رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

حكاية 3 افتراءات تاريخية.. «العوام» لم يكن مسيحيا ووالى عكا ليس خائنا.. وكتب التاريخ تبرئ والدة عمرو بن العاص.. ابن شداد: «العوام» غواص عربي مسلم ولم يقع يوما في هوى «لويزا&#

فيتو

هناك شخصيات تاريخية ظلمها التناول الفنى والأدبى - ولا نعلم لذلك ضرورة - وفى السطور التالية محاولة بسيطة لتصحيح بعض ما علق في الذهن من تعريف خاطئ عنها أو اتهام باطل طالها، ومن تكرار هذا الاتهام ظن البعض أنه الحقيقة ولا حقيقة سواها.


عيسى العوام
من منا لم يتأثر بقصة الحب العظيمة بين عيسى العوام ولويزا، ذلك الحب الذي نشأ بين عدوين وعلى ساحة معركة لا صوت يعلو فيها فوق صوت صليل السيوف والأشلاء المتطايرة من الفريقين، فوق أسنة الرماح وتحت سنابك الخيل، إلا أن صوت ضربات قلبيهما كان أشد وأعمق، فرغم أنهما عدوان حبيبان، فإن الدين كان يوحدهما فهو مسيحى عربى أما هي مسيحية أوربية، تلك هي الصورة التي قدمها فيلم الناصر صلاح الدين لشخصية عيسى العوام، الذي انضم إلى جيوش المسلمين رافعًا لواء العروبة، وأن العدو مهما تلبس بمسوح الدين فلن تخفى عنه حقيقة أنه عدو.

لا نعلم الضرورة الفنية التي دفعت يوسف شاهين أن يغير من حقيقة واضحة وضوح الشمس ذكرها مؤرخون، وهى أن عيسى العوام قائد عربى مسلم.
وجاء ذكر قصة عيسى العوام في كتاب «النوادر السلطانية والمحاسن اليوسيفية»، لصاحبه أبو المحاسن بن شداد يوسف بن رافع بن تميم بن عتبة الأسدى الموصلي، فالكتابُ سيرة ذاتية تاريخية يقع في مقدمة مهدت لموضوع الكتاب، يعقبها القسم الأول: الذي اهتم فيه بذكر مولد الناصر صلاح الدين الأيوبى وخصائصه.

وكان القسم الثانى في بيان تقلبات أحواله وفتوحاته في تواريخها، ثم انتهى الكتاب بمرض ووفاة الناصر صلاح الدين الأيوبي، وعن عيسى العوام قال: "ومن نوادر هذه الواقعة ومحاسنها أن عوامًا مسلمًا يقال له عيسى، وصل إلى البلد بالكتب والنفقات على وسطه ليلًا على غرة من العدو، وكان يغوص ويخرج من الجانب الآخر من مراكب العدو".

وأضاف: "كان ذات ليلة شد على وسطه ثلاثة أكياس فيها ألف دينار وكتب للعسكر وعام في البحر فجرى عليه أمر أهلكه وأبطأ خبره عنا وكانت عاداته إذا دخل البلد أطار طيرا عرفنا بوصوله فأبطأ الطير فاستشعرنا هلاكه، ولما كان بعد أيام بينما الناس على طرف البحر في البلد إذا هو قد قذف شيئا غريقا فتفقدوه فوجدوه عيسى العوام ووجدوا على وسطه الذهب وشمع الكتب، وكان الذهب نفقة للمجاهدين فما رؤى من أدى الأمانة في حال حياته وقد ردها في مماته إلا هذا الرجل، وكان ذلك في العشر الأواخر من رجب أيضا".

فعيسى العوام كما جاء على لسان ابن شداد، هو غواص عربى مسلم قضى نحبه، وهو يحاول توصيل الأموال للمجاهدين، ولم تكن في حياته لويزا الصليبية، بل كانت في خيال يوسف شاهين فقط، فتكونت صورة ذهنية خاطئة عن شخصية عيسى العوام.

والى عكا
الصورة الذهنية الخاطئة التي تكونت عن القائد عيسى العوام، تنسحب كذلك على شخصية والى عكا، والغريب أنها لنفس المخرج يوسف شاهين، فوالى عكا خائن ويتودد لـ"فرجينيا" جميلة الجميلات، وألقى السلاح في البحر وفتح أسوار عكا لجيوش ريتشارد قلب الأسد، هذه هي الصورة التي رسخها الفيلم في وجدان كل مشاهديه عن تلك الشخصية على خلاف الحقيقة.

ورد في كتاب «رجال من التاريخ» لمؤلفه على الطنطاوي، وكذلك كتاب «النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة» لـ«بن تغرى بردي» 6 مقتطفات من حياة هذا البطل والى عكا الأمير المجاهد بهاء الدين قراقوش، الذراع اليمنى للسلطان صلاح الدين، فكان قائدًا مظفرًا وجنديًّا أمينًا ومهندسًا حربيًّا منقطع النظير، فقد خاض الحروب مع السلطان صلاح الدين ضد الصليبيين، وكفاحه في عكا تشهد به كتب التاريخ، وجهاده مشهود في عكا التي حاصرها الفرنجة ولم يستسلم حتى وقع في الأسر وافتداه صلاح الدين.
وقال عنه طنطاوي: «وكان مثالًا كاملًا للرجل العسكري إذا تلقى أمرًا أطاع بلا معارضة ولا نظر ولا تأخير، وإن أمر أمرًا لم يرض من جنوده بغير الطاعة الكاملة بلا اعتراض ولا نظر ولا تأخير».

وأضاف: «هو الذي أقام أعظم المنشآت الحربية التي تمت في عهد صلاح الدين، وإذا ذهبتم إلى مصر وزرتم القلعة المتربعة على المقطم المطلة على المدينة، فاعلموا أن هذه القلعة بل هذه المدينة العسكرية أثر من آثار قراقوش».
وتابع: «إذا رأيتم سور القاهرة الذي بقى من آثاره إلى اليوم ما يدهش الناظر، فاعلموا أن الذي بَنَى السور وأقام فيه الجامع وحفر البئر العجيبة في القلعة هو قراقوش».

وقال عنه ابن إياس في بدائع الزهور: كان قراقوش القائم بأمور الملك، يسوس الرعية في أيامه أحسن سياسة، وأحبته الرعية ودعوا له بطول البقاء.
كما قال عنه ابن خلكان في وفيات الأعيان: «كان حسن المقاصد، جميل النية، وكان له حقوق كثيرة على السلطان وعلى الإسلام والمسلمين، وعاش رحمه الله في جهاد وكفاح وبناء وتشييد إلى ما بعد وفاة صلاح الدين رحمه الله حتى وفاته».

وقال بن تغرى بردى المؤرخ المصري: «توفّى الأمير بهاء الدين قراقوش الأسدىّ المنسوب إليه حارة بهاء الدّين بالقاهرة داخل باب الفتوح، وهو الذي بنى قلعة الجبل بالقاهرة والسور على مصر والقاهرة والقنطرة التي عند الأهرام وغير ذلك، واتّصل بخدمة السلطان صلاح الدين وكان صلاح الدّين يثق به ويعوّل عليه في مهمّاته».
وأضاف أنه عندما افتتح عكّا من الفرنج سلّمها إليه، ثم عندما استولوا عليها أخذ أسيرا ففداه صلاح الدين بعشرة آلاف دينار، وقيل بستين ألف دينار.

أما عن استيلاء الإفرنج على عكا، فكما ورد في «النوادر السلطانية» لـ«ابن شداد»: «ثم دخلت سنة سبع وثمانين وخمسمائة واستمر حصار الإفرنج إلى هذه السنة، وكانوا قد أحاطوا بها من البحر إلى البحر وحفروا عليها خندقا، فلم يتمكن السلطان من الوصول إليهم وكانوا محاصرين لعكا وهم كالمحصورين من خارجهم من السلطان».

عمرو بن العاص
أثار مقال للكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة «أبناء الزنا كيف صاروا أمراء للمسلمين» ضجة كبيرة لم تهدأ حتى بعد رحيله؛ إذ قال فيه: «إنه ليس من الصدفة أن يبدأ الصراع في الجاهلية بين أولى الشرف من العرب كبنى هاشم ومخزوم وزهرة وغيرهم، وبين من اشتهر بالعهر والزنا مثل بنى عبد شمس وسلول وهذيل، الذي امتد هذا الصراع إلى ما بعد دخول كل العرب الإسلام».

وأضاف: «لم تكن من قبيل الصدفة أن أغلب من التحق بالركب الأموى كانوا ممن لهم سوابق بالزنا والبغاء، فهذه المهن تورث الكراهية والحقد لكل من يتحلى بالعفة والطهارة، إضافة إلى أنها لا تُبقى للحياء سبيلا وهى تذهب العفة وتفتح طريق الغدر والإثم».
وتابع: «لنرى بعض ما أنجب البغاء: النابغة سلمى بنت حرملة وقد اشتهرت بالبغاء العلنى ومن ذوات الأعلام، وهى أم عمرو بن العاص بن وائل، كانت أمة لعبد الله بن جدعان فأعتقها فوقع عليها في يوم واحد أبو لهب بن عبد المطلب وأمية بن خلف وهشام بن المغيرة المخزومى وأبو سفيان بن حرب والعاص بن وائل السهمي، فولدت عمرو، فادعاه كلهم لكنها ألحقته بالعاص بن وائل؛ لأنه كان ينفق عليها كثيرا».

واستبسل كثيرون في الدفاع عن أم عمرو بن العاص، بأنها كانت سبية ولم تكن بغيًا، فجاء في كتاب "بهجة المجالس": "جعل لرجل ألف درهم على أن يسأل عمرو بن العاص، وهو على المنبر عن أمه، فسأله، فقال: هي سلمى بنت حرملة، تلقب النابغة، من بنى عنزة، ثم أحد بنى جلاَّن، أصابتها رماح العرب فبيعت بعكاظ، فاشتراها الفاكه بن المغيرة، ثم اشتراها منه عبد الله بن جدعان، ثم صارت إلى العاص بن وائل، فولدت وأنجب، فإن كان لك جعل فخذه".

وأكد الكتاب أن عمرو بن العاص، هاجر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسلما في أوائل سنة ثمان، مرافقا لخالد بن الوليد، وحاجب الكعبة عثمان بن طلحة، ففرح النبى - صلى الله عليه وسلم - بقدومهم وإسلامهم، وأمر عمرا على بعض الجيش، وجهزه للغزو.
Advertisements
الجريدة الرسمية