رئيس التحرير
عصام كامل

د. ريمون ميشيل يكتب: الصدمات المتكررة وظهور المرض النفسي

د. ريمون ميشيل
د. ريمون ميشيل

بعد أن تعرفنا في مقالتين سابقتين عن أثر العامل الوراثي والتنشئه والبيئة ومدى ارتباطها بالمرض النفسي، نستعرض اليوم عاملًا آخر وهو الصدمات المتكررة وعلاقتها بظهور المرض النفسي.

في البداية أود أن أؤكد أنه في الغالب لا يوجد سبب واحد محدد يمكن أن يؤدي إلى ظهور المرض النفسي، ولكنها مجموعة مركبة من الصدمات والتراكمات التي لم يتم التعامل معها، والتي تلجأ فيها النفس الضعيفة إلى الانسحاب أو الهروب لعدم القدرة على مواجهة الأزمات بمفردها.
وتختلف درجة الاستعداد والاستجابة للمرض من شخص إلى آخر بحسب القوة النفسية التي يتمتع بها الفرد، ومدة التعرض للصدمات واللحظات الأليمة في حياته ومدى شدتها، فبعض الأفراد يتمتعون بنفسية رقيقة لم تعتد على تحمل الصدمات، والبعض الآخر قد لا يبالي بأي شيء في حياته، أحيانًا قد يصطنع ذلك أو لقلة انتباهه وتفاعله مع المواقف والأحداث.
ذكر أحد أساتذة الطب النفسي عن خبرته المهنية خلال فترة العلاج النفسي لمرضاه أن وجود علاقة طيبة واحدة على الأقل في الحياة قد تكون كافية لمقاومة وتحدي الظروف الصادمة والتربية غير السوية، بل وقادرة على تحدي جيناتك الموروثة أيضًا لتُصبِح شخصًا معافى تمامًا قادرًا على مواجهة صدمات الحياة المؤلمة، وحينها ستُصبح مثل تلك العلاقات بمثابة العلاج الفعال ضد معظم الأمراض النفسية التي قد تُصيبك، تذكر مرة أخرى "قد تكون علاقة واحدة فقط" لها القدرة على فعل هذا.
هناك العديد من الوسائل التي يُمكِننا أن نُمارسها لنتمتع بمناعة نفسية قوية كالحرص على خلق المزيد من اللحظات الإيجابية الآن، والتي ستُصبِح في المستقبل ذكرى طيبة محصنة ضد مشاعر الألم، عليك أيضًا بانتقاء شخص واحد على الأقل متخصص تلجأ إليه ليُساعدك على اجتياز أزماتك ببراعة، وابتعد عن مُدَعي العلم وغير المؤهَلين، ولا تنسَ الابتعاد عن مستنزفات الطاقة الأكثر شهرة، وهي كثرة الجدال بلا فائدة والتدخل فيما لا يخصنا والاستماع باستمرار للأحاديث السلبية.
وأخيرًا، يمكن أن يكون صديقك الحالي كتابا ثمينا أو نصائح شخص لم تلتقِ به من قبل، ولكن لكلماته المقروءة أو المسموعة والمرئية عظيم الأثر في بناء نفسية قوية أو في المساعدة على اجتياز محنتك.
------------------------------------------------------
(*) باحث وكاتب في مجال العلوم الإنسانية
الجريدة الرسمية