رئيس التحرير
عصام كامل

تاريخ الطبلة.. قرون من "القرع" و"لم النقوط"


في فيلم «الراقصة والطبال» يقرر الطبال عبده (أحمد زكي) أن يقدم «شو» بالطبلة دون الراقصة مباهج (نبيلة عبيد) فهو يؤمن أن التطبيل أهم من «الهز».. وبعد مرور ربع قرن من الزمان على عرض الفيلم (1984) هل نجح الطبال في أن يقنع الجمهور بأهمية عرضه و«تطبيله» في غياب الراقصة؟ وهل نجح كذلك في جمع «النقوط» أم أن عزفه لا يطرب أهل الحي؟!


هذا ما سوف تشاهدونه هنا قريبا.. لكن بعد فاصل قصير عن تاريخ الطبلة والتطبيل فابقوا معنا.

تاريخيا، ظهرت الطبلة قبل 6 آلاف عام من الميلاد، أي قبل أكثر من 8 آلاف عام، وتحديدا لدى السومريين والبابليين، الذين كانوا يقرعون الطبول من أجل دعوة الآلهة لأن تفرض هيبتها على سكان الأرض، الذين كان يجب عليهم أن يسمعوا صوت الإله في خشوع لأنه الملهم لسائر أعمال الخير..

ولم يكن التطبيل مهمة عادية، بل كانوا يخصصون للطبل الكبير «المقدس» الذي لا يفارق الهيكل حارسًا برتبة كاهن عظيم، لهذا كان مسمى «حارس الطبل المقدس» من أهم الألقاب في ذاك الوقت.

وبذلك يتضح أن التطبيل مهمة مقدسة منذ فجر التاريخ، ولا ينتقص منها أن يكون المطبلاتي مجرد فرد في فرقة مسخرة بالكامل لراقصة لولبية تتلوى بين الجمهور لتريهم من فنونها ما يفوق مفاتنها أهمية.

أيضا للفراعنة حكايات تروى مع الطبلة والتطبيل.. كفن مقدس له طقوسه وأهميته، إذ عرف المصريون القدماء الطبلة المصنوعة من خشب السّدر.. أكرر السدر بالسين وليس بالصاد أو بالزين.

ولبيان أهمية هذا النوع من الفن في تاريخنا الممتد كنهر النيل، يكفي أن نشير إلى أن الأهرامات بوصفها أهم عجائب الدنيا السبع قد بنيت وشيدت على إيقاعات الطبول العملاقة، فقد خصصت فرقًا مؤلفة من عازفين كُثر مهمتهم «القرع» لتحفيز العمال على إنجاز المهمة.. ولم يكن التطبيل أمرًا عشوائيا، فبعض المعابد الفرعونية حددت مساحات لتعليم فن «التطبيل» لتخريج كوادر مؤهلة للقيام بهذا الأمر بشكل علمي مدروس.

وللطبلة أسماء عديدة، لكن تبقى الدربكة أشهرها، بتاريخها الذي يمتد منذ العام 1100 قبل الميلاد، وهي تصنع من الخزف أو الخشب ويُشد على طرفها العريض قطعة من الجلد، وحديثا باتت تصنع من البلاستيك.. شغل رخيص بعيد عنك!!

أما العزف على الطبلة، فيسمى تطبيلا، ويكون ذلك على أكثر من نحو، والأول وهو الأشهر «الضرب» باليد العارية على جلد الطبلة، والثاني أن يكون التطبيل بـ«العصا»، والعَصَا هي «ما يُتًّخذُ من خشب وغيرِه للتوَكُّؤ أَو الضَرْب».

وبالعودة للفيلم، نجد أن «عبده» فشل في إقناع الجمهور بأن «عرضه» وحده دون راقصة جدير بالمشاهدة، لينصرفوا عنه ويشعر هو بالإحباط ثم الاكتئاب الذي يدفعه للإدمان قبل أن يفقد عقله تماما ويُجن.. ربما ما حدث في الفيلم هو محض خيال المؤلف إحسان عبد القدوس أو السيناريست مصطفى محرم..

غير أن الواقع وبعد مرور ربع قرن أثبت أن «التطبيل» فن قائم بذاته وجدير بأن يستحوز على اهتمام الجماهير، بل وتوجيههم بشكل صريح، فالناس تتفاعل مع الإيقاع وبمجرد سماعه تهتز خصورهم تلقائيا.. وهو ما نراه متحققا حين نشاهد فنانا في حجم «سعيد الأرتيست» أشهر عازف طبلة في مصر وما جاورها من البلدان، فالرجل قادر على تقديم «شو» يخطف الأنظار.

وإلى جانب الأستاذ سعيد هناك أساتذة آخرون يجيدون «الطبل» وهم معرفون بالاسم، وبحمد الله يجمعون من «النقوط» أكثر مما تجمعه الراقصة «جوهرة» ربنا يفك سجنها. والمثير في الأمر أن الجماهير هي من تدفع النقوط عن طيب خاطر، وهي تعي جيدًا أن «الطبال» لا يمكن أن يفك شراكته مع «الراقصة» فعملهما معا يضمن أن يكون العرض أكثر إبهارا... فالتطبيل يلزمه دوما هز.. وسلام مربع يا جدع.
الجريدة الرسمية