رئيس التحرير
عصام كامل

صاحب السعادة


السعادة.. تلك الكلمة التي تحتوي على كم مشع من الفرح والطاقة الإيجابية وحب للحياة، والتي يختلف إحساسنا بها باختلاف ما نتمناه أو ما نفتقده أو قد يكون ما ننتظر حدوثه أو الحصول عليه. من منا لا يبحث عن السعادة، ولنكن أكثر دقة، من منا لا ينبري في تحقيق كل ما يجعله يشعر بالسعادة!


وجوه السعادة قد تتجسد في الحب، الأبناء، المال والعمل، الصحة، وقد نجدها في الصداقة، واتفق الغالبية من الناس أنها حتما في رضا الله عنهم.

ولنعمق المعنى يجب أن نذكر الإحساس النقيض للسعادة، كالألم الذي يتجرعه المرء عندما توقفت دقات قلب عزيز عليه، أو كالفقد عندما يفارق حبيب، أو كالضيق عندما يخسر عمل أو مال، أو كالوحدة في التواجد بين الأقارب أو الأصدقاء إذا فارقهم التوافق!

القبول بالمتاح من السعادة قد يختلف عليه الأشخاص، باختلاف أولوياتهم، شخصياتهم، تكوينهم النفسي، بيئتهم الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، واحتياجاتهم، فقد نجد سيدة ترى سعادتها الوحيدة في إنجاب ولد بعد أن من الله عليها بخلفة البنات، في حين تراها سيدة أخرى جاحدة لنعمة الله لأنها محرومة من من الإنجاب، وقد نرى سيدة مطلقة افتقدت السعادة الزوجية في تجربة سابقة باءت بالفشل، وتتمناها في زيجة ثانية، في حين تراها فتاة أخرى تقدم بها العمر ولم تتزوج مطلقا أنها طامعة لا تقنع بما نالت وان كانت نهاية تجربتها الفشل!

كما أننا نجد رجل يفتقد السعادة لضيق ذات اليد، وهناك آخر ثري يوبخه على عدم اكتفائه بالصحة الذي يفتقدها رغم ماله الكثير، ولا تنتهي الأمثلة بين حالات السعادة وانعدامها من وجهة نظر كل منا..

وللسعادة أبعاد مختلفة منها البعد الديني، حيث يتفق الكثيرون على أن افتقاد السعادة، ما هو إلا افتقاد للمعنى الحقيقي للرضا وعدم التطبيق الفعلي للقناعة، فهم يعتبرون أن الرضا بالمقسوم لنا في الحياة كفيل أن يشعرنا بالسعادة، أن قل أو كثر، لأنه تطبيق فعلي من وجهة نظرهم للإيمان، إيمان بالقدر، بالنصيب، بالمحتوم، بالخضوع، أو بالرضوخ للأمر الواقع من الحال.

ولكن يرى البعض الآخر أن القدر غير معلوم حتى نثبته ونمتثل له، وإلا ما وجدنا أمثلة كثيرة عن تغير بعض الأشخاص لأقدارهم فهناك فقراء أصبحوا من الأغنياء، وهناك سيدات لم تكن تنجبن فدأبن على طرق أساليب علاج مختلفة حتى نعمن بالإنجاب، وهناك مرضى لم ييأسوا من فشل العلاج، وعوفوا..

الأمثلة لا حصر لها تثبت أن السعادة في الرضا بواقع الحال تتنافى في تماهي الكثيرون لتغير واقعهم لوضع أفضل ليشعروا بالسعادة، وهو ما ينصهر فيه معنى القناعة، فهناك دارس للعلم لا يكتفي بما يحصله من علم حتى يصبح عالما، ولا يستوقف مريض عقبات باحثا عن الصحة التي يفقدها بمرور الوقت، ولا يمنع غني أي عقبة تواجهه في أن يصبح أكثر ثراء، فلو طبقنا القناعة، لقنع المريض بقلة صحته، ورضي الفقير بضيق حاله، وباتت شعوب جاهلة خوفا من عدم تمسكها بقناعتها تفقدها فقرها المترتب على جهلها!

وللسعادة بعد آخر من منظور علماء النفس والفلاسفة، حيث هناك قاعدة نفسية غالبا تعتمد على قول أرسطو "السعادة تعتمد علينا نحن"، تشير دائما أن السعادة تنبع من داخلنا، ولا يجب علينا أن نربط أو نعلق سعادتنا بأحد أو بشيء، فلا نمنح أحد سلطة اسعادنا أو حزننا، وألا نجعل البيئة المحيطة بنا قادرة على إخضاعها لتغيراتها مما يؤثر على سعادتنا.

قد تكون تلك القاعدة النفسية يحتاجها البعض، وقد يراها البعض الآخر أنها غير عملية، فلا توجد سعادة دون سبب أو حافز أو هدف أو بوجود شخص معين، لأن السعادة ببساطة تفاعل شخصي مع المحيط والاحتياجات والإمكانيات، وجميعهم مرتبط ببعضه أو مترتب عليه أو قائم بسببه، مثلا كسعادة الشرقيون عادة المرتبطة والقائمة على "الأولاد" كالإنجاب في البداية ومن ثم كزواجهم أو كنجاحهم أو كشفائهم.. الخ

فلكل منا هدف يسعى له ليتذوق شهد السعادة، وذلك الهدف دائما يكون شخصيا في نكهته مرتبط بالآخرين في حدوثه، فهناك من يبني سعادته بوجود كيان ما بالقرب أو بالاستحواذ أو بالامتلاك أن كان ماديا أو معنويا، أو أن كان شخصا أو علاقة أو مادة.
ومن مفارقات السعادة أن البعض يجدها في العطاء "كمنح الحب أو المال أو تلبية احتياجات الآخرين" والبعض الآخر قد تنحصر لديه السعادة في الأخذ فقط!

وقد نجد السعادة أحيانا في الانفصال أو البعد عن شخص يسلبنا السعادة بوجوده في حياتنا لا بقربه، كتطبيق صارخ لمقولة جورج برنارد شو "البعض ينشر السعادة أينما ذهب، والبعض الآخر يخلفها وراءه متى ذهب"، فيجب علينا أن نحدد مسافة القرب أو البعد من أسباب سعادتنا، فقد نقترب بوهم السعادة من الشخص الخطأ، وقد نبتعد عن السعادة فقط لعدم إدراكنا لحقيقة من أو ما نحتاجه ليسعدنا.

بعيدا عن هرمون السيروتونين المسئول عن احساسنا بالسعادة، وحتى نبلور معنى السعادة يجب أن نعرف ما هي أسباب سعادتنا، وكيف الوصول لها، ومتى تفارقنا، ومع من نجد السعادة المتمثلة في الحيوية، الانطلاق، الشباب، ولنختصر ونقول مع من نجد الحياة، التي في ظلهم نحيا السعادة، وبدفء مشاعرهم ننبض بالمرح، وبحبهم ننهل السكينة، ويطرب القلب بشوقه لهم، فتتجسد السعادة بهم، بحبهم، بوجودهم، أو حتى في طيفهم العابر على اوتار احساسنا، يعزف عشقا للحياة من خلالهم، فنذوب في عمق السعادة.

فمن المهم أن ندرك جيدا من هو صاحب السعادة في حياتنا.. هل هو ذلك الآخر المالك لمفتاح سعادتنا بوجوده في حياتنا، أم القلب المتلهف للإحساس الدافئ في علاقة يتمناها، أم العقل المتمكن من معرفة أولوياته في العلاقات والأشخاص والماديات، أم القدر الذي يصوب سهمه لتدركنا في وقتها تلك السعادة!
الجريدة الرسمية