رئيس التحرير
عصام كامل

الفنان لطفي لبيب: راضٍ بقضاء الله.. والمرض أجبرنى على اعتزال الفن

الفنان لطفي لبيب
الفنان لطفي لبيب


  • تكريمي في مهرجان شرم الشيخ جاء في وقته
  • أمنح أحفادي وقتي تعويضا عن سنوات الغياب والمرض جعلني اهتم بأسرتي وأولادي
  • الأغاني الموجودة على الساحة حاليًا مثل المناديل الكلينكس، تستخدام مرة واحدة فقط
  • الوسط الفنى عائلتى وأسرتي الكبيرة
  • حياتي كلها في الوسط الفني كانت رحلة بهجة
  • الحالة الاقتصادية والنفسية والاجتماعية جعلت الشعب المصرى "ملهي"
  • الكوميديا أصبحت أمرا شاقا وإضحاك الناس يحتاج إلى مجهود خرافي
  • استغللت فترة التجنيد في دراسة علم الاجتماع.. وكنت في طليعة الجيش خلال عبور أكتوبر
  • قدمت كل ما أحلم بتقديمه كممثل.. ودور السفير الإسرائيلي المهم في مسيرتي
  • شاركت في أعمال فنية بدون أجر لمساندة الشباب
  • أكتب مسلسلا جديدا عن قصة إنسانية تحارب التطرف

أجرى الحوار: محمود عبد الحكيم - محمود نبيل
عدسة: وفاء حسن

بعد مسيرة فنية تقترب من الـ40 عاما، أجبر المرض اللعين الفنان الكبير لطفي لبيب على التقاعد، لبيب الذي عايش واحدة من أفخر الأيام في تاريخ مصر، وكان في طليعة جنود القوات المسلحة في حرب السادس من أكتوبر، يؤكد أنه راض بقضاء الله، وأنه سعيد بما قدمه من أدوار سواء في السينما أو المسرح أو التليفزيون، ويعتبر أن الاعتزال الإجبارى للتمثيل بسبب ظروفه الصحية فرصة لمنح أسرته وأحفاده مزيدا من الوقت، خصوصا أنه كان منشغلا عنهم لفترات طويلة، ويؤكد أن القراءة والكتابة هما سبيله الوحيد للاستمتاع بالوقت الذي يقضيه داخل جدران مكتبه، وأبدى الفنان المخضرم سعادته بتكريمه من مهرجان شرم الشيخ للسينما الآسيوية، مشيرا إلى أن التكريم جاء في وقته، وأنه كان يخشى أن يكون التكريم بعد وفاته.
وفي حديث مليء بالذكريات والشجن يتحدث لطفي لبيب في هذا الحوار عن بدايته الفنية ودراسته لعلم الاجتماع، وعن تجنيده في الجيش وحرب أكتوبر، وعن الاعتزال الإجباري الذي يواجهه حاليًا، وعن حبه للكتابة واتجاهه لكتابة مسلسل جديد، وعن عائلته وأحفاده.. وإلى نص الحوار: 


كيف استقبلت خبر تكريمك في مهرجان شرم الشيخ للسينما الآسيوية؟
بكل صراحة خطوة جميلة جدًا وسعدت جدًا بتكريمي وأنا على قيد الحياة، وكان له مذاق خاص، فبدلًا من أن يستلم أبنائي التكريم ويصعدون على المنصة لاستلام تكريم الفقيد، وجدت أنه يتم تكريمي على أعمالي حاليا.

ألا ترى أن هذا التكريم جاء متأخرًا؟
بالعكس تمامًا، أنا أعتقد أنه جاء في وقته المناسب.

لماذا تعتقد ذلك؟
من الممكن أن يكون هذا التكريم دافع للشفاء، وخاصةً بعد الظروف المرضية التي مررت بها الفترة الأخيرة، وسيعطيني دفعة قوية للأمام وطاقة إيجابية كبيرة.

المهرجانات المصرية تواجه انتقادات بأنها مقصرة في تكريم فناني الجيل القديم، هل تتفق مع ذلك؟
بالعكس أنا لا أرى هذا على الإطلاق، فمهرجان القاهرة كرم الفنان حسن حسني، ومهرجان الجونة كرم نجوما كبارا أيضًا، والمهرجانات في مصر تكرم كل الفنانين، ولابد أن أن يكون هناك وعي من الجمهور أن الفنانين ثروة قومية، وعندما يختفي أحدهم فهذا يؤثر على ملايين العرب.

هل فترة المرض التي مررت بها مؤخرًا، هي أصعب فترات حياتك؟
على الإطلاق فأنا سلمت أمري لله، نظرًا لأن أي شيء يحدث للإنسان يكون بإرادة الله، في فترة ما قبل المرض كنت انشغل بالتصوير على مدار ما يقرب من 16 إلى 18 ساعة يوميًا، وكنت أقضي 4 ساعات فقط في المنزل، وكنت لا أستطيع الجلوس مع أبنائي إلا قليلا، والمرض جعلني اهتم بأسرتي وأولادي وأحفادي بشكل أكثر، نظرًا لجلوسي في المنزل طوال اليوم، وعدم قدرتي على العمل.

وما الذي تغير في لطفي لبيب فترة المرض؟
لم يتغير شيء، فالمرض من عند الله، وأنا سلمت أمري لله وراضٍ بقضائه، ولكن هذه الفترة ساعدتني على ممارسة هواية الكتابة مرة أخرى، فأنا لدى مكتب أذهب إليه يوميًا تقريبًا، وأقوم بالكتابة يوميًا، وأنا من هواة القصة القصيرة، وأقوم باستغلال وقتي في القراءة والكتابة فهما من أحب الأشياء لي.

من من النجوم حرص على زيارتك والتواجد بجانبك خلال محنتك؟
أنا مش زعلان من أي فنان في الحقيقة سواء قام بزيارتي أو اتصل بي أو لا، نظرًا لإدراكي جيدًا انشغال الفنان بالتصوير، وأنا أعلم جيدًا ضمائر البشر وهذا يكفي بالنسبة لي، والوسط الفني أسرتي الكبيرة والمحبوبة لقلبي، وأنا لا أستطيع أن أكره أي إنسان من داخل الوسط الفني أو خارجه.

نعود للبداية.. لماذا درست آداب بعد دراستك في المعهد العالي للفنون المسرحية؟
تخرجت من فنون مسرحية، وتم تجنيدي في القوات المسلحة مدة 6 سنوات مجند عسكري، فقررت أن أستغل هذه الفترة في التعليم وحصلت خلالها على ليسانس آداب.

ولماذا اخترت دراسة علم الاجتماع بالتحديد؟
لأنه علم مهم جدًا في دراسة أي شخصية يقرأها الإنسان، وهذا كان مكملا لدراستي الأساسية في فنون مسرحية، فأنا دارس مسرح، ولو درست علم نفس أو اجتماع أو أي دراسة فهي تصب في الفن بنهاية الأمر.

فترة تجنيدك طوال الـ6 سنوات بالتأكيد كان لها تأثير كبير في تكوين شخصيتك، فكيف تصف هذه الفترة؟
بالطبع ساهمت في تكوين شخصيتي ففي تلك الفترة كنت ضمن الموجة الأولى في مرحلة العبور في 6 أكتوبر، وظللت في الجيش لمدة طويلة 6 سنوات انتهت بحرب أكتوبر، وكتبت عن تلك الفترة كتابا اسمه "الكتيبة 26" رويت خلاله مراحل الحرب، وكل التفاصيل المتعلقة بها، فهذه الفترة لا تتلخص في جملة أو سطر لا أقدر على حذف ثانية واحدة منها، لأن هذه الفترة متلاحقة، ولها إيقاع خاص صعب حكايته، ولها أيضًا إيقاع لحظي من الصعب وصفه في جملة قصيرة.

ولكن بالتأكيد واجهت أياما صعبة جدًا؟
يكفى أنني اتحاصرت مع الجيش الثالث، فكنت في الموجة الأولى عبور، وواجهنا صعوبات في الطعام والشراب وكل شيء، إنما اللحظة نفسها كل ما تتأملها لا تستطيع أن تراها بأكملها، نظرًا لأنه كلما تأملتها تكتشف فيها الجديد والجديد، ويكفى أنني كنت أعيش في ملجأ مع مجموعة من زملائي وفجأة يتم ضرب الملجأ، فمن الصعب وصف تلك اللحظة التي يأتي فيها الموت مستعرضًا.

كيف تخرج منك هذه الكوميديا بالرغم من تلك الصعوبات التي واجهتها في فترة شبابك؟ كيف استمرت معك الكوميديا حتى بعد تلك اللحظات؟
الكوميديا موجودة وستظل فهي روحي، أنا سريع التأثر بكل ما يدور حولي، أتأثر بسرعة شديدة جدًا جدًا، ولكن أسلوب معالجتي للشيء يكون في إطار ساخر، أسخر من أي شيء أنا معترض عليه.

بعد الحرب سافرت 4 سنوات خارج مصر إلى دبي، لماذا؟
كنت في حاجة للمال لتكوين أسرة، واحتياجي لشقة، وكل شيء مثل أي شاب في مقتبل عمره، وعندما ذهبت هناك لم أضع وقتي فمثلت مسرحيات مازالت مذكورة في موسوعة إمارة الشارقة، وأنا أول فنان مثّل مسرح في دولة الإمارات، وقدمت لهم مسرحية "التركة" لنجيب محفوظ قبل أن يحصل على جائزة نوبل، ونجيب محفوظ كتب في حياته 3 مسرحيات وهي "التركة" و"النجاة" و"يحيي ويميت"، واخترت "التركة" لأنني كنت استهدف توصيل رسالة تنص على أن هناك جانبا ماديا وجانبا معنويا في كل شيء.

وما الذي دفعك للعودة إلى مصر مرة أخرى؟
بكل صراحة الفنان الذي يعيش بداخلي هو اللي استدعاني لمصر بعد 3 سنوات و8 أشهر، وعدت إلى مصر، وحققت الذي سافرت من أجله، وأشتريت شقة في مكان جيد.

وهل وجدت صعوبات بعد العودة لمصر؟
بالفعل وجدت صعوبة كبيرة، نظرًا لتأخري عن دفعتي، ووجدت منهم من يعمل منذ 10 سنوات، وأنا بدأت في وقت قريب، وعلي أن أقطع كل هذا المشوار من بدايته، وعلي سبيل المثال كان من دفعتي نبيل الحلفاوي ومحمد صبحي وشعبان حسين وهادي الجيار ونادية فهمي، وغيرهم، ولكن يكفي أنني قبل انتهاء فترة تجنيدي هؤلاء الفنانون صوروا أفلام أكتوبر في الكتيبة التي كنت بها.

هل كانت لحظات صعبة عليك؟
ليست صعبة فهذا حقهم وكنت سعيدا بهم كممثلين، لأنهم كانوا متميزين في أعمالهم.

ولكن بالتأكيد الفنان الذي بداخلك كان يتمنى أن يكون معهم؟
بالطبع الفنان الذي بداخلي كان يتمنى أن يكون معهم، ولكن النصيب، ولكن بعد ذلك وصلت لما وصلوا له، والله أعطاني مثلما أعطاهم وربما أكثر، الحمد لله على نعمه الكبيرة.

ومن رفيقك في مشوارك الفني؟
صديقي المخرج المسرحي محسن حلمي، وكذلك سيد حجاب، وكوكبة كبيرة ولكن أخص بالذكر هذا الثنائي.

هل قدمت كل ما تحلم به كممثل؟
في الحقيقة أنا قدمت كل شيء في الفن، الجاد والكوميدي والشيك والوضيع ورجل الأعمال والفقير وكل الشخصيات التي تتخيلها، على ما أعتقد لم أترك دورًا إلا وقدمته، قدمت أكتر من 350 عملا.. افترا يعني".

ما أسعد ذكرياتك في الوسط الفني؟
لا أعرف ماذا أقول عن هذا الأمر، ولكن حياتي كلها في الوسط الفني كانت رحلة بهجة، لدرجة انني كنت أصل اللوكيشن إن لم تطفو عليه البهجة اتركه، وذلك يعني أنني لا أحب النكد، ويجب أن تبقى حالة بهجة مسيطرة على الأجواء، وهذه الحالة هي التي تظهر الفن.

ما الدور الذي تعتبره نقلة في مشوارك الفني ولماذا؟
عندما قدمت دور السفير الإسرائيلي في فيلم "السفارة في العمارة"، فهو حقق نجاحا كبيرا لي بشكل شخصي، وأصبح حجم الطلب علىّ كثير جدًا، وبالرغم من ذلك لم أغفل التجارب الشابة، فوسط أعمالي الكثيرة لي أفلام مع شباب، وروائية قصيرة مجانًا بدون مقابل، وهذا الدور كان نقلة لي لأنه مع النجم عادل إمام، والاهتمام المصري بالعلاقة الإسرائيلية المصرية تركزت في هذا الفيلم، فالفيلم خدمني لأبعد الحدود.

ما رأيك في مستوى الدراما حاليًا؟
نعيش حاليًا في أزمة درامية، هذه الأزمة تجعلني أعود بالذكريات، وأقارن بالدراما التي كانت تقدم مسبقًا ومنها "بابا عبده"، "رحلة أبو العلا البشري"، "الشهد والدموع"، "ليالي الحلمية"، "أبنائي الأعزاء شكرا"، "لن أعيش في جلباب أبي" وغيرها من الأعمال القيّمة، وكلها أعمال خط واحد، وتخاطب الأسرة المصرية والشعب المصري وحصادها إيجابي، ولكن إذا نظرنا على المسلسلات التي تقدم هذه الفترة نجدها تركز على العشوائيات والبلطجة ورجال الأعمال الفاسدين والدعارة والمخدرات، ومن رأيي لابد من العودة للأدب لتغيير هذا الأمر.

يقال دائمًا إن الفن مرآة المجتمع، ألا ترى أن النماذج التي ذكرتها موجودة بالفعل في المجتمع؟
هذه النماذج لا تمثل مصر، فنحن جميعًا نري مصر ولا يوجد بها كل هذه العيوب، ولكن فجأة نجد مسلسلات مليئة بالعشوائيات والبلطجة والمخدرات وهو أمر غير مقبول، هناك فرق بين الأعمال القيمة القديمة وما يتم تقديمه الآن، هناك أعمال معينة أري أننا نحتاجها الفترة الحالية، وهي الدراما القيمة التي تفلم أظافر الوحش داخل الإنسان، ويكون وديعا ولا يوجد به شراسة.

ما رأيك في مستوى الأعمال الكوميدية حاليًا؟
الكوميديا أصبحت في غاية الصعوبة، فالشعب المصري بطبيعته يحب النكتة الحراقة والإفيه الحراق، إنما الحالة الاقتصادية والنفسية والاجتماعية جعلت الشعب "ملهي"، لا يفكر في نكت أو كوميديا، وأصبح من الصعب جدًا الإضحاك، والكوميديا أصبحت أمرا شاقا وإضحاك الناس يحتاج إلى مجهود خرافي.

ما حقيقة اعتزالك الفن بسبب المرض؟
اعتزال إجباري ملوش أي معنى، أنا مش قادر أمشي أروح أمثل إزاي، إنما لو وصلني دور مناسب لي حاليًا لن أقول لا فأنا أحب التمثيل، إنما أعتزل وأكتئب؟ لا لن يحدث هذا، لذلك أقول لك هو ليس قرار، لكن اعتزال إجباري.

تقوم الآن بكتابة عمل فني جديد، فما هو ولماذا اخترت هذه القصة بالتحديد؟
أنا أكتب حاليًا عن امرأة أمريكية جاءت إلى مصر عام 1910 وتوفيت 1961 وأنشأت أكبر ملجأ للأيتام في العالم في محافظة أسيوط ومازال موجودا، وتدعي "ليليان تريش"، فهي عملة نادرة وأصلية، واخترت هذه القصة لأنها تعمق العلاقة بين عنصري الأمة، وتلغي أي شكل من أشكال التطرف، وهي قصة إنسانية.

خضت تجربة التأليف والإنتاج والإخراج والتمثيل، أيهم أصعب؟
أنا كتبت وأخرجت وأنتجت ومثلت، أنا عشت الفن بالطول وبالعرض، وقمت بكل شيء فيه، ولكن أكثر شيء أرهقني كان الكتابة وهناك نوعان من الإبداع، مبدع أول ومبدع تاني، المبدع الأول هو المؤلف والمخرج، المبدع الثاني هو الممثل، ليه؟ لأنه هو الذي ينقل إبداعات الآخرين، فأنا على خشبة المسرح مبدع ثان، لأني أقوم بتمثيل النص الذي كتبه المؤلف، هو الذي كتب الشخصية ورسمها ورأها أولًا وأنا بشخصها، فأنا أكون مبدعا من الدرجة الثانية، وهذا الكلام من الممكن أن يغضب بعض الممثلين، ولكن هذا حق الله، والمطرب كذلك مبدع ثالث، فالمبدع الأول كاتب الكلمات والمبدع الثاني هو الملحن والمبدع الثالث هو المطرب.

بمناسبة الغناء من هم مطربوك المفضلون؟
في الحقيقة أحب سماع إذاعة الأغاني في العموم، أو كل ما هو قديم في الأغنية المصرية، لأن الأغنية المصرية القديمة اتكتبت واتلحنت واتغنت، على عكس الأغاني الموجودة على الساحة حاليًا مثل المناديل الكلينكس، استخدام مرة واحدة فقط، وأنا أسمع مطربين الجيل الحالي، ولكن المفضلين لدى جيلي عبد الحليم، أم كلثوم، فريد، عبد الوهاب، عبد المطلب وغيرهم.


الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"..
الجريدة الرسمية