رئيس التحرير
عصام كامل

جنيهات نقيب الصحفيين الخمسة


يبدو أن نقيبنا الكاتب الصحفي عبد المحسن سلامة، رئيس مجلس إدارة "الأهرام" لم يرسل منذ فترة طويلة أي "أوفيس بوي" من مكتبه ليشتري له سندوتشين فول وطعمية وكيس طرشي ليتناول وجبة الإفطار مثل باقي عمال مؤسسته الغلابة، ولم يقف منذ فترة على عربات فول المستوقد التي تملأ شوارع مصر في الصباح ليعرف أن الخمسة جنيهات في مصر لم تعد تكفي لشراء سندوتش واحد فول أو طعمية، ولا يعرف أن أقل مبلغ أصبحت تدفعه على عربات فول شوارع مصر هو 20 جنيها.


سأفترض جدلا صحة تصريح نقيبنا الذي أدلى به خلال لقاء الوفد الإعلامي المرافق للرئيس برموز الجالية المصرية بأمريكا، وهو "في مصر تقدر تاكل بـ5 جنيهات، ومصر تعتبر من أرخص بلاد العالم"، وسأدعوه لأن يحسب معي الحسبة البسيطة التالية: رب أسرة مكونة من 5 أفراد يأكل 3 وجبات فول وطعمية فقط و"برضو" بـ5 جنيهات كما قال بـ15 جنيها ولا يأكل لحوما ولا أسماك مضروبا في عدد أفراد أسرته الخمسة مضروبا في عدد أيام الشهر 30 يوما لن تكفيه يا سيادة النقيب 2250 جنيها ليعيش على الفول والطعمية فقط طوال الشهر في دولة يتحدثون عن 1200 جنيه حد أدنى لرواتب موظفيها.

هذا عن تكاليف بند واحد وهو وجبة فول وطعمية من أرخص مطعم يبيع سندوتشاته بنصف القيمة، هذا المواطن الذي قلت عنه سيادة النقيب إنه "في مصر يقدر يأكل بـ5 جنيهات، سيذهب إلى عمله بمواصلة واحدة وهو المترو المملوك للدولة ذهابا وعودة وسيدفع يوميا هو وأسرته 50 جنيها وشهريا 1500 جنيه..

هذا المواطن الذي قلت عنه سيادة النقيب إنه "في مصر يقدر يأكل بـ5 جنيهات سيدفع فاتورة كهرباء وغاز ومياه وتليفونات منزله وموبايلات بمتوسط 500 جنيه، وسيذهب أحد أفراد أسرته حتما إلى أقرب مستشفى حكومي ليدفع في العلاج والدواء 300 جنيه، هذا المواطن الذي قلت عنه سيادة النقيب إنه "في مصر يقدر يأكل بـ5 جنيهات سيعطي لأولاده دروسا عند أرخص مدرس بـ500 جنيه لأن التعليم لم يعد يتلقاه الطلاب كما في أيامنا في الفصول المدرسية بل في السناتر وإلا سيفشلون ويرسبون..

هذا المواطن الذي قلت عنه سيادة النقيب إنه "في مصر يقدر يأكل بـ5 جنيهات سيدفع إيجار شقته إذا كان يسكن في منطقة شعبية شهريا 500 جنيه، وسيدفع مصاريف أولاده في مدرسة حكومية مرة واحدة في العام بمتوسط شهري 200 جنيه.

وهكذا سيادة النقيب لا تكفي 6 آلاف جنيه شهريا لكي يعيش مواطن وأسرته حياة شبه آدمية لا يشتري ملابس لأولاده ولا يذهب بهم إلى المصيف ولن يخرج بهم في فسحة مرة واحدة في الشهر، ولن ولن ولن.

أما عن مقولة نقيبنا إن مصر من أرخص بلاد العالم، قد تكون صحيحة إذا كان متوسط الرواتب في مصر هو متوسط الرواتب نفسه في دول الخليج مثلا بعشرات الآلاف من الجنيهات وليس بـ1200 جنيه، لكن يا سيدي قارن سعر كيلو اللحمة في أمريكا التي تزورها أو السعودية أو الإمارات أو أي دولة الآن بسعر نفس الكيلو في مصر ثم اضرب السعر في 18 جنيها لتكون المقارنة حقيقية وصادقة.

عندما كنا نعمل في الإمارات وزهقنا من الغربة ومنينا نفسنا بالعودة إلى مصر كنا نقول "في بلدنا خير كثير، نستطيع لو ضاقت بنا السبل أن تأكل بجنيه واحد ونستطيع أن نعيش براتب 1000 جنيه، أما الآن سيادة النقيب وبعد قرار التعويم لم تعد العشرين جنيها تكفي وجبة الفقراء، ولم تعد العشرة آلاف جنيه تكفي لحياة آدمية لأسرة مكونة من 4 أفراد.

اذهب إلى أي مطعم في أمريكا سيادة النقيب وتناول وجبة ثم احسب لنا كم دفعت بالدولار وكم تبلغ قيمة نفس الوجبة بالجنيه بعد أن تضرب الرقم بالدولار في 18 لتعرف أن الجنيه المصري أصبح مهانا في مصر وخارج مصر.

نعم سيادة النقيب كان الإصلاح الاقتصادي الذي قامت به مصر – كما قلت - قاسيا لكني أختلف معك فيما قلته من أن هذا الإصلاح كان ضروريا وأن مصر تتعافى من آثاره، فأي ضرورة في إصلاح يتسبب في معاناة 80% من شعب مصر منذ تعويم الجنيه قبل عامين من أجل نيل ثقة المستثمرين وإرضاء مؤسسة دولية نحصل منها على قرض بالتنقيط وليس هبة أو منحة وستسدده الأجيال المقبلة بفوائد باهظة؟

مصر ليست شركة لكي تدار بفكر خصخصة الشركات "تحويلها من الخسارة إلى الربح"، لكن الدول عليها مسئوليات اجتماعية وإنسانية تجاه مواطنيها ومن ضمنها تجنب أي إجراءات تؤذيهم كإجراء التعويم الذي أدى إلى تغريق غالبية المصريين في دوامة الفاقة والفقر والعوز، ونقلهم من الطبقة تحت المتوسطة إلى الطبقة المعدمة.
الجريدة الرسمية