رئيس التحرير
عصام كامل

قناة السويس الجديدة وتغيير ثقافة العمل


كنا غالبا نبدأ العمل في أي مشروع ولا نعرف متى ينتهي.. وتظل الأموال مهدرة في مشروعات لا تكتمل، والأمثلة على ذلك كثيرة ولو فتشنا في كل ربوع مصر لوجدنا مشروعات صرف صحي متوقفة ومشروعات مياه لا تجد من يستكملها، وطرق رصدت الحكومة ميزانيات لها ولم يبدأ العمل فيها.. لأن ميزانيتها ( خدها الغراب وطار )


كنا في حاجة ماسة إلى نموذج كبير.. إلى مشروع قومي تكمن فيه عناصر التحدي والقدرة على الإنجاز، ولأول مرة يتم الإعلان عن المشروع الكبير قناة السويس الجديدة، ويتم التوجيه بموعد الانتهاء منه وتسليمه أمام العالم كله.. ويضرب الجميع أخماسه في أسداسه.. وتنبري مكاتب الخبرة العالمية لتقول إن ذلك مستحيل حدوثه في هذا الوقت القياسي طبقا لمعايير الأداء العالمية وقدرة العاملين فيه على العمل ساعات طويلة.. وكان الرهان، وكان التحدي، وجاء النجاح في الموعد المحدد.

التحدي كان واضحا من اللحظة الأولى.. تمويل المشروع بأموال مصرية مائة في المائة، والتحدي الثاني هو جمع 60 مليار جنيه تكلفة المشروع وملحقاته الفنية واللوجستية من طرق وأنفاق وخلافه، ويقول الخبراء إن ذلك يستغرق أكثر من 3 أشهر في أحسن الأحوال فيتم جمع 64 مليار جنيه في 8 أيام عمل لا أكثر من أموال المصريين في حالة غير مسبوقة تحدث عنها الخبراء والمصرفيون بأنها معجزة في ظل مناخ مضطرب وحالة حبلى بالشائعات والتشكيك من هؤلاء الذين يكرهون الوطن والشعب والذي وصفهم الرئيس السيسي بجماعة الشر.

ودقت ساعة العمل الوطني وانطلق أبناء مصر وفي المقدمة منهم شباب عاهدوا الله والوطن أن ينفذوا التكليف ويصدقوا الوعد ويفوا بالعهد.. وصلوا النهار بالليل في عزيمة لا تلين، وعرق لا ينقطع سيله وهم لا يشعرون.. المصريون يحاكون الأجداد متسلحين بالعلم والتكنولوجيا مؤمنين أنهم يعملون لوطنهم وأمتهم وللإنسانية كلها، فأجدادهم صناع الحضارة التي أنارت العالم وفجر الضمير الذي علم البشرية قيم الحق والخير والجمال، وعرفوا التوحيد وأدركوا أنه يوجد إله واحد لهذا الكون قبل أن تهبط رسالات السماء وقبل أن يعرف البشر الرسل والأنبياء.

أنجز المصريون المشروع في الوقت المحدد وأوفوا بالعهد.. عندما يريدون يفعلون، وعندما يصممون ينجحون، يحدث ذلك عندما تكون الإرادة حاضرة والإدارة واعية وكل شيء في مكانه الصحيح، وفي تقديري إن هذا ما كان ينقص مصر بعد عقود من الترهل الإداري والفساد الذي ضرب أركان مؤسسات الدولة إلا ما رحم ربي، لذلك كان التوفيق من الله لمؤسستنا العسكرية ولأبطال جيشها العظيم الذي لم يطل أحد منهم مرض الترهل أو يتسلل إليه الفساد.

نجحت مصر في اختبار القدرة على الإنجاز واختبار الثقة وكل اختبارات التحدي التي واجهتها في هذا المشروع داخليا وخارجيا وسوف يأتي وقت قريب نعرف فيه ماذا كان يحدث من قوى الشر ومن معهم لتعطيل المشروع ووضع العقبات التي تحول دون إنجازه في الوقت المحدد.

النجاح الأكبر والأهم هو أننا صنعنا بأيدينا نموذجا جبارا في التخطيط والتمويل والتنسيق والتنفيذ قام به العامل المصري في كل تخصص وكل موقع.. النموذج تحت أيدينا صناعة مصرية كاملة.. هل نعممه في كل مشروعاتنا الكبيرة والصغيرة.. هل يغير هذا النموذج ثقافة العمل.. هل نستثمر هذا النموذج ونصحح به الصورة الذهنية السائدة عن قيمة العمل في مصر.. هل نستمر في تغذية هذه الروح الوثابة في العمل ونستمر في إشعال رغبة التحدي في الإنجاز قبل أن تخبو ؟؟

أسئلة كثيرة أجبنا عنها وحصلنا على الدرجات النهائية فيها.. شاهدنا العالم وسجلنا أرقاما قياسية في موسوعات عالمية.. ليس أمامنا من بد غير التمسك بها والمحافظة عليها.. عاشت روح المصريين عالية، وتحية واجبة للرئيس ولكل من عملوا في هذا المشروع ولكل من ساهم فيه ولو بكلمة صادقة ومساندة معنوية وتحية للشعب المصري كله الذي استرد ثقته بنفسه وقرر أن يعود.. والعود أحمد.. وتحيا مصر. 
الجريدة الرسمية