رئيس التحرير
عصام كامل

حكايات من دفتر أحوال المنتحرين.. «الواتس آب» كلمة السر في انتحار محامية أكتوبر.. إهانة في التليفون تنهي حياة طالب من الطابق الخامس.. والمجموع يدفع طالبين للانتحار بأسيوط

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

قتل.. سرقة.. اغتصاب.. مشاجرة، الجريمة وأن اختلف شكلها فالنتيجة واحد هي وجود الجاني والمجني عليه، ولكن هذه المرة يحوى دفتر الأحوال نوع جديد من الجرائم بدأت تنتشر الجاني والمجني عليه هو نفسه الشخص، معالم القضايا في بدايتها كانت غامضة، بلاغ يصل إلى قسم الشرطة مفادها العثور على جثة، دقائق ويصل رئيس المباحث وقوة أمنية إلى مكان الواقعة.


يفرض كردون أمني ورفع البصمات والأدلة وسماع الشهود وأسرة المتوفى، خلية نحل تعمل على مدار الساعات لتصل إلى نتيجة أن الواقعة انتحار.

إحصاءات
وتشير الإحصائيات مؤخرًا ارتفاع معدلات الانتحار وخاصة في سن 16 لـ 30 سنة نتيجة عدة متغيرات اجتماعية واقتصادية وأسرية، تتبعت حكايات بعض الوقائع الانتحار لأسباب غير مقبول (تافه).

وأوضح تقرير حول حالات الانتحار، أن محافظة القاهرة اختصت بأعلى نسبة وقائع انتحار أو الشروع فيه، حيث وصلت الـ25 % تليها محافظة أسيوط بنسبة 15%، ثم الجيزة 13%، الإسكندرية 10%، والغربية 6%.

وأشار التقرير إلى أن عدد المنتحرين والشارعين في الانتحار 223 ذكورا بنسبة 71.9%، بينما 87 من الإناث بنسبة 28.1%، حيث أكثر الدوافع سببا في الانتحار، كانت الانفعالات النفسية والعصبية بنسبة 65% ذكورا و15% إناثا، إما بسبب المنازعات العالية فكانت بنسبة 2% ذكورا و6% إناثا، بينما حالات التخلص من المرض كانت 4% من الذكور و2% من الإناث، أما حالات الانتحار بسبب حالات الضيق المالى كانت 13% من الذكور و20% من الإناث.

حادثة الزقازيق
الواقعة الأولى دارت أحداثها في مركز الزقازيق داخل إحدى القرى، نشأت علاقة حب بين شاب وفتاة أثناء الدراسة بكلية الهندسة جامعة القاهرة، انتهت بالتقدم لخطبتها، حتى جاء اليوم الموعود والحصول على البكالوريوس، قرر أن يتزوج وجرت التجهيزات على قدم وساق وقبل الزفاف بساعات اعترضت الوالدة على مكان وضع الأثاث والألوان الستائر.

وأثناء النقاش بين الوالدة والابن، أبلغته الأولى بأنه سيخبر والده أن يؤجل الفرح لحين الانتهاء من التعديلات المطلوبة، لم يتحمل الشاب كلام والدته حتى خرج مسرعًا واشترى 10 لترات بنزين وأمام والدته صب الوقود على نفسه وأشعل عود الثقاب حتى التهمت النيران جسده.

أسرعت الأسرة والأقارب لإنقاذه بالتوجه إلى المستشفى إلا أنه كان فارق الحياة، وتم إبلاغ قسم شرطة الزقازيق وحرر المحضر رقم 2189 لسنة 2019، وباشرت النيابة العامة التحقيقات وأمرت بحفظ التحقيقات والتصريح بدفن الجثة.

الواتس آب
الجريمة الثانية دارت أحداثها في أكتوبر، موظف بإحدى الشركات المرموقة شاهد محامية أثناء إنهاء بعض الأوراق داخل مجمع محاكم أكتوبر، نظرة فابتسامة وحديث انتهى بتحديد موعد للتقدم لخطبتها وعلى مدار 10 أشهر ارتبطا الموظف والمحامية بقصة حب انتهت بالزواج.

استمرت المحامية بعملها بعد الزواج، وبحكم عملها تلتقى عملائها من السيدات والرجال وتحدث معهم عبر التطبيقات الاجتماعية، وبدأ يتسلل إلى زوجها هاجس بأن زوجته تخونه مع رجل آخر.

وحملت أوراق القضية 3581 لسنة 2019، تفاصيل المشاجرات التي عرفت الطريق إلى الزوجين وتحولت الحياة إلى جحيم لا يطاق بين الطرفين، حتى جاء اليوم الموعود، بدخول الزوج إلى غرفة النوم وجد زوجته ممسكة بهاتفها وتتحدث مع أحد الأشخاص عبر تطبيق «الواتس آب»، فقام بالتعدى عليها.

حاولت توضيح بأنه أحد عملائها في المكتب وتتحدث في أمور العمل، لم يصدقها قائلا لها: «أنت خاينة... محدش يقدر يخونى»، وأقام لها حفلة تعذيب متواصل لمدة 5 ساعات، وعندما فرغ الزوج من ضربها حمل جسدها والدماء تملأ ملابسها، وعلى حافة شرفة الطابق الخامس استدعت زوجها وقالت: "أنا مخنتكش... بس أنت شكاك زيادة»، وألقت بنفسها وسقطت جثة هامدة، وتم إخطار شرطة النجدة، واعترف الزوج بتفاصيل الواقعة وأمرت النيابة العامة بحبسه 4 أيام على ذمة التحقيقات وجدد قاضى المعارضات حبسه.

التليفون
الواقعة الثالثة حملت تفاصيلها أوراق القضية 963 لسنة 2019، بتلقى قسم شرطة الرمل ثان إخطارًا من شرطة النجدة، بالعثور على جثة طالب بالصف الثانى الثانوى، وبالانتقال فريق من البحث الجنائى بمديرية أمن الإسكندرية إلى مكان الواقعة.

وبسؤال شهود العيان وأسرته وجمع المعلومات وإجراء التحريات توصلت إلى أن الطالب يرتبط بعلاقة عاطفية مع صديقة له في الصف الثانى الثانوى بمدرسة أخرى، وكان دائم التواصل بها ويقضى أوقاتا في الأحاديث التليفونية، وفى أحد الأيام أثناء الاتصال بها ردت والدة محبوبته.

وبسؤال من المتصل عرفها بنفسه، فقامت بإهانته وطلبت منه عدم الاتصال مرة أخرى، فأقدم على إلقاء نفسه من الشقة بالطابق الخامس، وتحرر المحضر اللازم واتخذت النيابة العامة شئونها.

النتيجة
الواقعة الرابعة تبدأ حين أقدم طالب وطالبة بالثانوية العامة بمحافظة أسيوط على الانتحار بتناول كمية كبيرة من الأقراص ومبيد حشرى بسبب ضعف مجموعهما بالثانوية العامة، وتم نقلهما للمستشفى الجامعي.

وتلقى العميد حمدي هاشم رئيس المباحث الجنائية بمديرية أمن أسيوط، إخطارا من نقطة شرطة مستشفى أسيوط الجامعي يفيد وصول "منى.م" 18 سنة "محمد.ن" 18 سنة مصابين بآلام شديدة بالمعدة وفي حالة إعياء شديدة وتغيب عن الوعي.

وبسؤال أهليتهما دلت التحريات الأولية أنهما أقبلا على الانتحار بسبب ضعف مجموع الثانوية العامة، وتم اتخاذ اللازم، وإنقاذهما.

مزاح يتحول لمأساة
في ذات السياق، تحول هزار طالب جامعى مع شقيقته إلى مأتم بإطلاق النيران على نفسها من سلاح والدها بعدما أخبرها بأنها راسبة في مادتين بنطاق محافظة أسيوط.

تفاصيل الجريمة انتهت بانتحار الفتاة ودخول شقيقها مصحة نفسية، البداية بطلب الفتاة طالبة بالصف الثالث الثانوى، من شقيقها بإحضار نتيجتها، وتوجه الشاب إلى المدرسة وحصل على النتيجة بحصول شقيقته على مجموع بنسبة 97%، عاد إلى المنزل فرحا وقرر أن يختبر صبر شقيقته بوصله مزاح.

دق جرس الباب فخرجت مسرعة لتفتح لشقيقها الباب، وبادرته بالسؤال على النتيجة ليرد عليها بالرسوب في مادتين، لم تتحمل الفتاة الموقف وملاءة عينيها الدموع، ودلفت إلى غرفة والدها وأخرجت سلاحه الناري وأطلقت النيران على نفسها، فأصيب شقيقها «طالب جامعى» بحالة هسترية من البكاء قائلًا: أنا اللى قتلتها «مكنش قصدى.. بهزر معاها عن النتيجة فقتلت نفسها».

وبانتقال رجال المباحث وسؤال الأسرة أكدوا ما ذكره شقيقها وتم التحفظ على الجثة وإيداع شقيقها مصحة للعلاج النفسى نتيجة الصدمة.

الحبة القاتلة
دفتر الجرائم يشير أيضًا لجريمة أخرى حين أقدم زوج بمركز تلا في محافظة المنوفية، على الانتحار بتناول حبة الغلة القاتلة «مادة سامة»، بسبب سوء حالته النفسية حزنًا على وفاة زوجته.

وكان اللواء سمير أبو زامل مدير أمن المنوفية، تلقى إخطارا من اللواء سيد سلطان مدير إدارة البحث الجنائى، يفيد باستقبال مستشفى تلا المركزى "مصطفى.م.م، 33 سنة"، مقيم بقرية بمم التابعة لمركز منوف، مصابا بحالة تسمم وتم تحويله إلى قسم السموم بمستشفى شبين الكوم الجامعى بشبين الكوم ولكنه فارق الحياة عقب وصوله.

وبالانتقال والفحص وسؤال والدته، قررت تناوله قرصا لحفظ الغلة لسوء حالته النفسية وحزنه على وفاة زوجته، وتحرر عن الواقعة المحضر اللازم وجار العرض على النيابة العامة لمباشرة التحقيقات.

تحذير
من جانبه حذر الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، من تكرار الحالات المأساوية السنوية، التي يمر بها طلاب الثانوية العامة بعد إعلان النتيجة مباشرة، مؤكدًا أن 80% من أسباب الانتحار، ترجع لتعرض الولد أو الفتاة للضغوط النفسية الكبيرة من قبل الأهل بسبب ضعف المجموع.

وأضاف «فرويز» أن الطالب في هذه الفترة يمُر بمرحلة من المراهقة، التي تحتاج إلى المزيد من الاحتواء، مثل حديث الأمهات، واحتضان الآباء، والابتعاد عن أسلوب التهديد، لافتًا إلى ضرورة تأهيل الأهل في المقام الأول للتعامل بإيجابية.

وتابع أن الحالة النفسية التي يعاني منها أي شخص منتحر قبل وفاته تعرف باسم "تدهور سن المراهقة"، والتي يكون التفكير الأول خلالها إذا ما تعرض لأي ضغوط سواء من الأب أو الحالة العاطفية أو الدراسة أو لأي سبب آخر هو الانتحار.

وأضاف فرويز، أن تفكير الشباب في الانتحار يأتي لرغبته في الهروب من الضغوط النفسية التي يتعرض لها، موضحا أنه في حالة نجاته من المرة الأولى للانتحار لن يكررها مرة أخرى، لأن هذه التجربة ستجعله يعيد النظر في التفكير في فعله الذي سيكتشف أن خاطئ.

وأكد أستاذ الطب النفسي، أن معظم الحالات التي تعرضت لانتحار مصابة بمرض «هستيري عصابي»، ويدل على أن الشخصية تميل للاستعطاف، وتريد لفت الانتباه وكسب تعاطف الآخرين نحوه، بالإضافة إلى إنها شخصية لا تتحمل الضغوط، ومصابة بالاكتئاب واضطرابات في الشخصية، مشيرًا إلى أن الفقر لا يدعو للانتحار، وأن مصر مرت بظروف اقتصادية في منتهى الصعوبة في عام 67 ولم يشاهد حالة انتحار واحدة.

وأكد أن زيادة عدد حالات الانتحار في الفترة الحالية لم يشاهدها من قبل، وترجع لعدم تواصل الأهل مع الأبناء وتركهم فترات كبيرة بمفردهم مشيرا إلى أن الغالبية العظمى من حالات الانتحار تتراوح من بين سن 14 لـ 25 سنة معظمها في فترة المراهقة.

أقل معدلات انتحار عالميًا
وأكد الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، أنه لا صحة لما يتردد عن تصدّر مصر المركز الأول عالميًا في معدلات الانتحار، مشيرًا إلى أن حالات الانتحار خلال عام 2017 قد بلغت 69 حالة، وأن كل ما يتردد في هذا الشأن مجرد شائعات تستهدف النيل من الاستقرار المجتمعي، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية في تقريرها "الوقاية من الانتحار ضرورة عالمية "لسنة 2016"، يتضح معدل الانتحار في مصر من المعدلات المنخفضة على مستوى العالم حيث تحتل مصر المركز 150 من أصل 183 دولة.
الجريدة الرسمية