رئيس التحرير
عصام كامل

السفير جمال بيومي: عائشة راتب كانت تقيم وليمة رمضانية في بيتها لـ80 شخصا


«الغُربة.. قرار قاطع بالحزن».. لا يمكن لأحد إنكار أن قضاء مناسبة دينية روحانية مقدسة مثل شهر رمضان في الغربة، يمثل عبئا وضغطا نفسيا على المسلمين، لكن الأكثر صعوبة أن تكون مسئولًا عن جالية مسلمة في دولة غير مسلمة، وهو ما يفرض عليك مسئولية كبيرة، والتزامات وطنية تؤديها نحو أبناء وطنك في الخارج.

السفير جمال بيومي، رئيس اتحاد المستثمرين العرب، مساعد وزير الخارجية السابق، شارك «فيتو» ذكريات لم تستطع السنوات التي مرت عليها محوها من ذهنه، ذكريات حول عمله في عدة دول غير مسلمة، منها ما يتعلق بتجربته في التعامل مع الشهر الكريم، وأهم اللحظات الروحانية التي لا ينساها، وتحديدًا خلال فترة عمله في البرازيل والكاميرون.

*بداية كيف كان رمضان في الخارج بحكم عملك الدبلوماسى؟
«الخارج له فضل على في تعريفي برمضان أكثر مما عرفته في مصر».. حدث هذا أثناء عملي ممثلا للدولة المصرية في البرازيل والكاميرون، وأفسر ذلك بأن المسئولية التي تفرض على تكون كبيرة للغاية «ولو كنت بتصوم في بلدك، عيلتك بتمشي وراك وخلاص، لكن في الخارج أنت مسئول عن جالية إسلامية، وأنت ممثل أيضا للأزهر وتقع عليك مسئولية كبيرة في ترجمة ذلك لعلاقات طيبة بين أبناء الجالية، وربطهم بمناسبة روحانية شديدة الخصوصية».

*ماذا عن قراءة القرآن؟
القرآن الكريم كان بمثابة «نكهة رائعة» في ذكرياتى، «فالأزهر أقبل على خطوة ممتازة في عام 1974 عندما أرسل مبعوثين لدول العالم، من أجل إحياء الممارسات الدينية بين أبناء الجاليات المسلمة فيها، كانت أول تجربة لي في البرازيل خلال السبعينيات وأرسل لي الأزهر مقرئا.. لا يمكن تصور حجم القيمة التي أضافها لي كسفير لمصر.. وكعادتنا كمصريين في الخارج كنت إما أقيم مأدبة طعام للجالية أو أحضر مأدبة لأحدهم، واصطحبه معي في كل مكان؛ نظرًا للتهافت والتشوق لسماع تلاوته للقرآن».

*ماهو الموقف الذي لا يمكن نسيانه؟
اللحظة التي لا يمكن أن أنساها عندما اصطحبت الدكتور عبد الله عبد الشكور رائد الدعوة الإسلامية في البرازيل، إلى مسجد سان باولو -أشهر مسجد في أمريكا اللاتينية يرعاه الأزهر- لم يكن هناك موطأ قدم من شدة زحام المصلين الذين حرصوا على أداء صلاة العشاء والتراويح وراءه، «ووقتها الناس كانت تسجد على ظهور بعض من شدة الزحام»، وحرص المصلون على إحضار أجهزة راديو يمكن التسجيل من خلالها، لتسجيل القرآن الكريم خلال الصلاة.

وقال لى أحد أفراد الجالية البرازيلية كلمة تسببت في بكائى وهى «أول مرة في حياتنا نسمع القرآن حيا»، نظرًا لأن غالبية الجاليات المسلمة هناك كانت تعتمد في سماع القرآن على شرائط مسجلة، ولم يكن يتاح لهم أن يستمعوا للقرآن المرتل من المقرئين بشكل مباشر، «لذلك رغم أن الأمر كان بسيطًا، إلا أنه مثل قيمة كبيرة للمصريين على بُعد آلاف الكيلومترات من مصر».

*ماذا عن ذكرياتك خلال فترة عملك في الكاميرون؟
خلال فترة عملي في الكاميرون، طلبت من شيخ الأزهر –وقتها- الشيخ جاد الحق على جاد الحق إرسال 10 مقرئين، لتجنب تركيز الضغط على مقرئ واحد، وعدم قدرته على تلبية الطلب المتزايد من المصريين هناك لسماع القرآن، ووظفت 9 منهم في كل مسجد من مساجد المدن الإسلامية في الكاميرون، لإحياء صلاة المغرب والعشاء والتراويح، بينما احتفظت بمقرئ معي في السفارة لحضور المناسبات التي تنظمها السفارة وأفراد الجالية خلال الشهر الكريم.

*ما هي العادة التي اتبعتها والمصريون معك هناك وتعلموها من الأزهر؟
العادة التي اتبعتها والمصريون معى هناك وتعلموها من الأزهر أننا «كنا نكسر صيامنا بعد صلاة المغرب بحاجة خفيفة لغاية صلاة العشاء والتراويح وبعدها نفطر جميعا، وهي عادة صحية تمكنا من خلالها من تحقيق خسارة في الوزن، وصلت إلى فقدان 5 كيلو خلال الشهر الكريم، ولا أذكر أن أحدا من المصريين وقتها كان يفطر في منزله برفقة أسرته، ولكن كانوا إما معزومين أو عازمين»، ومن شدة حب المصريين آنذاك لسماع القرآن مباشرة من مقرئي الأزهر المبعوثين، كان «بعض المشايخ يرغبون في العودة لمصر قبل انتهاء رمضان بيومين لقضاء العيد مع أهاليهم، لكنني رفضت، وأصررت على تواجدهم لإحياء صلاة العيد، وبالفعل كان المقرئ والواعظ الذي يؤدي صلاة العيد وينقلها التليفزيون الرسمي في الكاميرون مصريا، وكان الجميع يعلم ذلك، فالكاميرون عضو في المؤتمر الإسلامي رغم أن رئيسها مسيحي».

*ما هي الأطعمة المصرية التي كانت تحرص الجالية على تناولها خلال الشهر الكريم؟
«في البرازيل كان الإفطار دائما ما يتميز بالأكلات الشامية من سوريا ولبنان، وكانت هناك مباراة حول من يعد مائدة شرقية أصيلة بامتياز، ورغم أن الجالية المصرية هناك لم تكن كبيرة، إلا أنه كان فيها مسلمون ومسيحيون، وكان المسيحيون يقيمون حفلات إفطار لإخوتهم المسلمين خلال الشهر الكريم».

*ماذا عن دور السفراء في تنمية الروابط والعلاقات وربط المصريين في الخارج؟
السفراء لهم دور في تنمية الروابط والعلاقات وربط المصريين في الخارج بمناسبة مقدسة هامة مثل شهر رمضان، و«الأمر يتوقف على شخصية السفير، وفي الغالب يكونون أشخاصا اجتماعيين يحبون أبناء جاليتهم ويجتمعون بهم، ولعل أشهر مثال على ذلك السفيرة عائشة راتب -رحمها الله- والتي كانت تقيم وليمة في بيتها يصل عدد المشاركين فيها إلى 80 شخصا».

*هل كانت الدول الأفريقية تحترم المناسبات الدينية الإسلامية؟
في دول أفريقية مثل الكاميرون، تحترم الدولة المناسبات الدينية الإسلامية، ويحترمون مواعيد شهر رمضان التي تفرض نفسها باعتبار الكاميرون جزءا من المؤتمر الإسلامي، ويمنحون العيد الصغير والكبير إجازة مدفوعة الأجر للمسلمين، بينما في الدول الأخرى التي تحترم الديانات المختلفة مثل ألمانيا، فإنها تعامل المسلمين من خلال ما يشبه «المجاملات» عن طريق تقليل ساعات العمل وتعويضها في أوقات أخرى.


الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
الجريدة الرسمية