رئيس التحرير
عصام كامل

وفاة المرأة الحديدية بالسكتة الدماغية.. مارجريت تاتشر أكثر رؤساء وزراء بريطانيا تأثيراً فى بلدها.. أول امرأة فى تاريخ لندن ترأس حزبا سياسيا.. وأسست مذهب "التاتشرية" الذى لا يعترف بالمجتمع

مارجريت تاتشر
مارجريت تاتشر

توفيت اليوم رئيسة وزراء البريطانية السابقة "مارجريت تاتشر" البالغة من العمر سبعة وثمانين عامًا، بالسكتة الدماغية.

وتُعد مارجريت تاتشر، أكثر رؤساء وزراء بريطانيا تأثيراً فى بلدها فى وقت السلم خلال القرن العشرين. وقد فازت فى ثلاثة انتخابات وظلت فى السلطة مدة أحد عشر عاماً، من 1979 إلى 1991.


كما تعد تاتشر أول امرأة فى تاريخ بريطانيا ترأس حزبًا سياسيًا، هو حزب المحافظين. ويُعدّ ميراث تاتشر السياسى فلسفة شخصية، تُعرف بالتاتشرية التى تُبنى على الفردية المتشددة والخصوصية ـ فقد جاء فى أحد تعليقاتها: "لا يوجد ما يسمى بالمجتمع" ـ واقتصاد السوق الحر ( كما روج له خبراء الاقتصاد أمثال ميلتون فريدمان وفريدريش فون هايك والإصرار على تنفيذ سياستها الأساسية، على الرغم من عدم قبولها شعبياً غير آبهة بما يواجهها من خلافات. لقد كانت السباحة ضد التيار واحدة من أهم سمات النظرية التاتشرية).

لقبت مارجريت تاتشر بالمرأة الحديدية نظرًا لأسلوبها الصارم فى القيادة فى الانتخابات العامة أعوام 1979، 1983، و1987، وقامت أثناء حكمها بخصخصة العديد من الشركات المملوكة للدولة لدعم تحول أوسع نحو اقتصاد السوق، مع تقليص الضرائب.

وعلى الرغم من جرأتها فى اتخاذ تلك الخطوة لكن هذا التحول بقوة كان مؤلماً على البريطانيين مع بلوغ عدد العاطلين عن العمل ثلاثة ملايين فى منتصف الثمانينيات من القرن الماضي.

وعبرت تاتشر عن مذهبها، فى شهر فبراير من عام 1979 قبل أن تصبح رئيسة للوزراء بفترة وجيزة، قائلة": "إننى لست من سياسيى الإجماع ولا سياسيى المصالح، إننى من سياسيى المبادئ والقيم".

وكما وضّحت ذلك بقولها: "إن صبرى غير عادي، شريطة أن أحقق ما أريد"، وقد تعهدت مارجريت تاتشر باستعادة عظمة بريطانية. فقد كانت وطنية مخلصة لبلدها لا تمل الحديث عنه. وقد وصل التأييد الشعبى لها أوجه أثناء حرب فوكلاند فى عام 1982 عندما أرسلت بريطانيا حملة بحرية لطرد القوات الأرجنتينية من الجزر البريطانية فى جنوب المحيط الأطلسي.

تميزت سياسة تاتشر الخارجية بثلاثة مظاهر رئيسية: الالتزام الشديد بالمصالح الوطنية البريطانية والحرص عليها والارتباط الطبيعى بـ"الأطلسي"، أى وجود علاقة خاصة بين بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والشك العميق فى القارة الأوروبية، خاصة الألمان .

وكان العنصر الأول من العناصر الثلاثة، يستحوذ على جُلّ اهتمامها، ففى تعاملها مع القوى الأجنبية، سواء شركاء بريطانيا فى أوروبا، أو الاتحاد السوفيتى السابق كانت دائما تعلن على الملأ أن مصالح بريطانيا فى المقدمة إلى درجة أنها كانت أحيانًا تنسى مصالح الدول الأخرى.

ومن الناحية السياسية، تُعد تاتشر قومية، على الصعيد الخارجى واقتصادية تؤمن بالتحرر الاقتصادى على الصعيد الداخلي.

وكانت تعتقد أن هيمنة الحكومة على الاقتصاد، منذ الحرب العالمية الثانية قد أوقفت النمو وعطلت الابتكار فى بريطانيا، وأن السوق الحر هو أفضل السبل لتحديث البلاد وقد عبّرت عن رفضها لانشغال حزب العمال بالعمالة الكاملة (أى لا وجود للبطالة) والالتزامات التى يؤديها القطاع العام، وتدخل الحكومة فى الاقتصاد فأعلنت برنامجاً موسعًا للخصخصة، يهدف إلى كبح بل القضاء على قوى الشركات الكبرى التابعة للدولة.

احتفظت تاتشر بعداء خاص للشركات الاحتكارية فى كل الميادين، بسبب ممارساتها القمعية فى كل مجال خاصة تجاه نقابات العمال فى بريطانيا، فعملت على شل حركتها وإضعاف أهميتها وقد عزمت رفع القبضة الحديدية، التى تفرضها الأجهزة الحكومية على الحياة الاجتماعية فأشركت قوى السوق فى تمويل الخدمات العامة، مثل الصحة والتعليم.

وهكذا اكتسبت تاتشر سمعة كمُصلِحة راديكالية، بل كثورية تنأى بحزب المحافظين عن الوسط إلى اليمين، فى المجال السياسي. وخلال سنوات عملها رئيسة للحكومة، ساعد ضُعف حزب العمال فى إقناع الناخبين بعدم وجود بديل لقيادتها.

أرادت تاتشر تقسيم الاتجاهات السياسية المعاصرة لها، على الصعيد الداخلى والخارجى إلى "من معنا"، و"من ضدنا" وقد سُجّلت لمحة مختصرة عن حياتها أَعَدَّها البرلمان البريطاني، ما تحبه وما تكرهه: كانت تفضل خلق الثروة؛ والمغامرات؛ ووجود منافسة أكثر فاعلية مع مستويات أدنى من الأجور والقوة النووية؛ ومساواة المرأة بالرجل فى المعاملة وحكم الإعدام كذلك والحركة الديجولية؛ وحلف شمال الأطلسي؛ والأمريكيين.

كانت تكره المضربين عن العمل؛ ومناصرى الاتحادات المهنية والمجالس المحلية ذات الإنفاق المرتفع؛ والفيدرالية الأوروبية والروس عدا جورباتشوف.

وعلّق الرئيس الفرنسى السابق، فرانسوا ميتران بأنها "تمتلك عينى كاليجولا إمبراطور رومانى وفم مارلين مونرو".

وقال عنها هارولد ويلسون رئيس الوزراء السابق لحزب العمال: "إنها أفضل الرجال فى حزب المحافظين".

وقال السير آين جيلمور من المحافظين الأحرار، وكانت قد أسقطته من حكومتها: "إنها قوية وتصمم على تحقيق ما تريده حتى لو كان خطأً".

كانت تاتشر لا تمل من العمل، فكانت، نادراً، أثناء عملها رئيسة للوزراء ما تتناول إفطارها ولم يزد نومها عن خمس ساعات فى اليوم وقد مزحت ذات مرة بقولها: "يجب أن يكون لدى أفضل مصنع أدرينالين، فى المملكة المتحدة".

كانت حادة الذكاء، ولكنه ذكاء غير منصف، فما أن تقرر رأيها، فنادراً ما تعدل عنه وقد استشهدت بقول شكسبير فى إحدى مسرحياته: "أى ليس من السهولة تغيير رأيي، فأنا أعرف طريقى ومصممة على تحقيق هدفي"، للتعبير عن صلابتها وعنادها.. وعلى الرغم مما كانت تتمتع به من رغبة حديدية فقد كانت دومًا تنكر أنها قاسية، معللة ذلك بقولها: "إن صاحب الهدف دائمًا يُتهم بأنه متسلط".

الجريدة الرسمية