رئيس التحرير
عصام كامل

ليس كل جاسوس خائنا.. «الجمال» خدع الإسرائيليين لسنوات طويلة وقدم لهم معلومات «مضروبة» عن تحركات الجيش.. ليلى مراد حرصت على التبرع مرات كثيرة لدعم الجيش المصرى والجيوش التي تقاتل إس


ليس كل جاسوس خائنا.. فهناك جواسيس نجحوا في خداع أعدائهم وقدموا لبلادهم خدمات جليلة.. اخترقوا الصفوف الأمامية للعدو، وحصلوا على أخطر الوثائق والملفات التي كانت سببا في تفوق بلادهم سياسيا وعسكريا.. وسجلات المخابرات المصرية تسجل بطولات لعدد من الوطنيين الذين وضعوا أكفانهم على أيديهم نصرة لأوطانهم.


رأفت الهجان
أشهر عميل مصرى نجحت المخابرات المصرية في زرعه داخل إسرائيل.. سطر واحدة من قصص النجاح المهمة في تل أبيب واستمر في خداع الموساد اللإسرائيلى لسنوات طويلة.

اسمه الحقيقى رفعت الجمال واسمه في الجاسوسية «رأفت الهجان»، برع في تقمص دور الشخص اليهودى، خلال اختلاطه باليهود، في المدرسة التجارية، حتى أن اليهود أنفسهم اقتنعوا بأنه يهودى مثلهم ولم يشكوا لحظة في ذلك، برع في تزوير الأوراق الرسمية لنفسه فكان يهوديًا، وبريطانيًا، وكل يوم باسم، يهوى التمثيل ويعشق تقمص أي شخصية، ولهذا وقع عليه اختيار المخابرات المصرية العامة، ليكون «جاك بيتون»، اليهودى.

الجمال كتب ذلك في مذكراته، وعن هذه اللحظة الفارقة يقول: «مرة أخرى وجدت نفسى أقف عند نقطة تحول خطيرة في حياتي. لم أكن أتصور أننى لا أزال مدينًا لهم، ولكن الأمر كان شديد الحساسية عندما يتعلق بجهاز المخابرات، فمن ناحية روعتنى فكرة الذهاب إلى قلب عرين الأسد. فليس ثمة مكان للاختباء في إسرائيل، وإذا قُبض عليَّ هناك فسوف يسدل الستار عليَّ نهائيًا والمعروف أن إسرائيل لا تضيع وقتًا مع العملاء الأجانب. يستجوبونهم ثم يقتلونهم. ولست مشوقًا إلى ذلك. ولكنى كنت أصبحت راسخ القدمين في الدور الذي تقمصته، كما لو كنت أمثل دورًا في السينما، وكنت قد أحببت قيامى بدور «جاك بيتون».

أحببت اللعبة، والفارق الوحيد هذه المرة هو أن المسرح الذي سأؤدى عليه دوري هو العالم باتساعه، وموضوع الرواية هو الجاسوسية الدولية. وقلت في نفسى أي عرض مسرحى مذهل هذا؟... لقد اعتدت دائمًا وبصورة ما أن أكون مغامرًا مقامرًا، وأحببت مذاق المخاطرة. وتدبرت أمرى في إطار هذه الأفكار، وتبين لى أن لا خيار أمامي. سوف أؤدى أفضل أدوار حياتى لأواجه خيارين في نهاية المطاف:

إما أن يُقبض عليَّ وأستجوب وأشنق، أو أن أنجح في أداء الدور وأستحق عليه جائزة الأوسكار».
هذه هي روايته، أما رواية المخابرات المصرية العامة، فتقول إن الضابط السرى حسن حسنى كان مسئولًا عن استجواب الجمال بعد القبض عليه هاربًا من إحدى القضايا بعد عمله في قناة السويس واتهامه بالاختلاس، وبعد أن اعترف الجمال بكل أدوار التزوير التي لعبها في حياته ومراقبته جيدًا وقع عليه الاختيار ليكون جاسوس مصر في تل أبيب، وصدرت له هوية جديدة باسم جاك بيتون، وعاش في حى تقطنه الطائفة اليهودية بالإسكندرية، ليغادر البلاد عام 1956 متجهًا إلى إسرائيل.

أما الرواية التي اتهم على إثرها الجمال بأنه عميل مزدوج وبأنه خائن وليس بطلًا ما جاء في كتاب «الجواسيس» من تأليف الصحفى إيتان هابر، الذي عمل سنوات طويلة إلى جانب رئيس الحكومة الراحل إسحق رابين.

ويقول الكتاب: «الإسرائيليون عرفوا هوية الجمال منذ البداية، وجندوه كعميل وجاسوس لهم على مصر، المعلومات التي نقلها إليهم، ساهمت في القبض على شبكات تجسس مصرية عديدة مزروعة في إسرائيل من قبل المصريين، وأنه نقل للمصريين معلومات أدت إلى تدمير طائرات لسلاح الجو المصرى وإلى هزيمة حرب 1967».

لكن المخابرات العامة المصرية دافعت عن الجمال واعتبرته مواطنًا مصريًا خالصًا أعطى وطنه الكثير، ولو كان الإسرائيليون قد استطاعوا كشفه لعرفوا بالاستعدادات المصرية للهجوم، فإذا صدقت الرواية الإسرائيلية كانوا سيطلبون من جاسوسهم ميعاد الهجوم في 1973.

ليلى مراد
تبدأ قصة اتهام ليلى مراد بالخيانة والجاسوسية لصالح إسرائيل، في سبتمبر 1952، عندما سرت شائعة تفيد بأنها دفعت تبرعات قيمة 50 ألف جنيه عام 1948، وأنها سافرت لإسرائيل لمساعدة الجيش الإسرائيلى في حربه ضد الجيوش العربية، وشاءت الأقدار أن تكون يهودية الأصل فصدق الناس الشائعة، ما دفع السلطات إلى التحقيق معها في هذا الاتهام.
بعد انتهاء التحقيقات والتي تخللها البحث في صحة الشائعة، تقدم رئيس غرفة صناعة السينما المصرية، بوثيقة، يوم 27 أكتوبر سنة 1952 كان مضمونها:

«بالإشارة لكتابكم رقم 435 بتاريخ 24 أكتوبر عام 1952 بخصوص السيدة ليلى مراد، أتشرف بالإفادة بأنه بعد تحريات جهات الاختصاص في هذا الموضوع، تبين أن السيدة ليلى مراد لم تسافر إلى إسرائيل ولا صحة لما نشر عن تبرعها لحكومة إسرائيل بأى مبلغ».
لكن ليلى مراد، التي أعلنت إسلامها وتزوجت بالفنان أنور وجدى، تبرعت في مايو سنة 1948، بمبلغ مائة جنيه لجنود الدول العربية التي تقاتل في فلسطين ضد الصهاينة.

أشرف مروان
في عام 2002 نشر المؤرخ اليهودى «أهارون بيرجمان» كتابًا بعنوان «تاريخ إسرائيل» أشار فيه إلى أشرف مروان، دون ذكر الاسم، اتهمه بأنه جاسوس للموساد الإسرائيلي، وأنه ذهب بنفسه للسفارة الإسرائيلية في لندن عام 1968 عارضا خدماته على الموساد ليكون رجلهم في بيت عبد الناصر ورئاسة الجمهورية التي يعمل بها.

100 ألف جنيه إسترلينى عن المقابلة الواحدة، هو ما كان يتقاضاه مروان وفقًا لبيرجمان، وأنه حمل أسماء حركية مثل: «الصهر» أو «العريس» أو «رسول بابل»، وقال إن تقاريره يقرؤها كبار رجال الحكم في إسرائيل، وسلم الموساد نسخة مكتوبة من حوار جمال عبد الناصر مع القادة السوفيين في 22 من يناير 1970 يطالبهم فيها بطائرات بعيدة المدى، ونسخة من رسالة سرية بعث بها السادات إلى الرئيس السوفييتى ليونيد بريجينيف في 30 من أغسطس 1972 طالبه فيها بصواريخ بعيدة المدى من طراز «سكود» ويقول فيها إنه دون هذه الصواريخ لا يستطيع شن حرب لتحرير سيناء.

ويضيف كتاب بيرجمان « بابل، طلب في 4 أكتوبر 1973 مقابلة رئيس الموساد «تسفى زمير»، والتقاه في إحدى الدول الأوربية في 5 أكتوبر، فوجد «مروان» غاضبًا، لأن إسرائيل تتجاهل تحذيراته ولا تعمل شيئا لمواجهة خطر الحرب، وفى مساء اليوم نفسه اتصل «بابل» وأبلغ إسرائيل بأن موعد الهجوم سيكون قبل حلول مساء 6 أكتوبر».

ما نشر في هذا الكتاب، قلب الدنيا على مروان، الذي بدأت الإشارة إليه وكأنه جاسوس مصرى جندته إسرائيل، ليصبح صهر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ويمدهم بالمعلومات، ولم لا وهو تاجر السلاح الذي يقامر بأى شيء، حتى وطنه؟ هكذا قيل عنه.

دافع عن مروان، الذي لقي حتفه في ظروف غامضة في لندن عام 2008، الرئيس الأسبق حسنى مبارك، الذي نفى تهمة العمالة عن مروان، وأكد أن الخدمات الجليلة التي قدمها مروان لمصر لم يحن وقت الإعلان عنها بعد.

إيلى زعيرا، رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية قدم دليل براءة مروان حينما قال « الثقة بـ« بابل» كانت أكبر هزيمة تحققت لإسرائيل في تاريخها».

سمير الإسكندرانى
أما الفنان سمير الإسكندرانى فثارت الشبهات حول عمله جاسوسًا لإسرائيل لمدة 3 سنوات، لكن بموافقة المخابرات العامة المصرية، وهنا تسقط تهمة الخيانة قبل أن تبدأ، لم يدع الإسكندرانى فرصة أمام المخابرات لتلقى القبض عليه بتهمة التجسس لصالح إسرائيل، ولكنه عاد من إيطاليا إليهم مباشرة، ليدافع عن نفسه.

يدافع الإسكندرانى عن نفسه في حواره مع جريدة الأهرام، في فبراير 2011، ويروى «ذهبت في منحة دراسية لإيطاليا في مدينة «بيروجيريا» عام 1958، وكنت في العشرين من عمري، وكنت أتحدث خمس لغات وكان ظاهرى يبدو عليه التحرر والحماس، وقع اختيار الموساد على وأدخلوا على شخصًا اسمه سليم قدم نفسه لى على أنه شاب مصرى من أصل يونانى عاش في القاهرة، وكان سليم دائم الحديث عن كرهه لمصر، ولاحظت ذلك فبدأت أجاريه وأقوله له أنا مصرى من أصل يهودى ولا أريد العودة إلى مصر».

بعد هذا التصريح اصطحب سليم، سمير إلى «جوناثان شميث» وهو وسيط للموساد في روما ولكنه يعمل تحت ستار منظمة «الحبر الأبيض لمحاربة الشيوعية والاستعمار»، ولم يبلغه شميث أنه سيكون عميلا للموساد وإنما عضو في المنظمة يرحل إلى مصر ليمدهم بالمعلومات اللازمة بعد تدريبه على الكتابة بالحبر السرى.

فور عودة الإسكندرانى إلى مصر نجح في الوصول إلى الرئيس جمال عبد الناصر، بعد شهر ونصف الشهر من المحاولات، وأبلغه القصة الكاملة، التي تأكد منها صلاح نصر، رئيس المخابرات حينها، وطلب منه نصر أن يكمل الحكاية وكأنه جاسوس إسرائيلى وأبلغته المخابرات بالطريقة التي كسب بها ثقة الموساد، ولمدة 3 سنوات كشف الإسكندرانى أكبر شبكة للجواسيس الإسرائيليين داخل مصر، والذين حاولوا من خلالها قتل المشير عبد الحكيم عامر، والرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

جواسيس ظلمهم أهلهم
بالفعل كانا جاسوسين لكنهما لصالح مصر هذه المرة، ولا أحد يعلم ذلك حتى ذويهما، وهما اللذان طردوهما من منزليهما واتهموهما بالجاسوسية، وهما جمعة الشوان، والطفل صالح عطية.
الجريدة الرسمية