رئيس التحرير
عصام كامل

كيف تؤثر نسبة المشاركة في نزاهة الانتخابات؟!

18 حجم الخط

انتخابات نزيهة تعني بالنسبة لنا هنا انتخابات تعكس إرادة الناخبين، أي انتخابات تضمن أن يمثل تحت قبة البرلمان كل مكونات المجتمع السياسية والاجتماعية التي تعمل في إطار سلمي داخل المجال السياسي، ووجود مثل هذا البرلمان هو الضمان الرئيسي لأن تتفاعل كل هذه المكونات سلمًا، بغرض الوصول إلى توافقات تحفظ للمجتمع أمنه وسلامه الاجتماعي؛ لأن حرمان أحد هذه المكونات من التمثيل والتفاعل السلمي مع بقية المكونات داخل البرلمان أو خارجه، معناه وصول المجتمع إلى حالة من الاحتقان قابلة للانفجار في أي لحظة، مثلما حدث في 25 يناير 2011، أو 18، 19 يناير 1977.


الانتخابات النزيهة إذن ليس معناها فقط أن يكون الأمن على الحياد، أو ألا يسمح بتسويد البطاقات، وأن يكون هناك إشراف قضائي على الانتخابات، وإنما يجب إلى جوار كل ما تقدم أن تتحقق خمسة شروط أخرى لضمان النزاهة بالمعنى الذي ذهبنا إليه هنا، وهذه الشروط بالتحديد هي: مشاركة نسبة كبيرة من الناخبين، ووجود حالة من الزخم السياسي، وبيئة تشريعية وقانونية تساعد على تمثيل كل مكونات المجتمع، وحياد أجهزة الدولة، وأخيرًا الحد من سطوة المال.

سنحاول هنا، في هذا المقال، أن نتناول مدى تأثير نسبة المشاركة على نزاهة العملية الانتخابية في الانتخابات البرلمانية المقبلة.

قد يرى البعض أن مدى إقبال الناخبين على صناديق الاقتراع هو الذي يحدد نسبة المشاركة، وأن هذا الإقبال هو مسئولية الناخبين أنفسهم ولا أحد سواهم، ومن ثم فإنه لا توجد أي إمكانية لدى مؤسسات الدولة للتحكم في هذه النسبة، وفي تقديري أن هذا أمر قد يبدو صحيحًا في الظاهر، لكن التدقيق في الأمر يكشف أن الأمر ليس كذلك.

فعلى سبيل المثال، يلاحظ كل المراقبين والمحللين أن هناك عزوفا واضحا من الشباب، وبالذات الشباب الذي شارك في ثورة 25 يناير، عن المشاركة في العملية الانتخابية، ونعتقد أننا لا يمكننا أن نعزل هذا العزوف عن إصدار القانون الذي يمنع ويقيد حق التظاهر السلمي، بالذات أن الأمر لم يقتصر على إصدار القانون بل امتد لكي يصل إلى حد تنفيذه بكل قسوة وغلظة على عشرات من الشباب المحسوبين على الثورة، والمعروفين بعدائهم للإخوان ووقوفهم ضد العنف والإرهاب، وذلك على عكس ما تعودنا عليه من الدولة التي اعتادت في لحظات الاحتقان، أن تصدر قوانين مقيدة للحريات مثل قانون العيب أو الوحدة الوطنية دون أن تتورط في تنفيذها.

ويتساءل البعض مندهشًا: هل حبس بضعة عشرات من الممكن أن يؤدي إلى عزوف بضعة ملايين؟.. وببساطة يؤسفني أن أجيب على هذا السؤال بـ"نعم".

لماذا؟.. لأن حبس بضعة عشرات يؤدي عمليًا إلى ترويع بل إحباط أيضًا، بضعة ملايين، بالذات عندما يكون بعض هؤلاء المحبوسين من القيادات المعروفة لعدد كبير جدا من الشباب، وبالذات أيضا أن بعضهم قد تم الزج بهم في السجون؛ لأنهم تظاهروا ضد نظام مرسي!!.. مثل ماهينور المصري (الإسكندرية)، ومحمد العراقي (الشرقية)، ولعل ذلك يفسر لماذا تراجعت الدولة، وكبار مسئوليها، عن الوعود الخاصة بإطلاق سراح هؤلاء المحبوسين؛ حيث لا يتعلق الأمر - في تقديرنا - بخطورتهم أو بما يمكن أن يؤدي إليه الإفراج عنهم من انهيار أمني لا قدر الله.

فلا نحن، ولا الأمن يصدق، ولو للحظة، أن بضعة شباب من المتظاهرين السلميين من الممكن أن يعكروا صفو الأمن، وإنما التفسير الأقرب للمنطق يقول إن الإفراج عن هؤلاء الشباب من الممكن أن يعطي رسالة اطمئنان لأقرانهم بأننا إزاء أوضاع جديدة من الممكن أن يسمح فيها بممارسة حق الاحتجاج السلمي، وهو أمر تحرص أجهزة الأمن على أن تنفيه من خلال الإصرار على إبقائهم في السجون على الأقل لأطول فترة ممكنة.

وفي هذا الصدد أيضًا، من الممكن أن نفهم كيف أن استشهاد شيماء الصباغ يأتي في نفس السياق، أي يأتي في سياق ترويع الناس ودفعهم دفعًا للابتعاد عن العمل السياسي، أي لدفعهم لعدم المشاركة، وينبغي ألا ننسى هنا أنه على الرغم من إدانة أحد الضباط بتهمة قتل الشهيدة شيماء الصباغ، إلا أن كل كبار مسئولي وزارة الداخلية والدولة الذين أنكروا مرارًا وتكرارًا أن الشرطة تستخدم الخرطوش، لم يقدموا تفسيرا لاستخدام الخرطوش في قتل شيماء، وينبغي ألا ننسى أيضًا كيف تم تحويل عدد من شهود الواقعة إلى متهمين؛ إمعانًا في ترويع الناس، وأخيرا ينبغي ألا ننسى أن ما حدث لشيماء وضع تقريبا نهاية مأساوية ودامية للمظاهرات السلمية.

قانون التظاهر هو مجرد سبب من بين أسباب كثيرة، أدت إلى عزوف الشباب الذين شاركوا في الثورة، أو تعاطفوا معها، عن المشاركة، لكن هناك أسبابا كثيرة أخرى منها قوانين سارت في نفس الاتجاه مثل قانون الإرهاب ومباشرة الحقوق السياسية.. إلخ.. ومنها أيضا ممارسات مثل وقف برنامج باسم يوسف وبرنامج ريم ماجد.. إلخ.. وكل ذلك إلى جوار الظهور الإعلامي المكثف لعدد كبير من الإعلاميين، المحسوبين على الدولة، الذين يسبون ثورة يناير وكل من شارك فيها، أدى من الناحية العملية إلى تضييق الهامش الديمقراطي الذي فرضته الثورة، ودفع بمئات الألوف من الشباب إلى العزوف عن المشاركة بصفة عامة، إما تحت تأثير الخوف أو في الأغلب تحت تأثير الإحباط والقرف، بالذات بعد أن خرج مبارك ورموزه من السجون، وعاد بعضهم إلى صدارة المشهد السياسي مرة أخرى.

المرافقة الغريبة هنا، أن مؤيدي الدولة أيضا لا يشاركون في العملية السياسية ولن يشاركوا في الانتخابات.. لماذا؟ 

لأن الدولة ليست حريصة على ذلك، فهي لم تدفع معارضيها فقط للابتعاد عن العملية السياسية، بل أبعدت مؤيديها أيضا عندما لم تهتم البتة بخلق أو بناء أطر أو مؤسسات لحشد الأغلبية التي تؤيدها بالفعل، بل إنها على العكس دفعت رموزها إلى رفع شعار "سيبوا الراجل يشتغل"، وكان هذا معناه عمليا أن يبتعد الناس عن المشاركة إلى حد أن بات هناك رأي عام مؤيد للرئيس، يرى أن الانتخابات البرلمانية مضيعة للوقت، وأن الرئيس من الممكن أن يقوم بمهمة التشريع أفضل من البرلمان.

في غياب المشاركة الواسعة، لن يذهب إلى صناديق الاقتراع في الغالب إلا نسبة بسيطة تعبر عن الحشد "العائلي - القبلي"، ومن ثم لن يعبر البرلمان عن التلاوين والمكونات السياسية والاجتماعية المختلفة، وبالتالي لن يتحقق الشرط الأول لنزاهة الانتخابات، وفقا لما ذهبنا إليه هنا، فماذا عن بقية الشروط؟!.. لعل هذا يكون مجال حديث آخر بإذن الله.
الجريدة الرسمية