رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا خلقنا الله سبحانه؟!


هناك أسئلة كثيرة تدور بأذهان كثير من الناس تتعلق بحكمة وجودهم في هذه الحياة واستخلافهم في الأرض، وقد يقول البعض لماذا خلقنا الله تعالى وأوجدنا في هذه الحياة التي كلها شقاء وابتلاء ومعاناة.. وما مراده تعالى منا وهو الغني الذي ليس له عوز ولا احتياج لأحد من الخلق؟!


في الحقيقة هذا سؤال جيد وللإنسان الحق في أن يسأل وعلى أهل العلم الأجابة، حتى يدرك حكمة الله تعالى ومراده منه.. والإجابة بسيطة.. لقد خلقنا الله تعالى لعبادته عز وجل، كما أخبرنا سبحانه في قرآنه حيث قال: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون".. هنا قد يقول قائل: وهل الله محتاج لعبادتنا وهو كما علمنا الذي لا تنفعه طاعة ولا تضره معصية؟! وهو تعالى الذي ليس له علة في عباده وخلقه ولا فيما قضى وقدر ولا فيما أمر ونهى؟!.

أقول للسائل: نعم ليس له سبحانه أدنى علة لا فيما خلق ولا فيما أوجد ولا فيما قضى وقدر، ولا فيما أمر ونهى فهو سبحانه القائم بذاته. الغني بذاته. والمستغني عن جميع خلقه وهو القائل: "يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد إن يشأ يذهبكم ويأتي بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز". 

وهو تعالى القائل أيضا في الحديث القدسي: "يا عبادي إنكم لا تملكون نفعي فتنفعوني ولا تملكون ضري فتضروني".. والقائل أيضأ: "يا عبادي لو إن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيء. ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيء. ياعبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني أعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر".

إذن هناك تأكيد على أن الله تعالى هو الغني الحميد، وأن ليس له عوز ولا حاجة من خلقه. السؤال ما زال قائما: لماذا خلقنا الله تعالى وأمرنا بعبادته؟.. الإجابة.. يجب أن نعرف أولا المراد من قوله تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون".. في معنى هذه الآية الكريمة يقول سيدنا عبد الله ابن العباس رضي الله عنهما.. المقصود من العبادة الوصول إلى المعرفة بالله تعالى ومعني إلا ليعبدون أي إلا ليعرفون..

هذا والعبادة في حد ذاتها ليست بغاية بل هي وسيلة أساسية لا بد منها، فهي التي توصل إلى الغاية المرجوة، وهي المعرفة به سبحانه، ويؤكد ذلك قوله عز وجل الذي أعلن فيه مراده من خلق الخلق من قبل أن يخلقهم.. يقول سبحانه: "كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فبي عرفوني".. إذا مراد الله تعالى الحب.. أحب أن يعرف.. ولنتوقف قليلا عند كلمة أحببت وهي الأصل في المراد الإلهي في خلق الخلق..

الله تعالى محب لذاته فأراد سبحانه أن يظهر محبة الذات لذاتها.. يقول أحد العارفين بالله: كان الله تعالى ولا شئ معه وهو موجود بذاته والله محب لذاته فأراد سبحانه أن يظهر محبة الذات لذاتها فتجلى جل جلاله قديما قبل القدم، حيث لا قدم بذاته على ذاته بلا كيف، فإنبثق نور ذاتي كساه بالرحمة الإلهية، وهذا النور الرحماني هو نور سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله، المشار إليه بقوله تعالى: "ياأيها الذين آمنوا قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين"..

وقد أظهره سبحانه وتعالى في المظهر البشري الكامل الأكمل الأتم وجعله رحمة للعالمين حتى يجلي ويظهر محبته عز وجل لذاته من خلاله صلى الله عليه وسلم وعلى آله، لذا هو الخليل الأكرم والحبيب الأعظم، وهو المصطفى والمجتبى والمختار من بين جميع عوالم الخلق.. إذا مراده من خلقنا وعبادتنا له الحب.. الحب.. الحب. 

هذا وقد يجهل البعض أن الأصل في علاقتنا بالله عز وجل.. الحب، والدليل على ذلك أن جعله سبحانه هو الأصل في العبادة وجعل علامة صدقنا فيه أي في محبته عز وجل إتباع هدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله لقوله تعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم".

هذا بالإضافة إلى أنه تعالى أراد أن يتفضل علينا بمحبته ومعرفته وأن تعايش إنسه عز وجل وإن يمتعنا بالنظر إلى وجهه تعالى الكريم في الآخرة عند لقائه، وأن يشرق علينا وعلى عوالم الخلق بأنوار أسمائه وصفاته سبحانه وتعالى حتى نرى مظاهر طلاقة قدرته وعظيم إبداعه وتفرده بالخلق والإيجاد.

هذا والله تعالى لا يسأل عما يفعل، وكفانا فخرا وعزا وشرفا أن فتح لنا باب الانتساب إليه بالعبودية له.. ورحم الله الإمام على بن أبي طالب رضي الله عنه إذ قال: "كفى لي فخرا أن أكون لك عبدا.. وكفى بي عزا أن تكون لي ربا.. أنت لي كما أحب فوفقني لما تحب".
الجريدة الرسمية