رئيس التحرير
عصام كامل

الاحتكار وارتفاع الأسعار


لا شك أن ظاهرة الاحتكار للسلع في مصر تعد من أخطر الظواهر على المجتمع المصري الآن، فالمعاناة التي تنتج عن رفع الدعم وزيادة أسعار السلع من قبل الحكومة يستفحل خطرها ويزداد أثرها السيئ نتيجة الاحتكار، الذي يترك آثاره السلبية الكبيرة على الاقتصاد برمته، فيصب الاحتكار في الغالب لمصلحة المنتج على حساب مصلحة المستهلك..


لأن الاحتكار يعني تصفية المنتجين الآخرين المماثلين، حتى يستطيع التحكم في أسعار منتجاته مثل ما يحلو له، فيما بعد، ليحقق هدفه الرئيس المتمثل في تحقيق الأرباح الاقتصادية، على حساب المستهلك دون مراعاة جودة منتجاته أو خدماته، وذلك لغياب المنتجات أو الخدمات المنافسة لمنتجاته أو خدماته، سواء كانت من الداخل أو من الخارج.

فالمحتكر يحقق الأرباح الاقتصادية من خلال التحكم في الأسعار عن طريق رفع أسعار منتجاته أو خدماته أضعاف ما كانت عليه قبل تصفية المنتجين الذين كانوا منافسين لمنتجاته أو خدماته، حتى يستطيع تعويض المدة السابقة خصوصًا إذا مارس سياسة الإغراق المتمثل في بيع المنتجات أو الخدمات أقل من سعر الكلفة أو بسعر الكلفة على أقل تقدير، وأقل من أسعار السوق السائدة على أفضل تقدير، وهذا بالطبع، يعتمد على القوة والقدرة لدى الطرفين الراغب بالاحتكار والمنافسين الآخرين.

ويمكن القول إنه على الرغم من وجود جهاز «حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية» ومحاولاته المكثفة لضبط الأسواق وسعيه لمواجهة أي ممارسات ضارة بالمنافسة، فإن الواقع الحالي، الذي يشير إلى وجود ارتفاعات «غير مبررة» في الأسعار، يؤكد أن الجهاز لم يزل أمامه الكثير لضبط المنظومة الحالية، وستزداد الأمور صعوبة مع تطبيق رفع الدعم عن المنتجات البترولية في آخر الشهر الحالي.

وفي الغالب أن رفع الأسعار لا ترافقه جودة في النوعية، كونها لا تهم المنتج بقدر ما تهمه الأرباح، وما دام هو المنتج الوحيد المحتكر للسوق، وما دام لا توجد بدائل لمنتجاته أو خدماته، فلديه القدرة والسيطرة على التحكم بأسعار إنتاجه أو خدماته، وهذا ما يدفعه إلى رفع الأسعار حسب ما يراه مناسبًا لتحقيق الأرباح المرغوبة، وهذا ما يترك آثارًا سلبية على الاقتصاد والمجتمع.

ومن أكثر القطاعات التي يتم فيها الممارسات الاحتكارية قطاع الأدوية الذي يشهد زيادة مطردة في أسعار بعض الأدوية بحجة أن الشركات، إما أن ترفع من الأسعار وإما أن تهجر السوق المصرية، وهذا أمر يحتاج إلى تدخل حكومي مباشر بالاستثمار الحكومي في قطاع صناعة الأدوية بصورة كبيرة تجعل مصر مصدرا للأدوية وليست مستوردة لها.

فتبدو سيطرة عشر شركات فقط، منها 6 شركات أجنبية متعددة الجنسيات، و4 من شركات القطاع الخاص المحلية، على نحو 50% من المبيعات. وتعد شركة «جلاكسو سيمث كلاين» أكبر الشركات الخاصة العاملة في صناعة الأدوية في مصر، وتبلغ حصتها من سوق القطاع الخاص نحو 7.5% من إجمالي مبيعات القطاع الخاص في مصر، وتأتى شركة «نوفارتس» في المركز الثاني بحصة سوقية بلغت نحو 6.7% ثم شركة «سانوفي» بحصة بلغت نحو 6.3%.

ويمكن القول إن شركة «سولفاي»، التي اشترت شركة الإسكندرية لكربونات الصوديوم الحكومية سابقًا، تعد الشركة الوحيدة المسيطرة على سوق خامة كربونات الصوديوم أو «الصودا آش» التي تعد الخامة الرئيسية في صناعة الزجاج، حيث تستحوذ الشركة على أكثر من 40% تقريبًا من السوق، في حين يحتكر أحد كبار التجار عملية استيراد تلك الخامة من الخارج لسد الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك.

والحديث عن خريطة الاحتكار في مصر لا يمكن قصره على منتج أو فرد بعينه، لكن منتجات وسلعًا وأفرادًا بعينهم ارتبطت أسماؤهم بمسمى ومفهوم «الاحتكار»، وربما كان أحمد عز، الأمين السابق للتنظيم في الحزب الوطني المنحل وصاحب مجموعة «العز للصلب»، هو الأكثر شهرة في منظومة الاحتكار، فالرجل كان يستحوذ من خلال مجموعته على نحو 68% من سوق الحديد في مصر، لكن تلك النسبة انخفضت إلى ما يقارب 50% عقب هجوم واردات الحديد التركية والأوكرانية والصينية، التي وصلت إلى 500 ألف طن في النصف الأول من عام 2015.

وفي مجال الأسمنت نجد الممارسات الاحتكارية واضحة من قبل مجموعة من الشركات لا تتعدى الأربعة، جميعها أجنبية. فتأتي شركتا «لافارج» الفرنسية ومجموعة «السويس» على رأس الشركات المسيطرة على سوق الأسمنت، فالشركة الأولى التي اشترت شركات بني سويف والإسكندرية والمصرية للأسمنت، والشركة الثانية التي استحوذت على شركات السويس وبورتلاند حلوان وطرة للأسمنت، تسيطران وحدهما على 65% من إجمالي السوق المحلية..

بينما تستحوذ شركتا «سيمور» البرتغالية و«سيميكس» المكسيكية على 22%، وتتوزع الحصة المتبقية على باقي الشركات المحلية. وطبعا هذه الشركات الكبرى مارست كل الممارسات الاحتكارية حتى استطاعت أن تستولي على الشركات الحكومية التي لم تستطع منافستها.

والسيطرة والاحتكار لا يقتصران على القطاع الخاص وحده، إذ تعتبر «الشركة الشرقية للدخان»، الحكومية، المحتكر الرئيسي لتصنيع السجائر والدخان في مصر، فالشركة تحتكر منذ نشأتها إنتاج 100% من سوق السجائر، إلا أن تلك النسبة تقلصت نسبيًا بعد دخول عدد من الشركات الأجنبية في سوق السجائر، وعلى رأسها «بريتش أمريكان توباكو»، و«فيليب موريس»، و«جابان توباكو»، التي بدأت تنتج السجائر داخل مصر، لكن كل ذلك يتم في مصانع الشرقية للدخان، وتحت إشرافها.
الجريدة الرسمية