رئيس التحرير
عصام كامل

محمود السعدني يكتب: «صايع في حواري الجيزة»

محمود السعدنى
محمود السعدنى
18 حجم الخط

في مجلة صباح الخير عام 1967 وتحت عنوان «الولد الشقي» يتحدث الكاتب الصحفي محمود السعدني «ولد 20 نوفمبر 1927، ورحل 2010» عن ذكرياته منذ البداية.


ففي فصل عن الصحافة بعنوان «صايع في حواري الجيزة» كتب يقول: «ولسوف أتذكر تلك الأيام هي أحلى أيام العمر وأقساها، ولو قدر لى العودة مرة أخرى إلى الحياة لاخترت نفس الأحداث ونفس الأشخاص ونفس الطريقة، لأنه كان يلوح على آخر الطريق هدف ثابت أسعى إليه بلا هوادة».

أتذكر أنه في يوم كان الخبر الذي هز أعصابنا هزا والذي حمله لنا محرر روزاليوسف وأن دار روزاليوسف ودار الهلال في حاجة إلى محررين وأن اثنين من محرري مسامرات الجيب التي كنت أكتب فيها التحقا فعلا بالعمل في روزاليوسف والبعض الآخر ذهب إلى دار الهلال.

استقبلت الخبر ببرود ظاهري رغم أنه هزني من الأعماق، فهناك مرحلة جديدة في الصحافة توشك أن تبدأ في حياتي.. وهي إما إلى الصحافة، وإما إلى الصياعة.

قضيت ثلاثة أيام أقلب الأمر إما روزا أو الهلال، ولم تكن علاقتي بروزا إلا كقارئ لكن كان بينى وبين بعض محرريها علاقة غير وطيدة فيما عدا الرسام طوغان.

وقد راعني منظر المجلة أول مرة رأيتها من الداخل فكانت محطمة الأثاث والجدران مشقوقة وعشرات المحررين يتخاطفون على سندوتش واحد أو سيجارة لكن كانت العلاقة بينهم وبين رئيس التحرير الذي يجلس معهم في الصالة دائما رائعة.

وكانت روزاليوسف تعامل محرريها بالقطعة ودار الهلال كذلك، لكن روزا تدفع على ما ينشر ودار الهلال تدفع على ما يكتب.

ودار الهلال تدفع ثلاثة جنيهات على الموضوع وروزا تدفع 50 قرشا وأحيانا عشرة قروش على الخبر ولو كان انفرادا تدفع ريـالا كاملا.

خلال الاشهر الأخيرة من صدور مجلة مسامرات الجيب عانيت كثيرا، فكانت المجلة كثيرة التنقل بين البنسيونات لقلة ذات اليد إلى أن طلب منى صاحبها الرجل الطيب أن اتزوج، وكنت حتى هذه اللحظة كأبناء الغجر أهلب رزقى بالعافية، وحياتى كلها مضطربة.

وفجأة سافر الرجل الطيب إلى الهند عام 1948 وشعرت بالضياع ليس لقدومي مكان في الزحام، وفكرة السفر والهجرة لا تروق لى لشدة حنينى إلى الأرض، فلا يوجد مكان في الدنيا يعوضني حواري الجيزة.

كانت أعظم أغنية حركت مشاعري وقتئذ "يا طير يا مروح.. على بلدك ليه بتنوح"، وعدت إلى الجيزة وصياعة الجيزة.. لكن لأول مرة في حياتى بدأت أخشى المستقبل، وذات صباح جاءني خطاب رسمي يدعوني إلى التجنيد الإجباري في صفوف الجيش.
الجريدة الرسمية