رئيس التحرير
عصام كامل

عازف الكمان جهاد عقل : أدمج بين الموسيقى الكلاسيكية والعربية.. وأنتمي للجيل المجتهد

فيتو

  • الصبغة الشرقية "المميز الرئيسي" لمهرجان الموسيقى العربية
  • الأجيال الجديدة ترفض التعلم والكمنجة "بحر واسع" وأحلامي لا نهاية لها
  • والدي "معلمي الأول" وأساتذة الكمان "ملهمين" بالتقنيات

الموسيقى في حياة الفنان مثلها مثل الماء والهواء لأي إنسان عادي، لا يمكنه الانفصال عنها إلا ليعود إليها مرة أخرى، خاصة وإن كنت فنانا يعزف على أقرب الآلات الموسيقية حسيًا، فلو أنك عازف للكمان لا يسعك إلا أن تتماهى مع الآلة وتذوب في تفاصيلها خلال العزف، فهي تتحد مع جسدك حتى تصير إنت وإياها كيانا واحدا لا ينفصل.
جهاد عقل.. الاسم الأشهر في عالم آلة الكمان بصبغته الشرقية، هو أحد أهم العازفين الذين أنجبهم الوطن العربي، وحمل هو بدوره نكهة تراثه العربي في حليات نغماته التي يشدو ويطرب بها الجمهور في شتى مسارح العالم.. يعود جهاد بعد فترة غياب امتدت لعدة سنوات، إلى دار الأوبرا المصرية مرة أخرى، للمشاركة في مهرجان الموسيقى العربية، والذي اعتاد على المشاركة في العديد من دوراته على مدار تاريخ المهرجان.. وفي أوج تلك العودة التقت "فيتو" بعازف الكمان الأشهر عربيًا للحديث عن رأيه في حال الموسيقى وسر غيابه، ليدور الحوار على النحو التالي:

*اعتدنا مشاركتك في مهرجان الموسيقى العربية على مدار سنوات.. فهل هناك اختلافات تلمسها بين المهرجان وأقرانه في العالم العربي ؟
بعد مشاركتي بمهرجان الموسيقى العربية لعدة سنوات ومشاركتي أيضًا في عدة مهرجانات في الدول العربية وجدت أنّ مهرجان الموسيقى العربية يتميز بكونه ينبع ويقام في مصر، بلد الفن، وبلد الثقافة الفنية العالية، يتميز المهرجان بأنه يحمل طابعا خاصا بالحس الفني الذي تقدمه دار الأوبرا المصرية من فنانين مصريين ومن فنانين عرب، وتختار الصبغة الشرقية للحفاظ على التراث العربي بشكل عام، الأمر الذي يتميز به مهرجان الموسيقى العربية.

*لمسنا فترة غياب منك لعدة سنوات عن الساحة، فهل يمكن القول إنها كانت فترة نقاهة فنية وإعادة ترتيب لأفكارك ؟
تغيبت لسنوات لأسباب عديدة، منها أسباب خاصة وأخرى عامة، فهي فترة لإعادة تأهيل الإنسان بعد مرحلة من العمر، يحتاج فيها أن يبعد قليلا لينظر للتغيرات التي حدثت على الساحة الفنية، فهذه التغيرات البعض منها يسيء لعالم الفن، والبعض الآخر يجتهد ليقدم ويعطي لعالم الفن، فنحن في صراع بين الثقافة والجهل، وكل إنسان يحتاج فترة لدراسة ما يحدث، ويختار المسلك والطريق الذي سيكمله ويحافظ على ما صنعه وأسسه في الحياة، أنا ما زلت موجودا وسأبقى بإذن الله.

*في لقاءاتك الأخيرة قلت إنك تنتمي للجيل الذي حافظ على الماضي وأبدع للحاضر.. فهل الجيل الحالي دمر ماضيه وكيف؟
أنا أنتمي إلى ما بين الجيلين، الماضي وما بعد الماضي، أي جيلي أنا، بحسب اعتقادي جيلنا جيل مجتهد ومعطاء جدا ويحمل مبدأ بحمل الرسالة، فنحن حملنا رسالة الماضي وجملناها بتقنيات مختلفة، وتقنيات أقوى من تقنيات الجيل الماضي، وقمنا بتقديمها بالصورة الجميلة والتي لا تزال تحمل معانيها وثقافتها. ولكن الجيل الحالي هو جيل أخذ طريقا معاكسا كليا عن العالم بشكل عام، من مجتمع، ثقافة إلخ..، أغلب الأشخاص (في الجيل الجديد) لا يريدون التعلم بقدر ما يريدون الظهور، وكوننا بعصر السوشيال ميديا، وعصر الصورة فذلك أثر بشكل كبير على المبادئ التي قمنا ببنائها، من ضمن هذا الجيل، هناك المحترف وهناك الذكي والمتفوق، ولكن ببعض المهن تعدى على هذا العالم بشكل عام ونقص من قيمته، وبنفس الوقت هو بحاجة لخبرة ووقت، ومن هنا اود أن أقول، أن لكل جيل عالم، والشخص الذي يحمل رسالة ثقافية في الحياة لا يستطيع أن يتخلى عنها مهما كانت الظروف، وحتى لو الإنسان قام بمواكبة الجيل الجديد، فإنّ هذه الثقافة التي تعلمها تكون هي أساس لحياته.

*ما المفتاح والمبدأ الذي استندت عليه للعودة مرة أخرى ؟
أولا أنا ما زلت موجودا، ولم أذهب لمكان حتى أعود، لكنها كانت فترة مارست فيها نشاطاتي، أمّا الأمور التي استند عليها في عالم الكمان، هي الشيء الذي قدمته ونجحت من خلاله، الأسلوب المختلف في آلة الكمان وإبرازها بصورة أوسع للمستمع والمشاهد، فإنّ آلة الكمان هي آلة لها بحر واسع، والناس تحتاج معرفة ما تحتويه من معلومات وثقافات وأساليب فهذا ما استند عليه وهذا ما أملكه ونجحت فيه.

*مقطوعاتك الخاصة التي طفت بها العديد من دول العالم، من هو الملهم الأول في حياتك لها؟
الملهم الأول في حياتي هو والدي وأستاذي أحمد سعيد عقل، وهو كان المشرف على تعليمي لآلة الكمان منذ الطفولة، والملهم الثاني هم باقة من عباقرة هذه الآلة في الشرق العربي، عبود عبد العال، أحمد حفناوي، انور منسي، محمود الجرشا، وهناك عدة عازفين عرب آخرين، هؤلاء الأشخاص هم الالهام لروحانيات هذه الآلة، واختلاف التقنيات عليها، فكل إنسان يحمل تقنية مختلفة عن الآخر بالحس أو بدمج النغمات، وبذلك يتميز كل عازف بعزفه، ولكن إذا قمنا بجمعهم مع بعضهم البعض سيخلقون إلهاما واسعا لأي عازف طموح يحب أن يترك بصمة خاصة في عالم الكمان.

*ما البصمة الخاصة التي ابتكرتها وتركتها على آلة الكمان ؟
أعتقد أن كل المقطوعات الموسيقية التي قمت بعزفها في جميع أقطار العالم، لها وقع خاص عندي، فهي تتلون بين الحس الشرقي والحس الغربي وعالم تقنيات آلة الكمان، ودمجهم مع بعضهم البعض أعطاني صبغة خاصة وبصمة أحملها في حياتي.

*هل هناك مقطوعة محددة لك تملك لها قصة يمكنك قصها علينا ؟ أو أحب المقطوعات إلى قلبك ؟
أنا أملك مقطوعات موسيقية عديدة من تأليفي وأنا من الأشخاص الذين يصنعون رؤية من خلال الموسيقى، فهنالك مقطوعة موسيقية قمت بتأليفها بعنوان السماء السابعة، الحس المميز فيها أنها تستطيع أن تنقل المستمع من الأرض إلى السماء السابعة، خاصة إذا كان يملك الجدارة في الغوص في عالم الحس والخيال، وفي الوقت ذاته، أسلوب وطريقة اختياري للألحان يتبع أيضا اختياري للكلمات، فالكلمات مهمة جدا في عالم الأغاني فهناك الكثير من المواضيع المشوقة والمواضيع الحسية العميقة في الثقافة العربية في عالمنا، فأنا أتبع هذا الأسلوب في العزف في الموسيقى العربية، وحسب رأيي كل شيء جميل، وكل شيء يحمل لون ورسالة واحساس مختلف.

*والدك هو المعلم الأول لك.. فما الأثر الذي تركه على نفسك وموسيقاك ؟
والدي هو المعلم الأول والأخير ورحلتي كانت تحت إشراف والدي، وأنا أشكره لأنه علّمني الموسيقى الكلاسيكية والعربية بجدارة، والإرث الذي أملكه هو دمج هذين العالمين بعالم واحد، باختيار وتلوين الثقافة بآلة الكمان، فهذا أجمل ما أملك وهذا أعطاني الثقة الكبيرة في نفسي وفي أسلوبي بالعزف.

*ما هو الحلم الذي يسعى جهاد عقل لتحقيقه حاليا ؟
الاحلام لا تنتهي، لأننا جميعا نعيش على أمل وحلم، الحلم الأول، أتمنى أن يعم السلام في الوطن العربي، والذي نحتاجه لنبدع أكثر ونعطي أكثر، وهذه أكبر أمنياتي، أمّا الحلم الثاني أن أبقى مستمرا بعطائي وعزفي لمحبييّ والحفاظ على إرث هذه آلة بأسلوب جدير وأسلوب مميز.

الجريدة الرسمية