رئيس التحرير
عصام كامل

استاد القاهرة.. ساحة التعذيب التي أصبحت ملعب الرعب

فيتو


في الذكرى الثامنة لثورة يوليو 1952 كانت الرياضة المصرية على موعد مع موضع ريادة شرق أوسطية وأفريقية جديد كما كانت عادة مصر خلال فترة الستينيات، فالرئيس الراحل جمال عبد الناصر افتتح استاد ناصر الدولي، الملعب الأضخم في المنطقة والقارة بأكملها، ليسجل منذ هذا التوقيت تاريخا جديدا في أرض ملعب ناصر الدولي، كتبه لاعبون روضوا الساحرة المستديرة على أرضية الميدان الذي يحتفظ في أسفله بقصص كثيرة.

صورة جوية لاستاد القاهرة في صحراء مدينة ناصر 1960، فيتو



على بعد 20 كيلو مترا من وسط العاصمة في صحراء العباسية قررت الحكومة المصرية البدء في عمليات إنشاء استاد ناصر الدولي والذي أصبح فيما بعد استاد القاهرة، الذي كان إحدى المنشآت التي ظهرت بعدها مدينة ناصر التي امتدت وتوسعت خلال العقود التالية لتشكل الضاحية الضخمة التي نعرفها الآن، لكن قبل كل هذا العمران كانت تلك الصحراء مسرحا لفصول مهمة جرت منذ أن أنشأ الاحتلال الإنجليزي السجن الحربي في أعقاب الحرب العالمية الثانية على الأرض التي سيشيد في محيطها استاد القاهرة.

 
 

Advertisements


الإذاعي الشهير عمر بطيشة سرد في سلسلة مقالات بصحيفة الوفد مقتطفات من حواره مع المؤرخ والصحفي جمال بدوي وفي أحدها كشف بدوي عن طبيعة الأرض التي شيد عليها استاد ناصر أو القاهرة، وإنها في الواقع كانت مقبرة جماعية للسجن الحربي.

وكتب بطيشة في مقاله على لسان جمال بدوي: " نسب حادث المنشية الذي جرت فيه محاولة اغتيال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، إلى أحد أعضاء جماعة الإخوان، قامت أجهزة الأمن بحملة شاملة اعتقلت فيها آلاف الإخوان وزجت بهم في السجون والمعتقلات، وكنت أنا من بين المعتقلين وقضيت عامين في السجن الحربي، وكان يقع في صحراء العباسية مكان استاد القاهرة الآن، وآه لو يدري لاعبو كرة القدم الذين يلعبون الآن المباريات على أرض الاستاد الخضراء، أن تحت هذه الأرضية مئات الهياكل العظمية والجماجم والضلوع المفتتة لمصريين ماتوا من التعذيب".

الصحفي الموسوعي محمود معروف كتب أيضا سلسلة مقالات بجريدة الجمهورية كشف فيها فصلا آخر عن استاد القاهرة وبالأخص مجمع الصالات المغطاة الضخم الذي شيد مطلع التسعينيات على بعد خطوات من استاد كرة القدم.

 

صورة علوية لمجمع الصالات المغطاة بستاد القاهرة، فيتو

 

وكتب معروف أنه عاصر كواليس بناء مجمع الصالات المغطاة في موقع مبنى السجن الحربي القديم والذي أصبح في ذلك التوقيت من الإرث، حيث أراد الرئيس الأسبق حسني مبارك تشييد مجمع الصالات في 9 أشهر بعد أن تعرض لموقف محرج خلال مؤتمر الوحدة الأفريقية ومحاولة الوفد الجزائري التلويح باستضافة دورة الألعاب الأفريقية 1991 بدلا من مصر المتعثرة في استكمال إنشاءات الدورة، وهو ما أثار حفيظة رئيس الجمهورية وقرر أن تنجز الصالة في 9 أشهر وقبل افتتاح الدورة بأي طريقة.

يروي معروف أن المسئولين لم يجدوا أمامهم إلا مقر السجن الحربي جوار ملعب استاد القاهرة ليكون موقعا لمجمع الصالات ورغم رفض المشير عبد الحليم أبو غزالة هدم السجن باعتباره من التراث فإن الأوامر صدرت بضرورة إنشاء المجمع وبالفعل بدأت عملية الهدم التي تم الاستعانة فيها بمعدات الجيش والمتفجرات نظرا لطريقة البناء المعقدة والحصينة للسجن، فكما ذكر معروف في مقاله فإن عرض الجدران وصل إلى متر ونصف من الخرسانة وهو ما استدعى استخدام بعض المتفجرات لنسفها.

وقبل أن تقفز إلى ذهن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فكرة إنشاء إستاد أوليمبي ضخم في القاهرة ضمن مساعيه لإمكانية استضافة العاصمة لأحداث رياضية ضخمة في حجم الألعاب الأوليمبية، كان محمد طاهر باشا صاحب فكرة دورة ألعاب دول البحر المتوسط ورئيس الهيئة الأهلية للرياضة البدنية فيما بعد، قد طرح فكرة إنشاء ملعب أوليمبي بمضمار لألعاب القوى في القاهرة ليناسب مكانة مصر في محيطها الإقليمي.

وبدأ محمد طاهر باشا في السعي وراء الفكرة نهاية ثلاثينيات القرن الماضي، وتلقى دعما من بعض المسئولين للفكرة وبناء الملعب على أرض جوار مدينة الأوقاف الجديدة والتي تقع الآن بجوار نادي الزمالك وشارع جامعة الدول العربية لكن التكلفة الضخمة لثمن الأرض أوقفت المشروع وفق ما كشفه الكاتب محمد الشماع في موضوعه عن تاريخ إستاد القاهرة في موقع "عرب لايت" من وقائع مقال لمحمد طاهر باشا في مجلة المصور عام 1948 بعنوان القاهرة العاصمة الحديثة الوحيدة التي ليس بها إستاد.
 

 

تصميم مقترح لاستاد القاهرة  ورد بمقال محمد طاهر باشا بمجلة المصور 1948، فيتو


 

سامي شرف أحد الضباط الأحرار البارزين والسكرتير الشخصي للمعلومات للرئيس جمال عبد الناصر كشف في أحد فصول كتابه سنوات وأيام مع جمال عبد الناصر، أن الرئيس كان محبا للرياضة ومدركا لدورها الاجتماعي والسياسي الهام خاصة بعد أن بلغه انسحاب العراق ولبنان من دورة الألعاب الأوليمبية بسيدني عام 1956 احتجاجا على العدوان الثلاثي على مصر وأن الرياضيين المشاركين في الدورة رفعوا شعارات السلام واحتج كثير منهم على العدوان على الأراضي المصرية.
 

عبد الناصر في مقصورة ستاد القاهرة، فيتو


 

ويضيف شرف أن عبد الناصر كان يحلم ببناء استاد رياضي ضخم رغبة في تنظيم دورة للألعاب الأوليمبية واستعان في ذلك بالمهندس أحمد الدمرداش توني لوضع التصاميم وبدء البناء في قطعة الأرض الصحراوية التي تم تخصيصها لذلك في مدينة نصر، وأن الدمرداش استعان بالمهندس الألماني فرانز مارش مصمم إستاد برلين الأوليمبي لتصميم إستاد القاهرة والذي جاء تصميمه متقارب لحد كبير مع إستاد برلين حيث لم تستخدم أعمدة الخرسانة في البناء بل تم حفر الأرض وصخورها وبناء نصف الملعب تحت الأرض وتحميل الجزء العلوى عليه.

المعماري الألماني فيرنر مارش مصمم ستاد القاهرة يشرح لهتلر تصميم ستاد برلين، فيتو

 

ستاد القاهرة هو جزء هام من ذاكرة مصر الرياضية، خاصة إنه أول قرية أوليمبية متكاملة تعرفها قارة أفريقيا والشرق الأوسط تضم ملاعب كرة قدم وحمامات سباحة وملاعب ومراكز تدريب لألعاب اخرى، وسجل الملعب ارقام قياسية عديده على المستوى الأقليمي والعالمي أولها عدد الحضور في مباريات كرة القدم حيث سجل الملعب أكبر حضور جماهيري مرتين الأولى في مباراة الإسماعيلي والإنجلبير في نهائي بطولة أفريقيا للأندية عام 1969 بقرابة 100 ألف متفرج، والثانية في نهائي كأس الأمم الأفريقية عام 1986 بين مصر والكاميرون حيث اتسع الاستاد لقرابة 120 ألف متفرج، بينما يقول البعض أن مباراة مصر والجزائر في تصفيات كأس العالم 2009 شهدت أكثر من 100 ألف متفرج بعد أن خفضت سعة الاستاد لـ74 ألف متفرج عقب تركيب المقاعد فيه خلال عملية التطوير التى شملت الملاعب المصرية قبل تنظيم أمم أفريقيا 2006.

 


 

صورة جوية لاستاد برلين الأوليمبي بتصميم متطابق مع ستاد القاهرة، فيتو

كما سجلت الصالة رقم 1 في مجمع الصالات المغطاة بستاد القاهرة أكبر حضور جماهيري في مباريات كأس العالم للشباب لكرة اليد، حيث حضر المباراة النهائية للبطولة التي نظمتها مصر عام 1993 قرابة 34 ألف نسمة في سابقة لم تحدث وقتها في العالم.
 



 

الجريدة الرسمية