلة حوارات ملفها بعنوان "محنة الخطاب الدينى" عن الأسباب الحقيقية وراء فشل كل محاولة من صناع القرار في الوصول بالفكر الديني المصري والخطاب الديني إلى الطريق السليم والصحيح، وتطويع النص الديني بما يحتاجه العصر الحالي والمجتمع المصري، مؤكدا خلال حواره لـ«فيتو» أن تأسيس خطاب ديني مصري جديد ليس «بدعة» ولكن لا يمكن أن تحتكر مؤسسة الأزهر وحدها هذه المهمة.. وكان الحوار التالى: 

 

*بداية.. هل يحتاج الخطاب الديني في مصر إلى تجديد حقيقي أم أن الأمر يتعلق بالفكر الديني المصري ذاته؟

  الفكر الديني والخطاب الديني مرتبطان ببعضهما إلى حد كبير، فنحن نريد تجديد الفكر الديني وكذلك فكر المواطن نفسه، وتغيير فكر المواطن نفسه يتعلق بضرورة تحديد هل الخطاب الديني المصري نريد تجديده أم تغييره بشكل كلي أم مجرد إصلاحه فقط، فالمشكلة في مصر أنه لا أحد يحدد للمواطن البسيط في مصر ما هو تجديد الخطاب الديني أصلا وما هو مفهومه؟ 

 

*إذن.. ما مفهوم تجديد الخطاب الديني المصري؟

أرى أن التجديد هو إعادة قراءة وتحليل الخطاب الديني المتواجد بالفعل بما يتناسب مع العصر ، أما ما تحتاجه مصر في حقيقة الأمر هو خطاب ديني جديد يقوم على قراءة النص المقدس، ولكن بآليات وبما يتناسب مع المجتمع الحالي، وهذا ليس بدعة فكل الفقهاء والعلماء الكبار قرأوا النص المقدس في ضوء المجتمع الذي يعيشون به وفي ضوء مجتمعاتهم وظروفهم، وبالتالي المناداة بخطاب ديني جديد ليس بدعة أبدا. فالرجوع إلى النص المقدس نفسه ومحاولة قراءته في ضوء ظروف المجتمع الحالية ضروري، أيضا لا بد من تحديد ما هو الخطاب الديني الذي نريد تجديده هل الخطاب الأشعري أو السلفي، أم خطاب ابن القيم أو ابن تيمية، فيجب أن نحدد المصطلح الخاص بتجديد الخطاب وكيف سنجدده؟ 

 

*هذا الأمر سيأخذنا لنقطة أخرى وهي آليات تجديد الخطاب الديني في مصر.. ما الآليات الواجب توافرها لتنفيذ التجديد؟

  أولًا.. لا بد من تحديد من هو القائم بالتجديد، مع تحفظي على كلمة التجديد، لأني مع وجود خطاب ديني جديد، لكن السؤال هنا من سيقوم بالتجديد هل يصلح للقيام به نفس الأشخاص الذين قاموا بالبحث فيه قديما الذين يعتمدون في شروحاتهم على الخطاب الديني الجديد، بالتأكيد لا يستطيعون على ذلك. 

 

*برأيك.. هل الأزهر الشريف وحده هو المنوط به التجديد أم هناك جهات أخرى منوط بها ذلك؟

  مؤسسة الأزهر لها كل التقدير والاحترام بالتأكيد؛ ولكن لا تصلح المؤسسة الدينية وحدها في أي دولة أن تضع خطابا دينيا جديدا حاليا، فلا بد أن يشترك معها العلماء والمفكرون في التخصصات كافة، ومن مدارس فكرية مختلفة، حتى نوجد قراءات مختلفة للنص تتناسب مع الواقع الحالي، وبالتالي يمكن أن تُنشئ خطابا دينيا يصلح للمجتمع ويستجيب المواطن له؛  لأن المواطن يحتاج إلى كلام يمس حياته اليومية ومشاكله اليومية، أما إعادة قراءة القديم فقط فلن نخرج من هذه الدائرة المغلقة التي وضعنا بها منذ قرون عدة.

 

*لكن الأزهر ينظر إلى بعض المنادين من خارجه بالتجديد على أنهم «هدامين»، كيف تعلق على هذه النقطة في الوقت الذي تطالب فيه بتواجد أشخاص من تخصصات مختلفة المشاركة في تجديد الخطاب؟

  لا توجد قداسة في الإسلام، ولا يوجد من لا يخطئ في الإسلام، إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، أما بقية البشر فيؤخذ منهم ويرد عليهم، بدليل أن سيدنا عمر أوقف تطبيق بعض الحدود حينما استدعت الظروف ذلك، وبالتالي القداسة للنص القرآني فقط ، لكن لا يمكن أن نترك بعض من لا تتوافر لديهم أدنى قواعد المعرفة الدينية والعلمية لينصبوا أنفسهم حراسا على الدين، وليس من حق هؤلاء أن يتهجموا على النص الديني أو التهكم عليه بادعاء أو تحت ستار تأويله وهذا ما أقصده.

لكننى رغم هذا ضد أن يحتكر  الأزهر تجديد الخطاب، فهناك آخرون غير هؤلاء الذين يتباهون بالمعرفة العلمية وحمل لواء التجديد، وهناك جماعة ثالثة نحن لا علم لنا بهم بالرغم من أن حل الأمر لديهم، وليس كل من قرأ كتابا أو اثنين لمستشرقين ينقل منهم ثم يدعي العلم والمعرفة وقدرته على إعادة قراءة النص الديني، لأن المستشرقين أنفسهم كانوا يقرأون النص الديني من أجل التهكم والسخرية منه ليس إلا، فإذا تم نقل هجومهم على القرآن كما هو والذي تم الرد عليه وانتهى الأمر، وتعتبره من إبداعك وتعيد قراءته فهذا خطأ تام.

*إذن.. هل ترى ضرورة وجود طرف ثالث ينتشل المجتمع وفكره الديني من هذا الشتات؟

بالتأكيد فهناك فكران أو تياران متضادان، أحدهما يريد من المجتمع الطاعة العمياء لنصوص تم وضعها منذ قرون مضت وأصحابها اجتهدوا فيها من أجل عصرهم فقط، يحاولون إعادة هذه النصوص وتطبيقها علينا، والتيار الآخر الذي يدعي أنه تجديدي وهو ليس لهم علاقة بالتجديد بالأساس، ومن المفترض أن يبتعد عن المجال الديني تماما والفكري بشكل عام، لأنه ليس مؤهلا لذلك، لكننى أرى أن التيار الأول هو المسيطر على الشارع المصري، بسبب وجوده في عدد من المساجد والزوايا وانتشاره بكثرة، أما التيار الثاني فهو مقتصر فقط على النخبة أو المثقفين.

*على ذكر هؤلاء الأشخاص لم يقتصر الأمر على تأويلهم لبعض النصوص الدينية أو رغبتهم في هدم بعض الثوابت والمعتقدات الدينية، هم تحدثوا عن تاريخ تطور الفكر الديني في مصر أيضا، فقال البعض منهم أن الفكر الديني المصري تعرض لغزو خارجي خلال الخمسين سنة الأخيرة، هل توافق ذلك الرأي؟ 

هم يتحدثون عن أن المجتمع المصري أصبح مجتمعا وهابيا بعض الشيء نتيجة عودة بعض المصريين من العمل بدول الخليج حاملين هذا الفكر الذي نشأ بالأساس في منطقة الجزيرة العربية في القرن الـ 19، وكانت تدعو بالعودة للأصول مرة أخرى. فالفكر الديني في مصر والمجتمع المصري يعاني من حالة اضطراب فكري عموما وليس دينيا فقط، لأنه كما ذكرنا هناك قطبان متنافران كل منهما يريد جذب المجتمع إليه.

*نذهب لنقطة أخرى.. هل ترى أن تفكيك التراث الديني كاملا من أساسه وإعادة بنائه مرة أخرى سيؤتي ثماره والحل سيكون به وحده؟

تم القضاء على الإبداع الفكري لدينا منذ القرن الـ8 الميلادي، ومن بعدها حتى هذه اللحظة نعيش على ما يسمى بمعرفة الهوامش ثم التعليقات على هذه الهوامش، وهكذا ولا نبدع أي جديد، وجاء الغزو العثماني للعالم الإسلامي ليقضي على روح الإبداع تماما وأصبحنا حتى هذه اللحظة لا نبدع بل نكرر نصوصا سابقة لا تصلح للعصر الحالي، وهنا أتحدث عن قراءات النص المقدس وليس النص ذاته، ومن هذه الثغرة ظهر التيار الذي تحدثنا عنه منذ قليل والذى يدعي التجديد، فوجد في الدين والنص الديني ما ينتقده بكل سهولة، فالحل الوحيد للخروج من هذه الأزمة الخروج من هذين التيارين وإنشاء تيار يسعى لوضع خطاب ديني جديد، ولا بد أن يكون برعاية من مؤسسة الأزهر، ولكن بشرط ألا تكون مسيطرة، وأن تكون مؤسسة الرئاسة هي الراعية له.  ولننظر إلى مؤتمرات ودعوات تجديد الخطاب الديني في الفترة الأخيرة سنجد محصلتها صفرا، فمن الخطأ أن نعيد استخدام الآليات ذاتها مرة أخرى.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"  

الجريدة الرسمية