رئيس التحرير
عصام كامل

وكنتم أزواجا ثلاثة


لكل إنسان منا رحلة في حياته تختلف عن الآخر. فلكل إنسان رؤية وهدف في حياته وقبل ذلك قدر الله تعالى في حياته ومن الحقائق التي لا شك فيها أن كل منا يتقلب في رحلة حياته بين أقدار الله سبحانه وتعالى فيه، ولن يتجاوز أحد منا قدر الله تعالى فيه لا بزيادة ولا نقصان.


هذا وقد يظن البعض منا أن رحلة حياته بدأت منذ الولادة وتنتهي عند الوفاة، وهذا الفهم متعلق بحياتنا الدنيوية التي نعيشها الآن ولكن كان لنا وجود مسبق سبق وجودنا في هذه الحياة في عدة عوالم بمقتضيات مختلفة وبكيفيات مختلفة. وقبل أن أتحدث على رحلتنا الدنيوية التي نحياها الآن أتحدث أولا في إطلالة سريعة عن العوالم التي مررنا بها قبل هذا العالم الذي نعيشه والعوالم التي سنمضي إليها بعد رحيلنا من هذه الحياة. 

في البدء كان لنا وجود في مكنون العلم الإلهي ذلك العلم الذي حوى كل شيء وإلى ذلك أشار سبحانه وتعالى بقوله.. أحاط بكل شيء علما.. وهذه الإحاطة قديمة أزلية حيث كان تعالى ولم يكن معه شيء، فالله تعالى يعلم كل ما يتعلق بجميع عوالم الخلق والكائنات من قبل أن يأذن سبحانه بخلقهم وظهورهم وكان ذلك حيث لا زمان ولا مكان فكلاهما من عالم الخلق.

ثم انتقلنا من مكنون صفة العلم الإلهي إلى عالم التقدير حيث سطرت يد القدرة الإلهية مقادير وأقدار جميع الخلق في اللوح المحفوظ.. ثم انتقلنا من عالم التقدير إلى ظهر أول مخلوق بشري أبينا آدم أبي البشر عليه السلام ثم خلق الله تعالى منه أم البشر حواء عليها السلام.. ثم انتقلنا من ظهور الآباء والأجداد.. ثم انتقلنا إلى عالم الأرحام حيث كنا عبارة عن نطف مائية من ماء مهين كما وصفه الخالق عز وجل، انتقلت من ظهور الآباء إلى أرحام الأمهات. 

ثم مررنا بعالم التكوين والخلق في أرحام وبطون الأمهات وتحولنا بالقدرة الإلهية من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى عظام ثم كسى الله تعالى العظام لحما.. ثم تم لنا التخلق والتصوير ثم جاء ميقات الظهور والخروج من عالم الأرحام إلى عالم الظهور وعالم الدنيا.. ثم تمضي رحلة حياة كل منا وتنتهي بوفاته.

ثم ننتقل بعدها إلى عالم البرزخ إلى أن يشاء الله تعالى لنا ببعثنا من جديد والوقوف بين يديه عزوجل للفصل بيننا وللحساب ثم ننتقل إلى عالم الديمومية والآخرة ومنا من يخلد في الجنة.. ومنا من يدخل النار منهم من يقيم فيها مؤقت ويخرجه الله منها.. ومن يخلد فيها.

عزيزي القارئ نعود إلى رحلة حياتنا الدنيوية ولنتحدث عنها إذ إننا نحياها ونعيشها الآن ونتحدث عن أحوالنا وتوجهاتنا وأهدافنا المتنوعة والمختلفة ونتحدث عن سر الله تعالى في اختلافنا واختلاف توجهاتنا فيها.. ولكي نعرف سر اختلاف التوجه نعود إلى عالم الذر ذلك العالم الذي استخرج الحق عز وجل فيه الأرواح من ظهر أبينا آدم عليه السلام.. وأقامها سبحانه في حضرة ربوبيته، وأشرق عليها بأنوارها، وعند ذلك انقسم حالها إلى قسمين قسم لم يلتفت إلى أثر التجلي النوراني في ذاته. 

وانجذب إلى مصدر التجلي.. وهؤلاء هم أهل الإيمان، والقسم الثاني هو الذي شغل بأثر التجلي ولم ينجذب للمتجلي سبحانه وهؤلاء أهل الكفر الذين حجبوا عن أنوار الحق عز وجل.. وشغلوا بأنفسهم.. ولا هم لهم ولا شاغل إلا الدنيا وقد حجبهم الله وشغلهم بها. وأولئك شبهم الله تعالى بالبهائم بل حالهم أسوأ.

قال تعالى عنهم في قرآنه.. كالأنعام بل هم أضل سبيلا.. أما عن القسم الأول وهم أهل الإيمان انقسمت أحوالهم في الدنيا إلى قسمين. القسم الأول وهم الذين تعلقت أرواحهم بالكلية بربهم ومولاهم عز وجل ولم يشغلوا بغيره تعالى.. ولم تأخذهم الدنيا بزينتها ولا الآخرة بنعيمها. وهؤلاء هم أهل محبة الله تعالى وولايته والمشار إليهم بقوله سبحانه. 

السابقون السابقون أولئك المقربون ثلة من الأولين وقليل من الآخرين.. وهم أهل الرضا والرضوان ومجالسة الرحمن.. والقسم الثاني منهم هم المؤمنون الذين آمنوا بالله تعالى وصدقوا بالرسل الكرام عليهم السلام.. ولكن لم تخلص وجهتهم لله بالكلية حيث انهم خلطوا في أعمالهم منها الأعمال الصالحة الحسنة والأعمال السيئة الرديئة.. وهؤلاء اقرب إلى عفو الله تعالى ورحمته ويدخلهم سبحانه الجنة في الآخرة ولكنهم يحرمون من معايشة الأنس بالله عزوجل ومن المقام في حضرة القرب.

هذا وعلى إثر هذه الأحوال الثلاثة المختلفة ذات التوجهات المختلفة يكن المقام في الآخرة كما جاء في قوله سبحانه.. وكنتم أزواجا ثلاثة.. أي رجال ونساء على ثلاثة أحوال.. أصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة.. وهم أهل اليمين أهل الجنة..وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة.. وهم أهل الشمال أهل النار.. والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم.. أي أهل القرب المقامون في جنة نعيم الأنس بالله تعالى.
الجريدة الرسمية