رئيس التحرير
عصام كامل

في ذكرى ميلادها.. سر أزمة ليلى مراد مع مجلس قيادة الثورة

فيتو

في مثل هذا اليوم 17 فبراير، ولدت واحدة من أجمل نجمات زمن الفن الجميل، وأهم مطربي الوطن العربي، الجميلة ليلى مراد، ذات الملامح الهادئة والوجه الرقيق والابتسامة الناعمة والصوت الدافئ الشجي، وبالرغم من الأعمال الفنية القيمة التي قدمتها ليلي لعالم الفن، فإن حياتها كانت دومًا مثيرة للجدل، فيهوديتها التي تخلت عنها من أجل أن تعتنق الإسلام، كانت سببًا في إثارة شكوك حولها دومًا، خاصة مع إعلان قيام دولة إسرائيل كوطن قومى لليهود، فارتبط اسمها بشائعات عدة تفيد بأنها قد تبرعت بخمسين ألف جنيه لإسرائيل.


وترددت أقاويل أن ليلى على علاقة بإسرائيل، وأنها قد سافرت إلى الكيان الصهيوني، فمُنعت أفلامها وأغانيها في سوريا، وظلت رهن التضييق من قبل مجلس قيادة الثورة لفترة من الزمن، وربط البعض بين هذا التضييق واشتباكها مع مجلس قيادة الثورة واعتزالها الفن وهى لا تزال في "عز شبابها".



أصل الحكاية
ويرجع أصل التضييق عليها من قبل مجلس قيادة الثورة إلى رحلة قامت بها ليلى مراد إلى اليونان، وهى هناك دعاها السفير السويدي لزيارة أحد الاستوديوهات للتعرف على أحدث ما يوجد عندهم من إمكانات فنية، وتفاجأت بأن من يدير هذا الاستوديو يهودى الديانة، حينها قررت ليلي الصمت، ولكنه حاول كسر هذا الصمت والحرص باعتبارهما أبناء ديانة واحدة، ولكنها ردت بأنها مسلمة ووطنها مصر.

حاول مدير الاستوديو إغراءها بتعويضات مضاعفة عما ممكن أن تشهده في مصر من نجاح، سواء على المستوى المادى أو الفنى، ولكنها أنهت الحديث برد حاسم بأنها على استعداد أن تعيش في بلدها بدون طعام أو شراب حتى الموت ولا أن تترك مصر يومًا.

وحينما عادت إلى أرض وطنها مصر، حرصت على رواية تفاصيل مطاردة العناصر اليهودية لها، إلى موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب الذي استشعر خطرًا ما وراء كل ما حدث، فقام بالاتصال بمجلس قيادة الثورة، وعلى الفور ذهبا معًا وبصحبتهما محمد فوزى، وتقابلوا مع عبد اللطيف البغدادى وصلاح سالم، وفي المقابلة أقسمت أن تقول الحق، ولكنهما قابلا حديثها الجدي بلطف مؤكدين أنهما على معرفة تامة بحقيقة ليلي مراد ووصفا الموضوع بأنه "تافه" ولا يمكن أن يستدعى الشك بها، وتناول الجميع الشاى، وغادرت ليلي وعبد الوهاب، وبداخلها شعور بانتهاء الكابوس.



استدعاء في آخر الليل

ولكن الموضوع لم ينته بعد المقابلة، بل تم استدعاؤها بعد شهر من هذه المقابلة للتحقيق في ساعة متأخرة من الليل، وحين جاءها الضابط المكلف باصطحابها إلى مكان التحقيق، طلبت منه أن تؤجل الذهاب إلى الغد، ولكنه أكد ضرورة الذهاب فورًا، أما هي فحاولت إقناعه من جديد بالتواصل مع بعض الأصدقاء، ولكن رده كان بأن الأمر لن يستغرق خمس دقائق فقط، فرضخت لإصراره بعد شعورها بالخوف وذهبت إلى مجلس قيادة الثورة حيث جلست في غرفة وحيدة لمدة ساعة.



أزمة جديدة

بعد الانتظار وجدت ليلي بعض الضباط يدخلون عليها ويلقون عليها التحية، وأبدوا رغبة في معرفة "الحكاية" من جديد، واصفين أن الأمر "زاد" عما حكته من قبل، وسردوا تفاصيل الأمر موضحين أنه تم القبض على جماعة تتعاون مع اليهود، وواحدة منهم تُدعى "بولاند ليفس"، أكدت أنها التقت ليلى مراد وأعطتها الأخيرة أموالا، بل وأكدت أن الأمر قد تكرر خمس مرات، وما كان من ليلى مراد إلا أن تُشهد الله على براءتها من كل هذه التُهم، وأنها لم تقل إلا ما تعرفه، ولم تسرد إلا تفاصيل قد شاهدتها وعايشتها ولا تعرف شيئًا عن هذا الأمر، وفى الأخير تم السماح لها بالانصراف بالرغم من نظرات محمد التابعي وعبد المحسن أبو النور المحيرة، ولكن الأمر لم يتوقف.



الاستنجاد بمحمد نجيب
تكررت فيما بعد سلسلة الاستدعاءات لـ "ليلى مراد" إلى مجلس قيادة الثورة، في أوقات مختلفة، أما هي فقد وصلت إلى حالة نفسية سيئة، وأصبحت رافضة لمغادرة المنزل، فقررت أن تكتب رسالة إلى اللواء محمد نجيب، أول رئيس لجمهورية مصر العربية، بخط يدها عام 1953، شارحة فيه كل ما سبق ومؤكدة أنها على أتم الاستعداد لأن تُحاكم أو حتى أن يتم إعدامها في حالة أنها كانت مذنبة في كل ما هي متهمة به، ولم يتوقف تضييق رجال مجلس قيادة الثورة على ليلى مراد، إلا بعد أن طالبهم محمد نجيب برفع أيديهم عن ليلي مراد، وفقًا للناقد أشرف غريب في كتابه "الوثائق الخاصة لـ ليلي مراد".



سر الاعتزال
وفى 1955، أعلنت ليلى مراد اعتزالها الفن بعدما قدمت آخر أعمالها "الحبيب المجهول" وهى في السابعة والثلاثين من عمرها، أرجع معظم النقاد هذا الأمر إلى رغبتها في الاختفاء عن أعين الجمهور لكى تحتفظ بالصورة الجميلة التي اعتاد الجمهور على رؤيتها بها، ولكن للناقد أشرف غريب، رأي آخر أوضحه في كتابه "الوثائق الخاصة لـ ليلي مراد"، حيث أكد أن ليلى قد تم إجبارها على الاعتزال، فقد كانت بعد هذا الفيلم تقرأ السيناريوهات وعلى استعداد كي تدخل في أعمال جديدة، ولكن من وجهة نظره تم التضييق عليها كما حدث مع الفنان محمد فوزى بداية من عام 1956، تزامنًا مع تولى جمال عبد الناصر السلطة في مصر، خاصة بعدما كانت ليلي وفوزى قد أعلنا ولاءهما للواء محمد نجيب وغنيا له، فقد غنت له ليلي "الاتحاد والنظام والعمل"، فضلًا عن أن علاقتها المتشابكة مع الضباط الأحرار قد ألقت بظلالها على طبيعة تعاملهم معها بعدما غاب نجيب عن الساحة السياسية.



المصدر:
الوثائق الخاصة لـ ليلي مراد، أشرف غريب، دار الشروق، 2016.
الجريدة الرسمية