رئيس التحرير
عصام كامل

قرض صندوق النقد.. واستقطاب الاستثمار الأجنبي


في تصريح لوزير المالية عمرو الجارحي قال "إن قرض صندوق النقد هو وسيلة طمأنة للمستثمرين".

ولكن هل هو الآلية الوحيدة لجذب الاستثمار الأجنبي!؟


بالتأكيد إن تطبيق سياسات الإصلاح الاقتصادي بشفافية ووضع خطط وآليات تنفيذها مدعومة بشهادة مؤسسة لها ثقلها مثل صندوق النقد الدولي قد يحقق نوعا من الثقة ولكن هل هذا القرض أو شهادة صندوق النقد الدولي هو الطريق الوحيد لذلك؟

أعتقد لا بل إنه قد يكون آخر الطرق.. فالمجموعة الاقتصادية بالحكومة هي المنوطة بوضع خطة الإصلاح أما اللجنة الاقتصادية في البرلمان تتحمل مسئولية التشريع والرقابة على تطبيقها.. فالموضوع أشبه بالطالب الذي لا يرغب في الاستذكار طوال العام فيحبسه والده قبل الامتحان بأيام ويجبره على الاستذكار قهرا عسي أن يحقق ذلك الفعل النجاح -وذلك لعدم وجود إرادة حقيقية للطالب أساسا في النجاح والتفوق-...هذا المثال ينطبق على حكومة شريف إسماعيل ومن خلفها اللجنة الاقتصادية في البرلمان اللتين لم يقدما خطة إصلاح ورقابة وبالتالي فيلزم استيراد الخطة والرقابة على التطبيق والأزمة الحقيقية أننا في أمس الحاجة نحو إيجاد الرغبة الحقيقية في البناء الاقتصادي على أساس علمي من الحكومة وبرقابة حقيقية من البرلمان.

إن قرض صندوق النقد ليس حلا سحريا وإنما هو حل نتفق أو نختلف عليه ولكنه ليس كل شيء وهناك الأهم ألا وهو الإصلاح العلمي الممنهج...وللقروض عموما أعباء ومشاق ترهق الاقتصاد.

تحدثنا في مقالات سابقة عن بناء الثقة لدى المستثمر بدءا من دراسات الجدوي التي يدرسها المستثمر بمنظور احترافي ودراسة المخاطر في السوق المستهدفة وكيف يراها المستثمر الأجنبي وتعد المخاطر من أهم عناصر دراسات الجدوي التي يتفحصها صاحب القرار بعناية قبل الاستثمار في أي دولة وأهمها المخاطرة السياسية والقانونية ومخاطر سعر العملة والتضخم والفساد وللأسف فإن تقييماتنا في الدوريات والتقارير الاقتصادية العلمية الخاصة بمصر ليست جيدة ولعل اخرها تقرير الإيكونومست وتقرير بلومبرغ عن الاقتصاد المصري وما تم من ربطه بالوضع السياسي ورغم تحفظنا على هذه التقارير ولكننا يجب أن نواجهها بأسلوب علمي ونثبت العكس لأن لها ثقل دولي أما رد وزارة الخارجية فلم يكن بالرد الأمثل على تقرير اقتصادي بالمقام الأول وليس سياسيا لذا كنا نحتاج تفنيدا وردا اقتصاديا مواجها لإثبات الإيجابيات بأسلوب ومنهجية علمية.

تحدثنا في مقال آخر عن توفير حوافز الاستثمار الأجنبي بسياسات ضريبية وتسهيلات وليس زيادة الضرائب كما تحدثنا عن تحسين البيئة الاستثمارية وطرحنا نموذج القرية الذكية كمشروع حقق نجاح فعلي لخلق مناخ جاذب ويمكن إعادة استنساخه في مشروع قناة السويس.

تحدثنا في مقال سابق عن الاقتصاد الموازي الذي أصبح هو المتحكم في سعر الدولار في السوق السوداء وكيفية دمجه في الاقتصاد الرسمي بالحوافز الضريبية والعقوبات الرادعة (العصا والجزرة) قبل فرض ضرائب جديدة على الاقتصاد الرسمي.

تحدثنا أيضا أن المستثمر المحلي هو ترمومتر للمستثمر الأجنبي لذا يجب ادراك وضعيته في المعادلة ودفعه للاستثمار الداخلي وليس تطفيشه.

إن للقرض ثمن سياسي سيدفعه النظام السياسي وستثبت الأيام ذلك.. لذا يجب أن نحاول إصلاح اقتصادنا بأنفسنا وإدراك علاتنا قبل أن يأتي من يحلل ويضع قواعده وشروطه وسيستمر الألم الاقتصادي حتى ٢٠١٧ ما لم نحقق نجاحا نوعيا.

لدينا ثروة بشرية من العلماء المصريين داخل وخارج مصر يستطيعون إنجاز ذلك ولا إحراج في استشارة كيانات أجنبية ولكن يجب أن يكون التنفيذ وآلياته بأيد مصرية وإرادة وطنية لتحقيق جذب الاستثمار الأجنبي... ولكن الأزمة الحقيقية في أن هناك قوى غير منظورة تفرض مناخا عاما ضد استقطاب الكفاءات وكأن هناك من يعمل داخليا عن قصد لإفشال الدولة وتقييدها لتظل مصر بإمكانياتها ومواردها العظيمة قابعة في صفوف دول العالم الثالث وأقرب وصف لهؤلاء هم المماليك الذين قاوموا التحديث الذي أراده محمد علي باشا نحو بناء الدولة الحديثة وكانت المقاومة في شتي المجالات.

لن يستطيع أي كيان أجنبي التلامس مع التحديات التي يواجهها محدودي الدخل أثناء عملية الإصلاح الاقتصادي ولعل ما سبق وطرحناه في مقال سابق عن المشروع القومي للمشروعات الصغيرة ودعمها بالتدريب والتأهيل والقروض والإعفاءات الضريبية قد يساعد إيجاد بدائل اقتصادية مرحلية للشباب...فهذا الدور يجب أن تتداركه الحكومة والبرلمان وليس الأجنبية لتجاوز المرحلة والتخفيف من أثرها ليس فقط اقتصاديا وإنما اجتماعيا وسياسيا.

ولا يجب الاندفاع نحو الحلول المؤلمة اقتصاديا فقط - وحتى وإن كنا مضطرين - فيجب أن نستدعي الحلول الأخرى وخطوات موازية لامتصاص الألم...لأن البعد السياسي الاجتماعي مهم ومن الفشل أن تراهن المجموعة الاقتصادية في الحكومة واللجنة الاقتصادية في البرلمان على شعبية الرئيس السيسي والتفاف الشعب حول القيادة السياسية وهو العنصر الاهم في الحفاظ على تماسك الدولة المصرية بل أهم من الاقتصاد ذاته وهناك حلول ومخارج كثيرة وما زال الوزير ينظر للاقتصاد المصري على أنه ممثل للباب العالي ولا يدرك أن الدولة أصبحت هي المنسق وليس المتحكم الأول في السوق طبقآ لآليات السوق الحر لذا يجب تعديل أسلوب الفكر الحكومي أيضا يأتي ملف مكافحة الفساد ليمثل ثقلا نوعيا في ذات المرحلة الحرجة.

أخيرا إن رئيس الحكومة وأعضاء البرلمان يجب أن يتحملوا المسئولية الأدبية ويجب ألا يحملوها للرئيس منفردا بحجة شعبيته.. فهو قبل أي جدال قد انتخب لمواجهة الإرهاب الأسود وبناء الدولة المنهارة وعمل بكل طاقته نحو مشروعات قومية جادة ستؤتي ثمارها بعد حين... أما الحكومة والبرلمان فالمفترض أنهم متخصصون ولهم صلاحيات واسعة حسب الدستور وننتظر منهم دورا في ملف الإصلاح الاقتصادي وإيجاد حلول وأطروحات وخطاب إعلامي عاقل للحوار مع محدودي الدخل وليس المزايدة والضغط على مشاعر المواطنين المطحونين.

إن بناء مصر لن يكون إلا بأيدي أولادها المخلصين والمتخصصين.. ابحثوا عن هؤلاء أولا قبل أي شيء فسينصلح كل شيء ويلزم إعادة النظر لتعديل آلية الترشيح والاختيار سواء في الحكومة أو البرلمان.
الجريدة الرسمية