رئيس التحرير
عصام كامل

الإنسانية تجمعنا


اختلفت معتقدات البشر وتنوعت الملل والمذاهب والتوجهات، هذا مسلم وهذا مسيحي وهذا يهودي وهذا كافر وهذا علماني، إلا أن الحقيقة الثابتة تقول إن مع كل هذا الاختلاف والتنوع هناك رابط مشترك يجمع الكل وهو البشرية والإنسانية، فالكل ينتهي أصله إلى أبو البشر سيدنا آدم عليه السلام، وأم البشر حواء عليها السلام، وفي الحديث شريف "الناس لآدم وآدم من تراب"..


ومن خلال تلك الحقيقة كل البشر إخوة وأبناء عمومة. هذا ولا شك أن لله تعالى حكمة وسرا في هذا التنوع والاختلاف، إذ إنه تعالى لو أراد غير ذلك لجعلهم غير ذلك ويقول سبحانه: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ".. ويقول سبحانه :"وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ".

وعن هذه الحكمة يقول أحد العارفين بالله تعالى: شاء الله تعالى أن يعبد بكل كيف وفي كل صورة ومظهر، وهو عز وجل الأجل من أن يكيف أو يصور أو أن يحد بأين أو أن يشار إليه سبحانه بكيف سبحانه وتعالى.. هذا وليس من حق أي صاحب معتقد أو ملة أن يكره أحد على الإيمان بمعتقده أو أن يسيء إليه لاختلافه معه في المعتقد.

والله سبحانه لم يكره أحد من عباده على أن يؤمن به ويطيعه حيث يقول تعالى: "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ".. هذا ولقد نهت الرسالات السماوية عن العصبية والغلو والتشدد والتطرف وأمرت بحسن المعاملات مع جميع البشر، ولقد أشار الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بقوله: "من مات على عصبية مات ميتة الجاهلية".. ويقول عليه الصلاة والسلام: "الدين المعاملة".. أي حسن وطيب المعاملة مع كل البشر مع اختلاف عقائدهم ومللهم..

هذا وإذا نظرنا إلى الأسس التي بنيت عليها الأديان والرسالات السماوية نجد أنها تدور حول ثلاثة محاور، هي.. العقائد والعبادات والمعاملات. العقائد والعبادات تخص الله تعالى وحده فهو المحاسب وله سبحانه ما شاء في خلقه. وليس من حق أي إنسان أن يتدخل في هذه المسألة.. أما المعاملات فهي تخص البشر فيما بينهم وهي ثمرة العبادات.

هذا وإذا نظرنا كمسلمين إلى أقرب الناس إلينا مودة ومحبة نجد أنهم إخواننا النصارى لقوله تعالى: "وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ".. ومن هنا جاءت وصايا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بأهل الذمة الأقباط مصر خاصة. من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: "من آذى ذميا فقد آذاني".. وقوله: "أوصيكم بأقباط مصر خيرا فإن لكم فيهم صلة ونسبا".

والأحاديث في هذا كثيرة وكلها تؤكد على حسن المعاملة وطيب المعاشرة والجوار وعدم الإساءة إلى إخواننا المسيحيين بأي شكل، هذا ونحن في مصر أرض الكنانة مسلمين ومسيحيين نسيج واحد، فنحن كما أشار الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في رباط إلى يوم القيامة، والدليل على صدقه عليه الصلاة والسلام أنه على مر التاريخ كم من محاولات بائسة لإحداث الفتنة وشق الصف لطرفي شعبنا الواعي وباءت بالفشل، ومعلوم لدينا جميعا أن الصهاينة الملاعين هم وراء هذه الفتن وكل الفتن الدائرة بين الطوائف الدينية أصحاب الدين الواحد وبين المسلمين وإخوانهم المسيحيين.

وأعتقد أن لقاء فضيلة شيخ الأزهر الشريف وقداسة البابا في هذا اللقاء التاريخي والذي يمثل حقيقة وأصل العلاقة بين المسلمين والمسيحيين المبنية على روح السلام والمحبة والتسامح وحسن الجوار، وأعتقد أنه أبلغ رد على كارهي السلام وأصحاب الفتن المتآمرين على السلم والسلام العالمي. بارك الله تعالى خطوات شيخنا الجليل الدكتور الطيب وقداسة البابا في ترسيخ مبدأ السلام وتفعيل القيم الإنسانية النبيلة بيننا وبين إخواننا المسيحيين..
الجريدة الرسمية