رئيس التحرير
عصام كامل

إعلام الفضائح..ملك الشو

18 حجم الخط

ظهرت في الأسواق المصرية..موضة جديدة في القنوات الفضائية..اسمها الحركي «برامج التوك شو» لكنها في حقيقتها برامج للشد والجذب.. والصراخ والسباب.


ومؤخرا تطورت للتطاول والتشابك.. وتطاير المقاعد والأكواب.. وطيران الضيوف في أجواء الاستديوهات.. للهجوم على بعضهم البعض..في صورة مسيئة للشاشة الصغيرة ومصداقيتها عند المشاهدين.. بشكل أصاب الكافة بحالة «صدمة من هول ما يحدث؟! وبات السؤال المطروح الآن هو: هل هذا هو الإعلام المطلوب تداوله.. كشكل من أشكال وصور البرامج التليفزيونية في مصر؟!..وهل هذا هو التطوير المطلوب في أشكال البرامج الحوارية؟َ!

إن المتابع والمدقق لصور وأشكال البرامج التليفزيونية وخاصة الحوارية منها يعرف أن هذا الوافد الجديد.. كان ولا يزال مرفوضا شكلا وموضوعًا بالنسبة لنا كمصريين ولم نعتد رؤيته على شاشات التليفزيون الرسمي طوال سنوات إرساله في طليعة الستينيات وحتى الآن..

كما أن عاداتنا وتقاليدنا في أول الحوار تمنع حدوث مثل هذا الأمر.. ناهيكم عن كوننا شعبا متدينا يعي أصول وآداب الحوار.. وواجبات الاحترام خاصة حينما يكون هناك خلاف في الرأي.. كما أن بديهيات العمل الإعلامي تؤكد أهمية حرص مقدم البرنامج على انتقاء ألفاظه بعناية فائقة بمثل حرصه على عدم الخروج عن حدود اللياقة الفنية والأدبية والاجتماعية.. فهناك دائما قواعد لابد من الالتزام بها على الشاشة..من بينها الإدراك الفعلي إلى تأثير ما تحدثه الرسالة الإعلامية في حياة المتلقي أو مستقبل الرسالة، خاصة إذا كان في مراحل النشأة والتكوين.. فهو يتأثر بكل ما يحيط به وتزداد صعوبة الأمر إذا كان مقدم البرنامج أو ضيفه أو ضيوفه من نوعية الشخصيات العام أو«القدوة».

وهنا لابد من الإشارة إلى المحاذير أو المحظورات التي كنا ولا زلنا نلتزم بها في «ماسبيرو» ومنها الدينية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية وخطر تكرير السلم العام أو الأمن العام، أو إثارة الفتن أو إشاعة الفوضي..والتأكيد على أهمية الحفاظ على القيم المجتمعية..واحترام الآخر..واحترام الكبير..والعطف على الصغير واحترام وجهات النظر الاأري وعدم تحقيرها أو التقليل منها.. مع حرص مقدم البرنامج على عدم التقليل من شأن أصحابها.

وضرورة انتقاء الألفاظ، وعدم الخروج عن المألوف والمعروف والمقبول لدى الكافة.. والحرص على عدم إحراج الضيوف أو خدش الحياء العام.. أو«الهمز» واللمز والغمز مما يوجي بإيحاءات غير مقبولة.

كلها مفاهيم تدربنا عليها والتزمنا بها طوال فترة العمل أمام الميكروفون في الإذاعة أو التليفزيون..

ولهذا اأد نفسي منزعجا أيما انزعاج من تلك المستجدات التي طرأت على شاشات القنوات الفضائية - في بعض برامجها- والتي باتت تنهش في جسد الإعلام المصري.. وتنتقص من قدره الذي سعي لتحقيقه منذ عام ١٩٦٠ وهزني بعنف ما حدث في أحد برامج التوك شو الليلية.. خاصة أن الأطراف الثلاثة «مقدم البرنامج وضيفه» جميعهم إعلاميون.. يدركون أهمية الكلمة وتأثيرها في نفس ووجدان المشاهد..كما أن ثلاثتهم يعلمون خطورة برامج الهواء التي يتم فيها البث مباشرة للمشاهدين..لأنهم أيضا يقومون طوال الوقت بتقديم رسائلهم الإعلامية بهذه الطريقة.. وبالتالي فهم يدركون تأثير الكلمة التي خرجت من المدفع فلا يمكن إيقاف أثرها أو منع تأثرها.

ومن هنا تتعاظم المشكلة وتتفاقم خاصة أن الإعلام البديل من خلال مواقع «فيس بوك» و«تويتر» وغيرها من وسائل الاتصال الإلكترونية المتاجة في أيدينا جميعا..جعل هذه الحلقة «العدائية» ولا أقول «الحوارية» تتصدر المشهد الإعلامي وتغطي على أي أخبار تتعلق بالإنجازات الجديدة..أو أخبار استشهاد ضباط وجنود من قواتنا المسلحة في سيناء خلال عمليات تطهيرها من أوكار وبؤر الإرهاب!! أو أخبار غرق السفن بمن عليها في البحر المتوسط من المهاجرين غير الشرعيين..

وهنا تجدر الإشارة إلى النتائج التي يخرج بها المشاهد..عند متابعته لمثل هذه الحلقات وما الذي سيعود عليه من كشف المستور وإذاعة الفضائح وأخبار الرشاوي والمعايرة والنيل من شخص الضيف..أو أسرته..اللهم إلا المزيد من حالة الإحباط من جدوى وجود مثل هذا الإعلام «غير الملتزم أو المنضبط» والذي باتت أخبار فضائحه رنانة طنانة، الأمر الذي بات يدعو للأسي والأسف على ما نراه في فضائنا وإعلامنا وكأننا نهوي الفضائح والتشهير.

وهنا تذكرت كثيرا من المشكلات التي سببتها الشاشة الصغيرة -بدون وعي أو إدراك-في مجتعنا.. سواء داخليًا..أو خارجيا وربما عن سوء نية متعمد.

فتذكرت مباراة مصر والجزائر التي أقيمت في استاد «أم درمان» بالسودان.. وما تلاها من أخبار وأحداث عبر شاشات الفضائيات المصرية.. كادت أن تحدث شرخا في علاقة الدولتين!

وتذكرت تلك الأخبار أو التحقيقات التي تجري بالصوت والصورة في العشوائيات أو المناطق الأكثر فقرا..أو التركيز على نوعية الجرائم العنيفة أوالإرهابية..لإثارة مخاوف المشاهد خاصة في الوقت الذي ندعو فيه الأجانب أو الأشقاء العرب للسياحة في مصر..بالله عليكم كيف سيأتي إلينا سائح وهو يري هذه النماذج..من الفوضي والإهمال والضياع والمجاري..والقتل وسفك الدماء.. والإرهاب!

وتذكرت «فتاة المول» وغيرها من نماذج إعلام "اقرأ الحادثة"..ثم وجدتني فجأة أمام الإعلام وهو يحضر نماذج من الإعلام الرياضي لها كل الاحترام والتقدير..وهي تهين نفيسها وتهيل التراب على رأسها..وتتمرغ في وحل المياه والدماء والشتائم والمحاضر في أقسام الشرطة..

ووجدتني أترحم على القيم التي تعلمتها في التليفزيون المصري..وعشت بها..والتزمت بكل قيودها في كل برامجي.. وأصبح هناك تساؤل طرح نفسه في صدري لم أجد له إجابة فهل من معين يقدم لي الإجابة الشافية عليه..والسؤال هو: هل أصبح تقديم البرامج التليفزيونية.. مهنة من لا مهنة له؟

مجرد سؤال ينتظر الإجابة..في ظل هذا الكم من مقدمي البرامج الذين يملئون الشاشات كلاما وضجيجا..ولا يسعون إلا إلى جذب المشاهد إليهم بأية وسيلة.. ودون إدراك للعواقب.. أو تقدير أهمية المنبر الإعلامي..أو الرسالة الإعلامية ومحتواها وهل أصبحت برامجنا الإعلامية مقصورة على التطبيل والتهليل.. والتهبيل.. سترك يارب
الجريدة الرسمية