رئيس التحرير
عصام كامل

«حجة» طارق شوقي.. استحالة التنفيذ!!


من القواعد القانونية المستقرة في مصر والعالم أجمع أنه "لا يُعذر المرء بجهله بالقانون" ومن باب أولى فلا يعذر المرء بجهله بالدستور، فما بالنا إذا كان ذلك المرء يشغل منصبًا رفيعًا، ولديه عدد من المستشارين القانونيين المنتدبين، فضلًا عن كتيبة من الباحثين القانونيين بالإدارة القانونية، ولكنه مشغول بالتعاقد مع آخرين دون خبرات لتحسين صورته أمام الرأي العام رغم ما توارثه أجدادنا من أمثلة تفيد أن بعض الوجوه لا تؤثر فيها محاولات التجميل.


نحدثكم اليوم عن الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم، الذي لا يعلم أن الدستور المصرى أعلى من شأن الأحكام القضائية وأنزلها منزلةً رفيعةً، بحسبانها عنوانا لسيادة القانون داخل المجتمع، فجعلها تصدر وتنفذ باسم الشعب، وجعل الامتناع عن تنفيذها أو تعطيل هذا التنفيذ جريمة يعاقب عليها القانون.

وشهدت مؤخرًا الجمعية العمومية للفتوى والتشريع بمجلس الدولة غضبًا مدويًا في وجه طارق شوقي بوصفه وزيرًا للتربية والتعليم وأحد أعضاء الحكومة المصرية، استنادًا إلى أن المادة (100) من الدستور تنص على أن: "تصدر الأحكام وتنفذ باسم الشعب وتكفل الدولة وسائل تنفيذها والامتناع عن تنفيذها أو تعطيل تنفيذها جريمة يعاقب عليها القانون، لأن الأحكام التي حازت قوة الأمر المقضى تكون حجة فيما فصلت فيه من الحقوق، ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه الحجية.

جاء ذلك في تقرير قضائي أرسله رئيس الجمعية العمومية في 24 فبراير الماضي إلى وزير التربية والتعليم برقم تبليغ 231، ردًا على خطابه رقم (1294) المؤرخ 8 سبتمبر 2018 في شأن كيفية تنفيذ الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإدارى في الدعوى رقم (46260) لسنة 71 قضائية الصادر بتاريخ 29 سبتمبر 2017 بوقف تنفيذ قرار طارق شوقي، رقم (97) لسنة 2017 فيما تضمنه من ندب "محمد سعد محمد"، رئيس الإدارة المركزية للتعليم الثانوي والخاص والرسمي لغات لشغل وظيفة مدير مديرية التربية والتعليم بالبحيرة.

وكشف التقرير القضائي أن الوزير "طارق شوقي" سبق وأن خاطب إدارة الفتوى لوزارة التربية والتعليم لاستيضاح كيفية تنفيذ الحكم والتي انتهت بموجب كتابها رقم (98) المؤرخ 26 فبراير 2018 بالملف رقم (18/21/655) إلى أن مقتضى تنفيذ الحكم يكون بإعادة (محمد سعد) إلى وظيفته القيادية التي كان يشغلها، غير أن الرأي في الوزارة لم يتفق مع هذا الإفتاء، بزعم أن هناك استحالة قانونية في التنفيذ، وهى في حقيقتها استحالة هزلية لا يتحجج بها إلا من استحب العناد.

وقد عُرض الموضوع على الجمعية العمومية بجلستها المنعقدة في 23 من يناير الماضي، والتي استظهرت أن الدستور المصرى أعلى من شأن الأحكام القضائية وأنزلها منزلة رفيعة، بحسبانها عنوانًا لسيادة القانون داخل المجتمع، فجعلها تصدر وتنفذ باسم الشعب، وجعل الامتناع عن تنفيذها أو تعطيلها جريمة يعاقب عليها القانون لأن احترام حجية الشيء المقضى به مبدأ أساسي..

ولا يجوز إهدار هذا المبدأ بالإحجام عن تنفيذ الأحكام واجبة النفاذ بدعوى تعذر تنفيذها، لأن قوة الشيء المقضى به تسمو على اعتبارات النظام العام، ويكون مقتضى هذا التنفيذ إعدام القرار المقضي بإلغائه مما يستتبع بحكم اللزوم إعادة المعروضة حالته إلى وظيفته التي كان يشغلها قبل صدوره، مع إزالة العوائق التي تحول دون ذلك، وسحب جميع القرارات التي تقف حائلًا دون تنفيذ هذا الحكم، إذ إن حجية الأحكام وقوة نفاذها تعلو على اعتبارات النظام العام، وتسمو بطبيعة الحال على القرارات الإدارية التي تتعارض مع ما انتهى إليه الحكم القضائي أو تحول دون تنفيذه على الوجه الصحيح قانونًا.

وأفادت الجمعية العمومية للفتوى والتشريع أن محكمة القضاء الإداري قضت في الشق العاجل من الدعوى رقم (46260) لسنة 71ق بوقف تنفيذ قرار وزير التربية والتعليم رقم 97 لسنة 2017 الصادر بتاريخ 12 مارس 2017، فيما تضمنه من ندب "محمد سعد"، لشغل وظيفة مدير مديرية التربية والتعليم بالبحيرة، ولم يثبت إلغاء هذا الحكم أو وقف تنفيذه من المحكمة الإدارية العليا، ومن ثم فإنه يتعين تنفيذ هذا الحكم باعتباره حائزًا حجية الأمر المقضي، ويكون مقتضى هذا التنفيذ عودته إلى عمله الأصلي ووظيفته القيادية التي كان يشغلها رئيسًا للإدارة المركزية للتعليم الثانوي والخاص والرسمي للغات، وانتهت الجمعية العمومية إلى ذلك.

ولعل ما سلف بيانه من فتوى الجمعية العمومية القول الفصل في تلك المنازعة لمن كان له قلب وعقل، وأراد تحقيق الصالح العام متجردًا من أهوائه، ولا سبيل لمن أراد تجميل وجهه وتحسين صورته سوى الامتثال لما انتهى إليه قضاء المشروعية في قضائه وفتواه.. وللـحـديـث بـقـيـة.
الجريدة الرسمية