رئيس التحرير
عصام كامل

لا أحد.. مسئول مترو الأنفاق!!


الأستاذ عبد التواب يوسف الكاتب الكبير الراحل أحد أبرز رواد كتابة الطفل في عالمنا العربي، اقتربت منه سنوات طويلة، أذكر في إحدى زياراتى له أهدانى مجموعة قصصية بخط يده بعنوان "لا أحد"، واندهشت من العنوان ولكن عندما قرأتها وجدت أن هناك أحداثا تقع أمام الجميع والفاعل أو المسئول عنها لا أحد، هذا الأمر نراه كثيرا في حياتنا، تقع الأحداث أمام أعيننا ولا نعرف سببها أو المسئول عنها، وأحيانا أتخيل أن هناك شخصا أو مؤسسة تخرب وتفسد ولا يمكن الوصول إليها اسمها "لا أحد".


بالرغم من أن المجموعة القصصية معى من ربع قرن، إلا أن فكرتها تطاردنى دائما، في العام الماضى أمطرت السماء فغرقت القاهرة، وتوقفت الحياة في شوارعها، من حظى أننى كنت في مترو الأنفاق، في محطة الزهراء عائدا إلى حلوان، أخذ المترو المسافة من الزهراء إلى حدائق المعادى في ساعتين وتوقف، علما بأن الزمن الطبيعى خمس دقائق بالكثير، ذهبت للسائق لماذا توقف؟ لم أجد إجابة!

ذهبت أبحث عن مدير المحطة لمعرفة إلى متى سنظل في هذا الوضع مع البرد والليل والزحام وبكاء الأطفال، فلم أجد المدير أو أي موظف في المحطة، لا يوجد سوى أفراد الأمن فقط لا غير، وجميع مكاتب المحطة مغلقة، إذن "لا أحد" مدير أو مسئول عن المحطة.

عصر الخميس الماضى توقفت حركة المترو وكنت في محطة جمال عبدالناصر، زحام ولا يوم الحشر، أصوات عالية وصراخ. الغريب أن شباك التذاكر يعمل وعندما طلب البعض إعادة التذكرة فلم يستجب له، ركبنا وتحرك المترو حتى محطة السادات التي كان فيها الآلاف على الأرصفة، وفوجئنا بعودة المترو مرة أخرى لمحطة جمال عبد الناصر، لا تندهش صديقى القارئ عندما أقول الآلاف، لأن المترو تقريبا تعطل نحو ساعتين، ومن يستخدم المترو يعرف أن تأخر المترو لدقائق يعنى زحاما غير عادي. 

استوقفت ضابطا شابا في محطة جمال عبدالناصر وسألته فأكد لى أنه شغال، قلت إننا ذهبنا السادات وعدنا، رد: يا أستاذ المترو شغال، ذهبت إلى شباك التذاكر الذي لا يزال يعمل، فقال الموظف إنه عطلان، بحثت عن مسئول أو مدير المحطة "لا أحد".

المواطنون يتحدثون جميعهم في صوت واحد، "لا أحد" يخرج للمواطن الحائر يتحدث معه يحترمه "لا أحد" أليس هناك إنسان مسئول عن كل ما يحدث "لا أحد"!

لا أحد.. لا أحد.. لا أحد!

ولأننى أستقل المترو يوميا ومنذ أكثر من ثلاثين عاما وكنت مندوب جريدتي في وزارة النقل وقت إنشاء الخط الأول، لهذا أحفظه عن ظهر قلب، والحقيقة أخشى في يوم أن تتحرش بى الشرطة من كثرة ملاحظاتى، كما حدث من نحو شهرين عندما وجهت لي تهمة تصوير إحدى المنشآت المحظور تصويرها، بالرغم أن مئات غيرى كان يصور في محطة السادات ويومها كان أيضا المترو عطلان، ويومها أيضا كان عطلان وكانت محطة السادات كيوم الحشر، وبالرغم أن المترو كان عطلان وسط النهار حاولت الوصول إلى المدير أو المسئول "لا أحد".

وجميع محطات المترو الأمور سهل أن تكتشف التواكل في فحص متعلقات أو في دخول وخروج الأفراد، وللأسف لدى مواقف لا تعد ولا تحصى ويستاء الأمن أو العاملون على أجهزة الفحص منى لأنى أنبههم إلى التجاوزات، إذا سألت الفرد الذي يراقب الجهاز الذي يفحص المتعلقات، لماذا مر الشخص بدون وضع حقيبته في الجهاز؟ يكون الرد هذه مسئولية الأمن وليست مسئوليتى!

وإذا سألت الأمن سنسمع العجاب، يقول أصل "مفهاش حاجة"، وآخر قال لى دول طلبة في محطة البحوث، بالرغم أن هؤلاء الطلبة معهم صناديق، والمبدأ لماذا لا يتم تطبيقه؟ لا أحد..لا أحد..لا أحد يتابع أو يحاسب أحدا!

لن يكون غريبا أن ترى من يقفز من فوق ماكينات الخروج في حماية الموظفين والأمن، وفى إحدى المرات قلت لفرد الأمن والموظف : لماذا تتركهم؟ قالوا: معلش.. لا أحد هنا أو هناك!

أخيرا.. أين المفتش الذي يدخل عربات المترو وأمن المترو وينبه الجالسين على مقاعد كبار السن وأصحاب الحالات الخاصة أن هذه المقاعد حقهم حتى يعرف ويشجع الناس على احترام النظام وكبار السن؟ لا أحد.

لا أحد يتابع.. أين إدارة المترو والأمن من سوق العتبة العشوائى داخل عربات المترو؟ أين وزير النقل الفاشل الذي لا يهمه سوى رفع تذاكر المترو؟ أنه لا أحد.. لا أحد.

أين الوزير ليسمع كلام المواطن الذي يسب ويلعن لتردى الخدمة بعد رفع ثمن التذاكر؟ لا أحد.. لماذا مترو الأنفاق؟! لأنه أهم وسيلة مواصلات في مصر بمفرده ينقل تقريبا خمسة ملايين راكب يوميا.. والسؤال ألا يوجد رجل أو مسئول رشيد في وزارة النقل؟

لا أحد.. لا أحد.. لا أحد وحسبنا الله ونعم الوكيل في كل مسئول لا يراعى ضميره تجاه تراب بلده.. وتحيا مصر رغم أنف المسئولين الفاشلين!
الجريدة الرسمية