رئيس التحرير
عصام كامل

منتصر عمران يكتب: حوار مع صديقي الصحفي المولع بالفلسفة

منتصر عمران
منتصر عمران



على الرغم من الأرضية المشتركة التي تجمعنا، إلا أن هناك تباينًا كبيرًا في وجهات النظر، من حيث كونه يؤمن تمامًا بعلم الفلسفة ويجعله ميزانًا لما يؤمن ويعتقد... وأنا على النقيض من ذلك أومن بالنقل مع استعمال العقل.. وعلى الرغم من أنني كنت أتجنب الحديث معه في المسائل الجدلية التي ربما تنشئ نوعًا من فتور العلاقة التي أحرص على استمرارها، إلا أنه في إحدى الدردشات وبعد قراءته لبوست لي أتناول الحديث فيه عن العلمانية بادرني بهذا السؤال: عندي استفسار بسيط يفيدني في مقال أشتغل فيه، هو "أنت قرأت عن العلمانية لمين بالضبط، يعني بتكون أفكارك عنها من أي محتويات ؟"... فكان هذا الحوار بدون رتوش.


قلت له: قراءتي غالبا مستقلة وفيها اقرأ لأصحابها قبل معارضيها.. ومن خلال القراءة أضع لنفسي دوما قاعدة أن أصحاب أي حركة جديدة يحاولون عدم الولوج إلى أهدافهم بصورة مباشرة.. ولا أنكر أن هناك في كل فرقة غلاة.. ولكن يتضح المنهج عند الوصول إلى التمكين.. فهناك من قرأت لهم ومن قرأت عنهم.. ولكن أكثر العلمانية الذين يظهرون علمانيتهم هم الكتاب الصحفيون من خلال كتاباتهم.

أنا، عزيزي، غالبًا أُعمل تفكيري (عقلي)، ولكني متقيد بالنقل عن الشرع، سواء من القرآن والسنة والإجماع.

ودع عنك الذين قرأت لهم.. فما كتبتُه خلاصة ما خرجت به من القراءة، فإذا كان لك رد فأنا أرحب بذلك..

قال لي: لا خالص مش ردود، بالعكس أنا مبسوط بتنقيبك عن الأفكار، بس الفكرة لمن قرأت في العلمانية، الطبيعي أن لها منظرين، وروادًا في البلاد اللي خرجت منها، فطبيعي علشان أفهمها أكون عرفت فلسفاتهم، وخاصة أن كل قرن من القرون الثلاثة الماضية كانت له إسهامات مختلفة، ولها صلات بالعقد الاجتماعي والتنوير، وأشياء أخرى، علشان كده باسأل بس يامولانا، بما أنك كونت رؤية عامة عنها.

قلت له: أنا اعترف لك بأن ما قرأته لا يمثل دراية كاملة بالعلمانية بالطبع.. وكل منهج أو فكرة وافدة على أي مجتمع بغض النظر عن المعتقد يكون لأصحابها قاعدة تسمى من وجهة نظري خطة المنهج والهدف حسب الواقع.. ولكن الغاية يؤجل الإفصاح عنها حتى الوصول إلى الهدف.. على العموم قراءتي كانت من خلال مقتطفات الصحف والمقالات، وليس كتب ودراسات متخصصة فمثلا في البداية كان من يكتب عن العلمانية وراء ستار إعمال العقل والتفكير وعدم التقليد الأعمى.

فمثلا طه حسين كانت له آراء تصطدم مع جزئيات الدين، وعبدالرارق السنهوري على الرغم من كونهما أزهريين.. وهناك كتاب صحفيون ولكن على استحياء يفهم مقصدهم من بين سطور كتاباتهم.. والذي أطلبه هو أن نعيش بتقبل الآخر ويكون واقعًا ملموسًا وليس شعارات سواء من العلمانيين أو ما يطلق عليهم إسلاميون.. ولكن للأسف كل فريق بما لديه متعصب حتى لو أظهر خلاف ذلك....

قال لى: العلمانية مش دين دي مجرد فكرة هدفها التعايش وقابلة للنقد والتحطيم كمان لو هناك أفضل..

قلت له: هي بالفعل فكرة بس من وجهة نظري تريد أن تعيش على أنقاض بعض مواريث الدين والتقاليد.. كل يعمل على شاكلته فربك هو وحده أعلم بمن اتقى.

قال لي: بس عارف اللي غالبا بيخليني مندهش، أن أغلب الإسلاميين أو اللي كانوا أو يعني اللي ينطلقوا في أفكارهم من قواعد دينية بيهاجموا العلمانية والتمدن، ولما تيجي تدور خلف ما يقوله، هتلاقيهم ما قرأوش سطرا واحدا عنها من مئات المراجع الفكرية والفلسفية واتصالها بالمجتمع الإنساني، ولو دققت أكتر هتلاقي الأفكار نقلًا عن مشايخ، عندهم عداء ثقافي مع شخصيات زي طه حسين وغيرهم، وده لب الأزمة.

فيه علم شهير اسمه المغالطات المنطقية، حاول تقرا عنه مهم جدًا، فيه 32 مغالطة مشهورة جدًا ضمنها أهم مغالطة، واسمها رجل القش، في مجمل التعبير عنه إننا نعبر بقناعتنا إحنا عن الشيء وليس حقيقته، وبالتالي نعطي أحكاما تمثلنا نحن وأفكارنا وليس بالضرورة الفكرة التي نتحدث عنها..

قلت له: فعلا ما قلته أنت صحيح ١٠٠% بالنسبة للإسلاميين وأمثالي.. ولكن أنا كشخص أريد أن أتحصل على "عويلم" من خلال تفكيري فقط، أؤكد على أمر مهم أن هناك ضوابط لا أنفك عنها البتة، وهي النقل، فإذا تعارض عقلي القاصر مع النقل، سواء الكتاب والسنة وأقوال الأئمة الثقات في وقتها اضرب برأيي عرض الحائط.

قال لي: لو أنك تكتفي بفكرتك وتعيش من خلالها لن يزاحمك أحد يا صديقي، ولكن تحاول هدم أفكار أخرى دون الإلمام بها، ونسأل بعد ذلك لماذا يهاجم العلمانيون رجال الدين ومن يتحدث من مرجعية دينية؟، بالمناسبة أنا على عداء شديد مع أشاوس العلمانيين في مصر، بسبب هجوهم بمناسبة ودون مناسبة على المتدينين، أنا أرى أن الحياة تسعنا جميعا، ولكن شيئا من المنطقية مطلوب، لا يمكن لي الحكم على فكرة دون الإلمام بها جيدا والغوص فيها بالمنطق الذي خلقت من أجله، وليس ما أريده أنا لها.

قلت له: هل عندما أتناول فكرة بالنقد والتجريح يصبح ذلك هدمًا لها؟! هل هذه الفكرة هشة لهذه الدرجة؟! ما دامت فكرة لا بد أن تتعرض للتمحيص وليس للقبول من أول وهلة.. الرسل والأنبياء نصب لهم قومهم العداء.. أنا أكتب ودع القارئ يحكم.. أليس هذا هو الرأي والرأي الآخر؟!.. المهم ألا يخرج  الأمر عن ذلك.

بعد نهاية الحوار يحق لى أن أعرج على الفرق بين علم الكلام الذي يعتمد على الجمع بين العقل والنقل، أما الفلسفة فأسلوبها الاعتماد الكلي على العقل والأدلة العقلية.

وعلى الرغم من ذلك فالفلسفة لا تعتمد إلا على التعقل في جميع المسائل المبحوثة فيها، لكن علم الكلام يعتمد على التعقل تارة وعلى النقل والتعبّد أخرى، فمثلًا علم الكلام يعتمد في مسائل الإمامة على النقل فقط، ولإثبات المعاد يعتمد على التعقل والنقل والتعبد، أما الفلسفة فلا تثبت إلا بالتعقل. 

ومن وجوه الاتحاد بين هذين العلمين؛ المسائل التي تتعلق بمعرفة الله وإثبات الخالق.
الجريدة الرسمية