رئيس التحرير
عصام كامل

«الحصاد المر».. معايشة داخل الزراعات في موسم «كسر القصب» (فيديو وصور)

فيتو

«يا أبو اللبايش يا قصب.. عندنا فرح واتنصب.. جابو القميص على قدها.. نزلت تفرج عمها.. قال يا حلاوة شعرها.. تسلم عيون اللي خطب».. تلك الأغاني التراثية التي كتبها الخال الأبنودي والتي كان يرددها العاملون بموسم كسر القصب والتي ارتبطت فيها أفراح الصعايدة بموسم حصاد كسر القصب، فعند الحصاد تأتي ينصب سرادق الفرح وتخرج الجمال محملة بالقصب وتعود محملة بعفش العروس.


بداية الرحلة
عقارب الساعة تشير إلى الخامسة فجرًا، حيث يخرج العديد من مرتدي الجلباب الصعيدي، وأبناؤهم وأحفاد، بعضهم يمتطي دابته، وآخرون يستقلون عربات نصف نقل بأيديهم أدوات الكسر، والجميع يلتقوا بزراعات القصب ليبدأوا موسم حصاد كسر القصب أو حصاد الذهب الأسود كما يطلقون عليها في الصعيد.

يفترش العاملون الأرض وبجوارهم الدواب لنقل القصب، والأيدي تشققت من كثرة العمل والوجوه يرتسم عليها علامات الزمن، والأطفال بالرغم من التعب إلا إنهم مليئون أملا وفرحا يغنون ويرقصون بعيدان القصب وآخرون يفترشون الأرض وهم يتذوقون رحيق هذا العسل ويقتلعون غطاء القصب بأسنانهم الصغيرة.

قال حمدان الراعي، أحد العاملين: "نبدأ رحلتنا في الساعات الأولى من الصباح وتستمر حتى مغيب الشمس، وموسم كسر القصب مرتبط لدى الجميع منذ عدة سنوات بالزواج والفرح من المزارع لذا كان يخرج الأطفال والشباب في موكب بالجمال يجوبون شوارع القرية، حاملين عيدان القصب وعلى الجمال عفش العروسة وهم يرددون أغاني الخال عبد الرحمن الأبنودي والذي تغني بهذا التراث الجميل وإبدع ولا يزال الجميع يرددها حتى اليوم.

"الحصاد المر"

"لقمة عيشنا.. وبنشتغل فيها من 50 سنة.. واحنا وعيالنا".. كلمات تفوه بها العم سيد حسن، أحد العاملين بموسم كسر القصب بمدينة نجع حمادي، متابعا: "أعمل في هذه المهنة أكثر من 50 عامًا، ابدأ عملي بعد صلاة الفجر لنقوم بكسر القصب في كل موسم حصاد، ونظل طوال اليوم حتى مغيب الشمس في العمل إلى أن ننتهي من الحوض المخصص للكسر ويتم تجميعه وربطه بالحبال ويوضع على الدابة سواء الحمار أو الجمل لينقل إلى المكان المخصص للديكوفيل أو الجرار حتى ينقل إلى الشركة أو المصنع بعد ذلك".

واستطرد ياسين على، أحد العاملين: "المبالغ التي نتقاضاها لا تكفي قوت يومنا لكن مفيش بديل غير الاستمرار في العمل، الأجرة مش بتكفينا عيش حاف.. لكن ربك مقضياها بالستر والصحة"، ونوه إلى أن الأجرة اليومية تتراوح من 50 إلى 70 جنيهًا، وبالطبع هذا الأمر كان يختلف عن السابق رغم أن الماضي كانت المبالغ أقل لكن الحياة كانت أسهل وأرخص من الوقت الحالي.

"أطفال القصب"
وفي غيطان القصب يلهو الأطفال بنات وصبيان فرحا بموسم كسر القصب مرتدين الجلباب الصعيدي ويضعون على رؤوسهن العمائم والبنات يرتدين العباءة وتغطي رأسها خوفًا من حرارة الشمس حتى في فصل الشتاء وهم يرددون أغانيهم التي اعتادوا عليها "يا حلاوة قصبنا.. قصب القناوي.. يا دهب الصعيد الأسود".

وقالت شيماء محمد، أحد العاملات بكسر القصب: "أعمل في هذا الموسم لمساعدة أسرتي في تربية أشقائي، ويبدأ العمل منذ بزوغ الشمس حتى غروبها، ونظل نجمع بعد كسر الكبار عيدان القصب ونقوم بجمعه في مكان واحد وبعدها ينقل".

وتابع ياسر محمد، أحد الأطفال العاملين في النقل: "مهمتي إحضار الجمل التابع لعائلتي وأقوم بنقل القصب إلى المكان المحدد وبعدها أعود للغيط مرة أخرى وهكذا حتى انتهى من العمل يوميًا.. مردفا: "الجمل بيكون عارف طريقه، ولا أخشى من التعامل مع الجمل بل على العكس تمامًا أجد متعة من خلال العمل معه وهذا لا يؤثر على دراستي".

صعوبات
وعن الصعوبات التي يواجهها العمال قال سيد درويش، أحد العاملين: "أصعب ما يواجهنا هو العقارب والثعابين التي تترعرع في غيطان القصب ونحن نظل لوقت طويل نتربص لها حتى نتمكن من قتلها لكن في بعض الأحيان تلدغ البعض منا وخاصة الأطفال الصغار".
الجريدة الرسمية