رئيس التحرير
عصام كامل

علمنة الإسلام.. وأسلمة العلمانية (1)


"المرأة العاهرة أكثر حديثًا عن الشرف"، حكمة خالدة للفيلسوف الأيرلندى "جورج برناردو شو"، وهى تكاد تنطبق تمامًا على "شلة العلمانيين" الذين يئسوا من النيل من الإسلام وهزِّ صورته لدى جموع المسلمين، فأرادوا سربلته بسربال العلمانية التي يعتنقونها، ويتخذونها دينًا لهم.


أحدهم سأل مؤخرًا في مقاله: هل الإسلام علمانى؟ وسعى بكل ما أوتى من لؤم ومكر ونسفٍ للمنطق وقتلٍ للحقيقة لحشد الأكاذيب وتقديم قراءاتٍ مُلتويةٍ للتاريخ، لتكون الإجابة عن السؤال في نهاية المقال بالإيجاب، زاعمًا أن الإسلام "دين علمانى"، وأن بدو الجزيرة العربية كانوا أقرب إلى العلمانية!

المُخجلُ.. أن هذا الكاتب اللوذعى أكثر أبناء جيله تهكُمًا على الإسلام، وأغزرُهم سخرية من الجزيرة العربية وأهلها قبل الرسالة وحتى يومنا هذا، ولكن فشله في بلوغ هدفه، وبقاءه في خندقه وحيدًا شريدًا، لا يهوى على بضاعته سوى الذباب، جعلاه ينقلب على عقبيه، ويعيد ترتيب أوراقه، في محاولة بائسة لإثارة الشكوك والجدل حول دين الله الخاتم.

قد تسألنى: وما الهدف من علمنة الإسلام أو أسلمة العلمانية؟

والإجابة باختصار: هو استمرار الحرب الفكرية ضد الإسلام من خلال تجريده من "الطابع المُقدس"، ونزع أي روابط تصله بالوحي الإلهي المُنزَّل ثابتِ الصياغة والتحقق.

الذين يتابعون كتابات العلمانيين المصريين عن الإسلام، يعلمون أن مقولة: "الإسلام دين علماني بالطبع"، راجت بقوة في السنوات الأخيرة، وهم لا يقصدون من ورائها خيرًا، بطبيعة الحال، ولكن ينطبق عليهم ما انطبق على رءوس النفاق في مدينة رسول الله: "هم العدو فاحذرهم، قاتلهم الله".

هم يقصدون بـ"علمنة الإسلام" اعتبارَه غيرَ مُحدد الملامح والقسمات، وأنه قابل للتغيُّر والتشكُّل وفق الظروف والأحوال الجغرافية والتاريخية، وأنه يترك مساحات واسعة من الشئون الحياتية مفتوحة لكل اجتهاد ورأي أيًّا كان.

علمنة الإسلام أو أسلمة العلمانية.. فكرة مُبهمة، وإن تحددتْ أبعادُها في الفكر العلماني بشكل ماديٍّ واضح، يقصرها على النواحي الاقتصادية أو القيمية المشابهة لقيم الغرب.

الطرحُ، الذي يبدو في ظاهره، وكأنه يتوافق مع الأصل الإسلامي الذي يربط بين الدين والدنيا، يرمي إلى تأسيس فصل الدين عن الحياة من خلال تمييع الإسلام نفسه، وتقليص مساحته، وردِّه إلى مجرد كيان هُلامي شفَّافٍ أقربَ إلى العدم، يتشكل مع كل ظرف وحال حتى لا يكاد يكون له وجود مستقل أو مميز أو هوية.

الذين يحاولون الآن الربط بين الإسلام، وبين العلمانية، هم أنفسُهم الذين احتشدوا من قبلُ وسوف يحتشدون لاحقًا لرمى الإسلام بكل نقيصة، وإهانة المسلمين الأوائل والتحقير منهم، والتشكيك في القرآن الكريم والتحريض عليه، وإهالة التراب على السُنة النبوية الشريفة، والنيل من جميع الثوابت الدينية الإسلامية والتهوين منها، في مقابل التعظيم والتفخيم للعلمانية واعتبارها: دين الأديان وقدس الأقداس.

القرآن الكريم تحدث عن تلك الفئة الضالة قبل أكثر من 14 قرنًا: "الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ، الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا".. وللحديث بقية.
الجريدة الرسمية