رئيس التحرير
عصام كامل

«فتنة أموال الله».. صراع بين البرلمان وجمعة على ممتلكات الأوقاف.. ومخاوف من طرحها للبيع.. «دينية النواب» ترفض حل الهيئة محل الوزير.. والمادة الثانية تشعل الصراعات بين اللجنة الديني

الدكتور محمد مختار
الدكتور محمد مختار جمعة

على لسان نبيه يوسف عليه السلام وصف المولى عز وجل مصر بـ "خزائن الأرض"، في قوله تعالى "قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ"، تقديرا لما تمتلكه المحروسة من ثروات.


ففي وزارة واحدة هي «الأوقاف» تمتلك هيئتها الكائنة بـ«حي الدقي» أملاكا تقدر بـ تريليون و37 مليارًا و370 مليونًا و78 ألف جنيه بنسبة تعادل الناتج المحلي الإجمالي لمصر في الربع الثالث من العام المالي المنتهى 2017/ 2018، بحسب التقرير الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وتتنوع أملاك هيئة الأوقاف ما بين الأراضي الزراعية التي تستحوذ على نصيب الأسد، وتبلغ 390 ألف فدان بقيمة تقديرية تبلغ 759 مليارا و181 مليون جنيه، وهناك أطلس خاص بأراضي الأوقاف وبلغت مساحة الأملاك "مبان وعقارات" المملوكة للهيئة 7 ملايين و391 مترا مسطحا، وبلغت قيمتها التقديرية 136 مليارا و824 مليونا و95 ألف جنيه، بينما بلغت مساحة الأرض الفضاء المملوكة للأوقاف 9 ملايين و714 ألف متر بقيمة 141 مليارا و364 مليون جنيه، وبذلك تتخطى أملاك الهيئة تريليون، ومع ذلك لا تجني من الإيرادات السنوية سوى مليار و210 ملايين و55 ألف جنيه!

قيمة متدنية

القيمة السوقية المتدنية لأملاك الوقف مقارنة بإجمالي الممتلكات دفعت وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة، للإعلان عن ثورة تصحيحية في التعامل مع مال الوقف، واستثمار أعيانه، وتحصيل كامل حقوقه، بعد ضغوطات سياسية طالبت بفصل هيئة الأوقاف عن الوزارة لكي تستطيع أن تتوسع في مجالات الاستثمار.

ولكن "جمعة" عاد وأكد أنه لن يتم التعامل مع أي من أعيان الوقف بيعا أو شراء أو تأجيرا بغير القيمة الحقيقية الحالية السوقية العادلة، وعدم إبرام أو تجديد أي عقد إلا بالقيمة العادلة، وعند أي تجديد لا بد من أن يكون المتعاقد قد أوفى بجميع التزاماته المالية، وليس عليه أي متأخرات أو استحقاقات لهيئة الأوقاف المصرية.

ورغم سعي الوزير إلى تصحيح المسار في الهيئة إلا أن تصريحاته لم تدخل حيز التنفيذ حتى الآن، خاصة وأن قانون "تنظيم هيئة الأوقاف" الذي يتكون من 20 مادة لم يتم الموافقة على كافة مواده من اللجنة الدينية بمجلس النواب باستثناء المواد (1 -3- 4- 5) بينما أثارت المادة الثانية جدلا واسعا على مدار الأسابيع الماضية في أروقة المجلس، والتي أحلًت الهيئة محل الوزارة في التعامل مع مال الوقف، مما دفع اللجنة الدينية لإرجاء المادة لحين الانتهاء من باقي القوانين.

سوق جديد
من جانبه قال الدكتور عمرو حمروش، أمين سر اللجنة الدينية بمجلس النواب: إن قانون تنظيم «هيئة الأوقاف» بمثابة سوق جديد تتبعه الهيئة بلغة عصرية لمواجهة التحديات التي تواجه الممتلكات ومواجهة الأساليب الملتوية والمختلفة التي يتبعها البعض لنهب مال الله والتأكيد على أن القانون يتوافق مع «شرط الواقف» لأن شرط الواقف كنص الشارع.

مضيفا:" القانون ما زال يناقش حتى الآن في بحضور أعضاء اللجنة الدينية والأوقاف واللجنة الدستورية والتشريعية بمشاركة عدد من اللجان الأخرى، وبمجرد الانتهاء منه سيكون نقلة نوعية للحفاظ على ممتلكات هيئة الأوقاف بالتزامن مع عملية الحصر التي تجريها الهيئة في «أطلس الأوقاف 2019» حتى يتم الاستفادة القصوى من أموال الأوقاف واستثمارها بشكل جيد حتى لو كان هناك تصرف وفق سعر السوق العادل؛ مع وضع ميزة ولو اعتبارية لمن ينتفعون بإيجار تلك الممتلكات".

بيع الأملاك
وأجاب أمين سر اللجنة الدينية على الجدل الواسع حول إمكانية أن يسمح القانون الجديد ببيع أملاك الوقف قائلا: "وزير الأوقاف هو ناظر الوقف وهو ملتزم بتنفيذ شرط الواقف ولا يجوز أبدا مخالفته إنما من الممكن أن نسعى للوصول لأكبر قدر من الاستفادة من تلك الممتلكات بشرط التوافق مع ضوابط الواقفين"، وأشار إلى وجود حالات تسمح ببيع ممتلكات الأوقاف ومنها «إذا كان ذلك لا يتعارض مع شرط الواقف» من خلال الرجوع للحجج التي تم كتابتها منذ أكثر من 100 عام، وكتب فيها صاحب الوقف "إذا كانت هناك ضرورة لبيع الوقف للإنفاق منه على عدة أوجه فلا يوجد مانع ما دام ذلك يتوافق مع شرط الواقف".

ثقافة غائبة

وأضاف "حمروش:" ثقافة الوقف أصبحت معدومة خلال العقود الأخيرة، نظرا لأن الناس قد شاهدوا عبثا بأراضي الأوقاف فقلت الخيرية في ذلك الجانب، أما عندما يشاهد الناس ضوابط وقانونا واستغلالا أمثل مع وجود ناظر للوقف يحافظ على كل شبر من ممتلكاته فسيعطي ذلك طمأنينة لهم من أجل تفعيل هذا المنحى الخيري من خلال تفعيل القانون الجديد".

أبرز العقبات التي واجهت قانون تنظيم هيئة الأوقاف هي «المادة الثانية».. والتي أثارت جدلا واسعا ومناقشات حادة بين ممثلي الأوقاف واللجنة الدينية، حيث أكد الشيخ جابر طايع، المتحدث الرسمي باسم الهيئة ووزارة الأوقاف أن المادة الثانية، والتي تنص على «أن تحل هيئة الأوقاف محل وزارة الأوقاف فيما لها من حقوق وما عليها من التزامات تتعلق بإدارة واستثمار الأموال التي تختص بها» أرجئت لنهاية الجلسات، لكن مجمل القانون سيعيد تنظيم مجلس الإدارة وإعادة الفاعلية.

مشيرا إلى أن أي قانون يضاف لهيئة الأوقاف سيكون إضافة كبيرة وعلامة فارقة في الأيام القادمة، خصوصا وأن الوزارة تطالب بأن يكون الاستبدال بالقيمة السوقية العادلة، وإعادة النظر في الإيجارات القديمة حتى تلبي احتياجات الناس ونكون نفذنا شرط الواقف؛ وعندما يعاد النظر في قانون الإيجارات القديمة الخاص بـ«الأوقاف» سيحقق عوائد أعلى من المتوقع.

وأضاف:" اللجنة الدينية عقدت 3 جلسات متتالية للتباحث حول القانون وتم الوصول إلى المادة الرابعة حيث تم الموافقة عليها مع المادة الأولى والثالثة والخامسة؛ ولن تسمح الوزارة ببيع أي أملاك تابعة للأوقاف لأن القيادة السياسية والرئيس عبد الفتاح السيسي، حريص على مال الأوقاف الذي أكد أنه «خط أحمر» وكذلك وزير الأوقاف باعتباره ناظرا للوقف حريصا على ألا يباع، ولكن في حالة الضرورة القصوى يتم الاستبدال وفق شروط الواقفين ويعاد شراء أصول بقيمة الاستبدال دون المساس بمال البدل على الإطلاق، أو يتم استثمارها مع عدم المساس بها لحين شراء الأصول الجديدة".

مواءمات سياسية
مصدر مطلع بهيئة الأوقاف أشار إلى أن إيرادات هيئة الأوقاف لا تمثل 25. 0% ولم تصل حتى إلى 1%، لأن الأراضي الزراعية التي تسيطر عليها الهيئة لا تستطيع أن تنهي عقود المستأجرين، وفي نفس الوقت لا تستطيع أن ترفع إيجار الفدان؛ وحدث في فترة تولي اللواء ماجد غالب، لمجلس إدارة الهيئة أن رفع سعر الإيجار لزيادة استثمارات الهيئة وبمجرد زيادة 200 جنيه في الفدان تجمعت 6 أتوبيسات للفلاحين أمام مقر الهيئة بالدقي.

فأرسل مجلس الوزراء للواء "ماجد" لتدارس الأمر بعدما أثار الرأي العام، وحاول غالب عقد اجتماعه بالهيئة، ولكن لم يستطيع واضطر لعقد الاجتماع في دار الدفاع الجوي، وأوضح المصدر أن وزير الأوقاف يتحكم بشكل رئيسي بكل صغيرة وكبيرة في مجلس الإدارة واجتماعات الهيئة وفي التعيين والاستبعاد بالمخالفة للقانون، لأن الأمر يتعلق أكثر بالمواءمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ودائما ما يحرص أي وزير للأوقاف على عدم المخاطرة بأي قرار يتعلق بالهيئة مما ينعكس بشكل سلبي على موقعه السياسي.

"نقلا عن العدد الورقي..."
الجريدة الرسمية