رئيس التحرير
عصام كامل

حنين للزمن الجميل


بعد تقدم العمر ومرور السنين واقتراب نهاية الأجل ولقاء الله تعالى من آن إلى آخر يأخذني الحنين إلى تذكر الأيام الحلوة والزمن الجميل في بدايات الستينيات والسبعينيات، زمن الحب والمودة وصلة الأرحام وطيب الجوار والعشرة الطيبة والحياة البسيطة التي لم يكن بها أدنى تكلف..


زمن البيت واللمة والأسرة والعيلة والود والرحمة والتراحم، زمن الاحترام والأدب وكبير العيلة، زمن المودة والمحبة بين الجيران مكنش فيه مسلم ومسيحي الجار للجار والحب جامعنا، زمن الطيبة والاحترام والأدب، كان الكبير كبير وله وضعه واحترامه، وتقديره، زمن الطبلية واللمة واللقمة كان ليها طعم..

زمن كان فيه وزارة التربية والتعليم كانت بحق فيها تربية في المدارس وتعليم وكان التلميذ إللي يدخل مدرسة خاصة أو يأخذ درس خصوصي كنا بنعتبره إنه طالب فاشل، وكان المدرس له هيبة لا تقل عن هيبة الوالد، زمن المريلة البيج والشنطة القماش وحذاء وكوتش شركة باتا والقلم الحبر ولمبة الجاز والطبلية اللي كنا بنذاكر عليها، زمن الأنشطة والرياضة وحصص الألعاب والموسيقى والمعامل..

وكان للأساتذة المدرسين نظرة في الأولاد وعينهم عليهم لاكتشاف وتنمية مواهبهم، وأذكر وأنا طالب في الصف الثالث الابتدائي، كنت قارئ نشرة الأخبار في طابور الصباح وكنت آخذ تعريفة كل يوم زيادة على مصروفي إللي كان القرش صاغ "عشرة مليم" علشان أشتري الجرنال بيها، وكنت أروح المدرسة بدري علشان أقابل الأستاذ "عبدالله" مدرس اللغة العربية رحمة الله عليه، وأسلمه الجرنال ويكتب منه العناوين اللي هقرأها في النشرة وأقرأها أمامه حتى يصحح لي النطق واللغة..

وأذكر من زملائي في الابتدائي الكابتن "إبراهيم يوسف" الغزال الأسمر لاعب نادي الزمالك والمنتخب رحمه الله، وكان الكابتن "إسماعيل يوسف" أصغر مننا سنا وكانوا جيراننا في منطقة العصارة بأمبابة، وكان الفنان الجميل على الحجار وشقيقه المحترم المهذب الخلوق الفنان أحمد الحجار وكان لهما جدة صالحة ومبروكة كانت ترقينا بآيات القران رحمها الله، وكان الكابتن عماد المندوه ربنا يحفظه ويبارك فيه جار وزميل لشقيقي الأصغر محمود..

كان زمن جميل فعلا في كل شيء في الفن كان فيه السيدة أم كلثوم إللي كانت بتجمعنا كل خميس في أول كل شهر حول الراديو لسماع أغنيتها الجديدة، وكان عبد الوهاب وعبد الحليم وفريد وأسمهان ووديع الصافي وفيروز ومحرم فؤاد وفايزة أحمد ووردة ونجاح سلام وأسماء كتيرة كبيرة لها أصوات مازالت وستظل تسمع..

زمن جميل في كل شيء، في الفن كنا بنشوف العمالقة يوسف وهبي وبشارة وكيم وشرفنطح والريحاني وحسين رياض وزكي رستم وفريد شوقي ومحمود المليجي وإستيفان رستم وأحمد رمزي وشكري سرحان وعبد المنعم إبراهيم وتوفيق الدقن وإسماعيل يس ورياض القصبي والخواجة بيجو وأبولمعة والدكتور شديد والرائعة ماري منيب والجميلة زينات صدقي وليلي مراد وغيرهم كتير الله يرحمهم ويحسن إليهم..

أسعدونا بأعمالهم الهادفة المحترمة ولازالوا، كان زمن جميل في كل شيء في العلم والأدب ورجال الدين كان مولانا الشيخ البيه ومولانا الشيخ عبد الحليم محمود والشيخ صالح الجعفري والشيخ عبد ربه سليمان والشيخ الشعراوي والشيخ سيد النقشبندي والشيخ نصر الدين طوبار في الإنشاد الديني وغيرهم من أهل العلم..

وفي الأدب نجيب محفوظ ومصطفى محمود وزكي نجيب ومصطفى وعلى أمين وأنيس منصور وإحسان عبد القدوس والعقاد وطه حسين وغيرهم كتير، زمن كان الكبار متواضعين والصغار مؤدبين ومكنش فين فتن طائفية ولا جماعات متطرفة.. وكان العلماء علماء أجلاء يخاطبون القلوب قبل العقول وكان الكل يعيش في حب وأمان وود وسلام..

أيام حلوة وزمن جميل، للأسف دلوقت حال المجتمع يحزن معدش فيه احترام وتوقير للكبير ولا احترام ولا أدب إلا عند القلة القليلة من الناس. وكان فيه إعلام محترم يخاطب العقل يشكل الفكر والوجدان للأسف معدش فيه فن بقى فيه عري ومجون وخلاعة وإسفاف وخطاب للغرائز والشهوات ومفيش موضوع بيقدم له قيمة أو يحمل هدف سامي ونبيل، وأصبح علم الدين تجارة وسبوبة، ودلوقت لا نملك إلا أن نقول.. كان ياما كان، الله يرحمنا ويرحم أيام زمان.
الجريدة الرسمية