رئيس التحرير
عصام كامل

«الممر».. ثورتكم العظيمة مرت من هنا وحزين على نسياني.. أسرار الـ18 يوما في أشهر ميادين الإسماعيلية.. 26 يناير بداية التظاهرات.. وتنحي «مبارك» يوم مشهود في تاريخ المحافظة (فيديو)

فيتو

أنا الممر.. هكذا كانوا يُطلقون عليَّ منذ سنوات طوال، وعقود متعاقبة، منذ أن أسست عام 1879 لأكون حلقة وصل بين حى العرب وحى الإفرنج، أتوسط الإسماعيلية، وأعد من أشهر ميادينها، ولا أبعد سوى أمتار قليلة عن مديرية أمن الإسماعيلية، ومقر الحزب الوطني القديم، على يمينى يقع نفق العرايشية، وشارع السلطان حسين، ومبنى قسم شرطة أول القديم، وعلى يسارى يقع شارع رضا.


اعتدت منذ سنوات طوال على الهدوء، فتلك هي سمة المدينة التي أقع في قلبها، لكن وبالرغم من هذا الهدوء، إلا أننى شهدت أحداثًا كسرت حواجز هذا الصمت، أحداثا لا يمكن محوها من الذاكرة، فقد كنت حاضنًا للحراك الطلابي عام 1951، حينما تجمع الطلاب الشباب دون خوف أو خشية للمطالبة برحيل الاحتلال الإنجليزي من خط القناة، وكنت أيضًا شاهدًا على انطلاق شرارة ثورة 25 يناير وعلى تردد صدى ما يحدث في تحرير القاهرة في محيطي، كنت شاهدًا على عنفوان الشباب، ورغبتهم في التغيير، ومركزًا لتظاهراتهم، وملتقى لكل التجمعات، فلم تخرج مسيرة أو مظاهرة بالإسماعيلية دون أن يكون لى نصيب منها وأن يمر متظاهروها من خلالى.

البداية
كانت البداية يوم 26 يناير، رأيت أول تظاهرة أتى خلالها المتظاهرون من ميدان الفردوس، متجهين نحوى، كانت التظاهرة تجمع عشرات النشطاء السياسيين والشباب يهتفون للعدالة وللحرية، كسرت هتافاتهم حواجز الصمت، وهزت الأرجاء، ولكن سرعان ما أحيطوا بكردون أمني من قبل قوات الأمن المركزى، وتفرق جمعهم في الأخير بعدما تركت صدى هتافاتهم أثرًا في وجدان كل من سمعهم.

بالرغم من انتهاء المظاهرة، وسيطرة الأمن عليها إلا أننى في قرارة نفسي، كنت أعلم أن هذه الاحتجاجات ستكون مختلفة، وأنها لن تمر مرور الكرام، ولن ينتهى أمرها بمجرد الفض، وصدقت توقعاتى، ففى يوم 28 يناير الشهير بجمعة الغضب اشتعلت التظاهرات حدة، وعبر أبناء الإسماعيلية من خلالى إلى مقر الحزب الوطني، رمز الفساد بالنسبة لهم، اقتحموه وحطموا محتوياته، وتعالت الأصوات: "الشعب يريد إسقاط النظام".

ومع توالى أيام الثورة، واشتعال نيرانها في ميدان التحرير بالقاهرة، كان من الطبيعي أن يصل صدى ما يحدث في العاصمة إلى مدينة الإسماعيلية الهادئة تمامًا، كما وصل إلى كل محافظات المحروسة، وبالفعل هذا ما حدث، فقد تجمع الثوار من جديد في محيطى، وكنت أنا مركزًا لاعتصامهم، وشريكًا لهم، ولقد تساءلت كثيرًا عن سر اختيار المتظاهرين لى لأكون وجهة أساسية لتظاهراتهم ومركزًا لهم، وعلمت من الأحاديث الدائرة بينهم أنني بالنسبة لهم بمثابة منطقة إستراتيجية وحيوية، وكنت نقطة وسطية للتلاقى بعيدة عن سيطرة قوات الأمن المركزية، فلدى تفرعات عدة منحت المتظاهرين فرصة أكبر للتظاهر والتعبير عن آرائهم بحرية، وفى الوقت ذاته كان سهلًا من خلالي انضمام المزيد من المواطنين للمتظاهرين.

تلاحم
وأذكر ذلك الشعور الجديد الذي تسلل إلى خلال أيام الثورة، والذي لم أشعر به منذ سنوات طوال قضيتها بين أهل الإسماعيلية، ذلك الشعور بأن هناك تلاحما جديدا من نوعه بين الشعب، بدا الجميع بسببه وكأنهم أسرة واحدة كبيرة مهما اختلفت سماتهم وتوجهاتهم، احتضنتهم الحديقتان الموجودتان على جانبي، وحملت مساحاتهما الخضراء خيام المعتصمين، شهدت صلوات جماعية، وهتافات أصوات كثيرة بدت كصوت واحد، وبالرغم من هذا الود الذي جمع بين أهل الإسماعيلية، وهذه الروح الجديدة التي آنست وحدتى، والاتحاد الذي جمع بين الشعب بمختلف فئاته، إلا أن أيام الثورة لم تمر بردًا وسلامًا على المتظاهرين، فقد رأيت اشتباكات دامية وإصابات شديدة، وشهداء فاضت أرواحهم فداء لوطنهم.

مناوشات
كما أتذكر أن المتظاهرين المعارضين للنظام، والذين كانوا يتخذون منى مركزًا قد تعرضوا لمناوشات كثيرة من قبل المؤيدين للنظام تمامًا، كما تعرض أقرانهم في ميدان التحرير بالقاهرة، وميادين التحرير المختلفة على مستوى الجمهورية، ففى يوم 2 فبراير، أتذكر أن أعداد المتظاهرين قد تزايد في محيطي، ولكن الهدوء لم يكن سيد الموقف، فقد حدثت مناوشات ومشاحنات بينهم وبين مظاهرة ضمت عددا من أعضاء الحزب الوطني والمؤيدين للنظام، وكادت الأمور تتطور لولا تدخل قوات الجيش، وهو ما تكرر أيضًا يوم 5 فبراير، حينما شارك كثير من المواطنين، يتخطى عددهم الألف متظاهر في "جمعة الرحيل" المطالبة بتنحى الرئيس مبارك عن السلطة، متضامنين مع متظاهرى ميدان التحرير بالعاصمة، وظهر عدد من المتظاهرين المؤيدين للرئيس مبارك، وكادت أن تحدث اشتباكات لولا تدخل تشكيلات من القوات المسلحة للفصل بين المتظاهرين.

استمرت المظاهرات، وواصلت أنا دوري الذي بدأت في لعبه منذ انطلاق الثورة، كنت مركزًا وميدانًا جامعًا للثوار، تواصلت الأحداث على حالها المعتاد، واستمرت الهتافات وتنوعت اللافتات، بينما يتزايد الطموح ويتعالى سقف الأمانى، إلى أن هل 11 فبراير، كان يوم جمعة، وبطبيعة الحال ككل جمعة كانت أعداد المتظاهرين تتزايد، وبالفعل بعد انتهاء صلاة الجمعة تظاهر الآلاف الخارجون من المساجد آتين في الأخير إلى ليكملوا مظاهرتهم في محيطى، مطالبين بإسقاط النظام، تعالت هتافاتهم رافضين خطاب مبارك، وانطلقوا من عندى عبر شارع رضا إلى وجهة لم أتبينها إلا حينما سمعتهم يؤكدون أنهم في طريقهم إلى ديوان عام محافظة الإسماعيلية، ويمكننى أن أقول وبحق إن هذه المظاهرة كانت من كبرى المظاهرات التي انطلقت في الإسماعيلية منذ اندلاع الثورة الشبابية، فقد تجاوزت أعداد المشاركين بها الـ7 آلاف مواطن، توحدت مطالبهم ورفضوا التراجع عن تحقيقها.

اليوم المشهود
وفى نهاية هذا اليوم المشهود، خرج عمر سليمان بالخبر اليقين الذي عمت من بعده الأفراح في أرجاء الجمهورية، خبر تنحى مبارك وتنحيه عن منصب رئيس الجمهورية، وتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة زمام الأمور في البلاد، كانت الزغاريد وهتافات النصر هي عنوان هذا اليوم، وكما كنت أنا مقرًا للاشتباكات والتظاهرات والهتافات والدموع، وكنت شاهدًا مع المتظاهرين على الخوف والأمل والألم، فقد كنت معهم أيضًا في وقت الفرح والانتصار، وقت تبدل الحزن بالفرح وتبدل الخوف بأمل يقيني، فاحتفلوا في محيطي بالنصر، وتواصلت الأفراح، ونادي الشباب بتغيير اسمي ليكون ملائمًا للعهد الجديد، فقد اقترحوا أن يصبح اسمي ميدان الحرية، وآخرون اقترحوا أن ألقب بميدان الشهداء، وأيضًا هناك من رغب في أن يُطلق على ميدان الثورة تقديرًا منهم لدوري خلال الـ 18 يومًا من أيام ثورة يناير وإجلالًا لى باعتباري أيقونة للحرية والثورة ومقرًا للتعبير عن مطالب أهالي الإسماعيلية.
الجريدة الرسمية