رئيس التحرير
عصام كامل

ولاء الشامي تكتب: «ماذا لو قابلت باولو كويلو!»

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

كنت قد نويت أن أكتب عن تجربة أتمنى لو خضتها وهي مقابلة "باولو كويللو " وأرتب في خيالي كيف ستكون مقابلته.. ثم تأجلت الفكرة تماما تحت زحمة القراءات إلى أن قرأت مقال " تجربة لا تحتمل خفتها " لعمر طاهر كيف أنه قابل كويللو بالفعل، وكتب له على صفحة رواية "على نهر بييدرا هناك جلست فبكيت" الأولى إهداءً قال فيه " لتكن محاربًا من أجل النور"، فاستيقظت الفكرة مرة أخرى.. لهو مثير حقًا أن أرى تلك التجربة وقد تجسدت في الواقع.


باولو كويللو هو كاتبي المفضل، فلقارئة هدفها المتعة الخالصة كان باولو كويللو أعظم من تعرفت عليه خلال رحلتي لاكتشاف عالم القراءة، اكتشفته متأخرًا ككل شئ يُقَدر لك أن تكتشفه بصعوبة لتظل مقدرا لقيمته بعد ذلك.

ما يهمنا كقراء ونريد معرفته عن أي كاتب هو شعوره تجاه الحياة، وكويلو وجد أن الحياة " لعبة عنيفة هاذية، الحياة هي أن ترمي نفسك من المظلة وأن تجازف أن تسقط وتنهض من كبوتك، "الحياة هي هي أن تتسلق الجبال لتحاكى الرغبة في تسلق قمة النفس، وان لم تتوصل إلى ذلك، فعليك أن تعيش قانعا ذليلا ".

وكأنه " زوربا البرازيلي " حين تقرأ له: " إن القادرين على فهم الحياة هم الأطفال، أو أولئك الذين ينظرون إليها كالأطفال، أو " فلتكن شجاعا وتخاطر فلا يمكن استبدال الخبرة بأي شيء آخر.

"الحب ليس في آخر الأشياء، أنه موجود داخلنا، ونحن من نوقظه من غفوته. لكننا، ولكي نوقظه، نحتاج إلى الآخر. ليس للكون من معنى لحين يكون لدينا أحد يشاطرنا انفعالاتنا”.

بهذه الفلسفة يواجهنا كويلو دوما فالهدف من الأدب نفسه يتجلى في مؤلفات باولو كويلو " فهم الحياة "، البحث الدائم عن الحب الحقيقي هو الصورة الأبرز في كتاباته، تنتشلك رواياته الواحدة تلو الأخرى من بؤس محقق يأكل روحك لولاه، من جنون محقق، فأنت تقرأ لكويلو لتصير إنسانأ أفضل.

ما أسهل أن تملأ المكتبة بمؤلفاتك لكن ما اصعب أن تكتب قارئك وتخترق داخله في كل سطر تكتبه فيضيف بُعدًا جديدا لروحه، عندما يركز على مشاعر ذاتية قد لا تعلم حتى بوجودها بداخلك، تدخل عالم باولو فارغًا ثم تخرج منه ممتلئا بالأسئلة، فإن أحسنت إجابتها ستتغير نظرتك لحياتك ولنفسك وللآخرين حتى الذين لا تعرفهم منهم وتقابلهم بشكل عابر، ستترك لك مساحة واسعة للحياة.
حتى عندما يتجرأ ويبحث في الأمور المحرمة تلك الأشياء التي نخجل منها ونرفض الكلام عنها طبقا لعاداتنا بهذا القدر من الشجاعة الذي حملته رواية " 11 دقيقة "، تجد نفسك وقد توقفت عند النقطة الأعمق في حياتنا " اكتشاف الذات " فتملك عليك فكرك، ماريا التي كانت بمنتهى الجرأة تبحث عن ذاتها الحقيقية عبر رحلة دامت " تسعة أشهر " لتجد نفسها بعدها وتجد الحب الذي يضيئ روحها فلا تعلم هل هذه المدة مقصودة لتستحق بعدها ولادة جديدة لها، لم ترسم الشخصية ضحية مجبرة أن تسير في هذا الطريق بل كان اختيارها لتلك الحياة بكامل إرادتها ووعيها، اختارت التجربة حتى ولو كانت مؤلمة أو مخجلة تلك قناعتها الشخصية التي لا تملك الا احترامها كقارئ.

( في كافكا على الشاطئ يقول هوشيتو لناكاتا إن الصدفة شئ مرعب، فيومئ العجوز ناكاتا موافقًا )

صدفة عرفت باولو كويلو وصدفة خطوت نحو عالمه وأتمنى لو تجمعني صدفة به، أتخيل أن لقاءه سيحمل طقوسا بسيطة كوجهه المحبب القسمات سمح النظرة، فيكفي أن أجالسه مثلا تحت ظل شجرة أو نقتسم سويا كوبا من الشاي.

أشعر بأني لو قابلته بشكل شخصي سأسمع في نبرة صوته وأرى في حركات يديه وأحس من ايماءات جسده تلك الطاقة الإيجابية التي تشع من كتبه والرغبة في التمسك بالحياة ستطل من عينيه، عندما أقابله سأنتظر منه أن يحدثني عن قوة الحب الفاعلة أن ينير طريقي بالأمل وأن يلخص لي قيمة الحياة.. سأنتظر أن أسمع منه " كوني مجنونة أكبثر مما أنت عليه، لا تنكري مشاعرك ولا تحيي حياة باهتة كمن ينظر بغير نظارته ".

وهذا ما أكده لي عمر طاهر عندما سألته في حفل توقيع كتابه فأجاب بأن كويللو يشبه تماما ما يكتبه، أسعدني ذلك التأكيد بقدر ما قوى دوافعي لمقابلته واستلهام تلك البساطة المحببة منه.

أريد مقابلة باولو كويللو لأنه يوقظ الطفل بداخلي يهدهده ويحكي له الحكايا التي ترشده لبداية طريق مرصوف بالكفاح من أجل متعة الحياة ذاتها، هو حكاء من الدرجة الأولى وأنا أربط القدرة على الحكي بالأرواح الطيبة. سأحكي له عن تأثيره العميق في روحي، سأخبره بأنه ليس مجرد كاتبًا عاديا لكنه يتربع في قلبي أحمله هو ومؤلفاته اينما تنقلت، سأخبره أنه عبر حالة متفردة من السرد، حالة بسيطة جدا شديدة التعقيد جدا جدا ومنحني شعورا لا يضاهى بالسلام ففي كل مرة أقرأ له أشعر كأني أقرأ نفسي فكأنه كتبني، سيكون من الطف أن يهديني نصيحة، وان يهديني إحدى روايات ثلاثيته الرائعة " في اليوم السابع ".

لا أتخيل أني لن أقابل باولو كويللو، فلابد وأن أقابله " يوما ما "
الجريدة الرسمية