رئيس التحرير
عصام كامل

جلال الدين الحمامصي يكتب: رحلات في حياة العندليب

فيتو

في عموده "دخان في الهواء" في مارس 1977 كتب جلال الدين الحمامصي في مقال بعنوان "ثلاث رحلات في حياة العندليب الأسمر"، يرثي فيه الفنان عبد الحليم حافظ يقول فيه:

مات عبد الحليم حافظ.. الفنان الذي شق طريقه من لا شيء.. ليصبح في مطلع حياته الفنية القصيرة.. الكبير في قلوب الملايين من المصريين والعرب.

وقد مرت حياة عبد الحليم في الحياة في مراحل ثلاث، كانت كل مرحلة منها مليئة بالمتاعب والأشواك والأمراض والحسد حتى إنه لم يسلم في مرضه الأخير من السنة الذين اتهموه ظلما بأنه يتمارض ليكسب دعاية رخيصة.

كانت المرحلة الأولى.. هي المرحلة التي جاهد فيها ليبني نفسه، وكنت أراه يتردد على صالة التحرير بالأخبار، وفي بداية الخمسينيات يجلس مع المحررين منزويا حزينا يستمع إليهم، ولا يشترك فيما يقولون، وإذا تكلم كانت كلماته ضعيفة النبرات، وخطوة خطوة استطاع أن ينطق بالكلمة العذبة التي تصل إلى القلوب، وترغم الآذان على الإنصات إليها.

وتلك كانت المرحلة الثانية عندما تحقق له النجاح والشهرة وتهافت الجماهير على السماع إلى صوته العذب، وبالرغم هذا كانت نغمة الحزن لم تختفِ من أغانيه، وإحساسه بأنه مظلوم هو الذي جعل من أغنيته "ظلموه" على كل الشفاه يرددها الناس حتى اليوم رغم أنها قديمة.

هل كان ذلك لأنها وجدت قلوبا مصرية كثيرة تحس بنفس الإحساس، ولهذا كانت قابلة للتفاعل مع نغمتها وكلماتها.. إما لأنها كانت تعبر عن قلب حزين بدأ يحس بأن جسمه قد تحركت فيه أمراض قديمة، وأنها توشك أن تنهي حياته.. لست أدري فالذي أعرفه أن عبد الحليم عاش فترة الشهرة التي سعى إليها، والثراء الذي ناله بعرق جبينه يتمنى لو أنه اشترى منه بما يعيد إليه صحته وشبابه وحيويته.

وبدأت المرحلة الثالثة.. مرحلة النهاية والمصير المحتوم لكل إنسان.. كان يملك كل شيء إلا القدرة على شفاء نفسه أو التخلص من عذاب مرضه، ولأنه كان مؤمنا بالله فقد استسلم لإرادته وكان يتطلع إلى السماء ويردد كلمة يا رب.. تلك الكلمة التي ينساها الكثيرون وهم يغترفون من الدنيا حلالا أو حراما، ويتصورون أن الحياة قد دامت لهم وأصبحت بين أصابعهم يحركونها كما يشاءون، وهم لا يتورعون عن فرض العذاب على من يختارون.
وقد تحدثت معه منذ أيام أسأل عن صحته.. وأشهد بأنه كان شجاعا وهو يواجه الموت.
الجريدة الرسمية