رئيس التحرير
عصام كامل

متى يبصر النظام؟!

18 حجم الخط

لم تتردد الحكومة وأقرت ضريبة القيمة المضافة، والتي ستحدث في مصر ارتفاعات قياسية في أسعار كل شىء دون استثناء.. بينما كان حقا عليها أن تتردد كثيرا؛ حيث التردد هنا فضيلة والرجوع عن هذا القرار شجاعة وإقدام، واضعين في الاعتبار أن الأسعار من الأساس منفلتة ومستعرة وقاتلة، وليست مؤلمة فقط، ويرجع ذلك لسياسات اقتصادية فاشلة هوت بالعملة المصرية إلى أسفل سافلين.. ناهيك عن إدارة الحكومة للوطن بمنطق الشركة التي تسعى للربح من الزبون الذي لم يعد مواطنا له حقوق وعليه واجبات.. أصبح المواطن فقط فرصة استثمارية لشركات القطاع الخاص أو قطاع الأعمال الحكومى واتحدت عليه لإفقاره والتربح منه بأى وسيلة.

 



وكعادة حكومية مصرية متوارثة أصيلة، أقر النظام ضريبة الفقر المضاف قبيل عيد الأضحى بأيام قليلة، في توقيت محسوب حيث الجميع منشغل بترتيب أحوالة المعيشية الصعبة مع دخول العيد والمدارس.. لذا فهى فرصة مع هذا الانشغال الأسرى والدينى أن يقر النظام ما يشاء، لكنه تناسى أن تطبيق تلك الضريبة بلائحتها التنفيذية سيستغرق ما يقرب من الشهر.. وحينها سيشعر المواطن بالبلاء الجديد الذي تم فرضه عليه، وسيدرك أنه كبش الفداء الذي ضحت به الحكومة لإرضاء صندوق النقد والرضوخ لشروطه تماما والتي تضرب الوطن في مقتل وتهدد أمنه القومى وسلامه الاجتماعي.

من يراهم الرئيس 


بالطبع هناك فئات ميسورة الحال ومتربحة حتى من الغلاء الذي  ضرب الشعب على مدى أكثر من عامين، بعد انتهاء شهور العسل والرفق التي وعدنا بها النظام عقب أحداث 30 يونيو، وإزاحة الإخوان.. تلك الفئات هي التي تقع تحت عدسة مكبرة ومرايا مقعرة تضاعف حجمها وتضخمت أمام أعين الرئيس فتشعره بأن الناس راضون قانعون مشجعون فرحون بالغلاء!.. لكن النظام لا يدرك ولا يرى ولا يعى أن الناس كفرت بالإخوان وغيرهم أملا في حياة أفضل وليس لوعى سياسي أو لتوجه فكرى أو لنسق أيدويولجى مغاير.. فنفس من أتى بالجماعة لتحكمهم مع السلفيين بعد ثورة يناير هم من خرجوا لإسقاطها بعد قليل، ولولاهم ما تمكن النظام من استرداد أرضيته التي ضاعت بعد الإطاحة بمبارك. 



تلك الأغلبية المقهورة حاليا لا يراها النظام رغم كثرتها بسبب بسيط وهو تشرذم قوتها وضياع صوتها وغياب من يعبر عنها.. وهنا يكمن الخطر على النظام بأكمله، ذلك أن تلك القوة المتشرذمة والمهدرة قد تتجمع من أجل هدف واحد فقط، هو الحق في الحياة ولكن ذلك لن يحدث بشكل منظم كما في ثورة يناير أو توابعها.. ربما يحدث ذلك في شكل هبات اعتراضية مفاجئة أو انفلات غير محسوب العواقب، خاصة أن بقايا الطبقة الوسطى المثقفة والواعية التي خرجت في يناير قد كفرت بالثورة، وبمن ثارت من أجلهم وربما بالوطن ذاته من شدة ما عانته من تخوين وتغييب وتشويه إعلامي منظم.. إذن تبقى القطاع غير المسيس وغير المنظم الذي من الممكن أن يدمر أي شىء بدون سابق إنذار.. مجرد رد فعل عفوى يجب على الرئيس والنظام أن يضعوه في الحسبان ولا يكتفوا بالعدسات المكبرة التي تضخم جمهورهم.

نحرث في البحر 


للأسف.. يدرك الكثيرون أن كل ما كُتب وسيُكتب تحذيرا للنظام من انفلات اجتماعى غير منظم وغير محسوب العواقب، لا يكترث به  النظام ولا يراه ولا يعترف به.. لذا فنحن أشبه بمن يحرث في البحر.. ولكن، حق علينا أن نذكر به لأننا لا نرى الوطن من زاوية ضيقة كالتي يراها النظام، هنا الملايين من العاطلين ومن هم دون خط الفقر وسكان العشوائيات والمهمشين الذين ضاقت بهم الحياة وضاق بهم هامش الفقر، فانحدروا لما هو دونه.. هؤلاء لا يخطرون على بال النظام مطلقا رغم أنهم هم الأخطر في المجتمع، هؤلاء يحسدون الفقراء على عيشتهم ويعتبرون الموظف رقيق الحال ذا نعمة أو "باشا صغير".. هؤلاء لا يمكن قياس رد فعلهم حتى وإن كان كامنا لفترة طويلة جدا كانت فيها الحياة أيسر عليهم، وكان الفقر يسعهم إلى حد ما مع قناعتهم التامة بأن الرضى بالقليل إيمان وتقى، لكن مع ضياع هذا القليل ماذا ننتظر منهم.. أننتظر كفرهم بكل شيء.. ثم ماذا!.. نرجو أن ينتبه النظام بصفة عامة والحكومة بصفة خاصة لهؤلاء وأن يلقى بمراياه المقعرة والمحدبة ويرى الأمور في حجمها الطبيعى إن لم يكن خوفا على الوطن فخوفا على نفسه.


fotuheng@gmail.com 

الجريدة الرسمية