رئيس التحرير
عصام كامل

مدارس «بير السلم».. التعليم في «أوضة وصالة».. صاحب مدرسة خاصة يتجاهل قوانين التعليم ويفتتح فرعًا لـ«اللاجئين» في «شقة».. أبناء الجاليات النسبة الغالبة من طلابها

إحدى المدارس - صورة
إحدى المدارس - صورة أرشيفية

ملف التعليم قبل الجامعي يحوي بين طياته العديد من الموجعات، والكثير من المفاجآت المأساوية التي يمكن من خلالها التوصل لأسباب - مقنعة - تفسر حالة التردي التعليمي التي تعاني منها "المنظومة التعليمية" في مصر، الذي أوصلها لأن تحتل المركز الأخير في تقرير دعم التنافسية فيما يتعلق بالتعليم.


المدارس الخاصة واحدة من نقاط ضعف التعليم المصري بما يصدره أصحابها من محاولات للتحايل على القانون من أجل الثراء حتى تحول الأمر بالنسبة للكثير منهم إلى تجارة مربحة في عقول الطلاب، ليرقصوا بذلك على جثث أولياء الأمور الذين ينزفون الدم آملين في تقديم خدمة تعليمية جيدة لأبنائهم، ليفاجأوا في النهاية بأنهم قدموا أولادهم طواعية إلى "تجار الوهم" بدلا من أن يقدموهم إلى دور العلم.

لم يعد الأمر داخل المدارس الخاصة يقتصر على زيادة المصروفات الدراسية مقابل الخدمة التي يفترض فيها أنها أعلى من الخدمة التعليمية التي تقدمها مدارس الحكومة بما تعانيه من مشكلات، بل وصل الأمر من البجاحة إلى احتراف التحايل على القانون واستغلال حاجة أولياء الأمور اللاهثين خلف مكان لتعليم أبنائهم بإنتاج مدارس "بير سلم" تقدم التعليم كما يراه أصحاب البطون الكبيرة من ملاك المدارس الخاصة.

"أبناء الأندلس".. التعليم "في الدور الثاني"
على بعد أمتار من ميدان الحصري بمدينة 6 أكتوبر، توجد مدرسة جيل 2000 للغات، وهي واحدة من المدارس الرائدة على مستوى مديرية التربية والتعليم بالجيزة، وفي مواجهة مدرسة جيل 2000 مباشرة، يلفت النظر مبنى مربع مكون من ثلاثة طوابق بلونه الأصفر الباهت، وفي الطابق الأرضي من ناحية المبنى المواجه لمدرسة جيل 2000 هناك 3 محال تجارية، أحدها متجر لبيع "العيش الفينو "والآخر بقالة، وعلى الجانب الآخر للمبنى يوجد مخبز، وللمبنى 3 أبواب جانبية أحدها لمركز دراسات أجنبي، والثاني لمركز تدريب على شهادة قيادة الحاسب الآلي الدولية "ICDL" والباب الثالث يصعد بك إلى فصول مدرسية، أو بالأحرى لقاعات صغيرة صممت على هيئة فصول مدرسية، والمفاجأة أن المبنى الذي لا يحمل أي لافتة معروف في تلك المنطقة بأنه مبنى مدرسي لمدرسة "أبناء الأندلس الخاصة".

وتبدأ الدراسة في تلك الفصول من الثامنة صباحا وحتى الثانية عشر ظهرًا، ولا توجد فسحة نظرا لعدم توافر فناء مدرسي يمكن للطلاب أن يخرجوا إليه، فمن باب المدرسة إلى الشارع مباشرة.

مبنى "أبناء الأندلس" بتكوينه هذا يفتقد الاشتراطات التي تحددها هيئة الأبنية التعليمية للمدارس، التي تشترط أن تكون المدرسة على مساحة لا تقل عن ألف متر، فضلا عن وجود فناء يمارس فيه الطلاب أنشطتهم الرياضية، وقاعات للأنشطة الفنية والموسيقية وقاعات للحاسب الآلي بخلاف الفصول المدرسية، وهو ما لا يوجد شيء منه داخل المبنى القابع بمنطقة الحصري بمدينة السادس من أكتوبر.

من جانبها.. كشفت مصادر بمديرية التربية والتعليم بالجيزة، أن المبنى المذكور ملك لشخص يدعى محمد سلومة، صاحب مدارس أبناء الأندلس التابعة لإدارة كرداسة التعليمية، وأن الطلاب الذين يدرسون في مبنى أكتوبر مقيدون في سجلات مدرسة كرداسة، وتظهر نتيجتهم معتمدة من إدارة كرداسة في مخالفات صريحة للقانون، كما أن دفاتر الحضور والانصراف تقيد باسم مدرسة أبناء الأندلس في كرداسة.

ولفتت المصادر إلى أن "سلومة" حاول كثيرا استصدار تراخيص لمبناه الجديد باعتباره ملحقا بمدارس أبناء الأندلس بأكتوبر، إلا أن إدارة أكتوبر ومديرية التربية والتعليم بالجيزة رفضتا لمخالفة المبنى لاشتراطات الأبنية التعليمية، وهو ما دفع سلومة إلى أن يستقبل ملفات الطلاب بمبنى أكتوبر ويسجلهم على مدرسته بكرداسة في مخالفة صريحة للقانون.

اللاجئون.. سر مدارس "سلومة"
ويخصص "سلومة" أتوبيسين لنقل الطلاب إلى مبناه في أكتوبر، والطلاب الذين يدرسون في مبنى أكتوبر أغلبهم من أبناء الجاليات السورية والعراقية، وبعض أبناء المصريين.

والغريب في الأمر أن نتائج الطلاب تعتمد من إدارة كرداسة دون مشاكل، وأن جميع الطلاب يسجلون حضورا وغيابا في المدرسة التابعة لكرادسة، كما أن جميعهم ينجحون، وفي امتحانات الشهادات للأعوام السابقة كانت الأتوبيسات التابعة للمدرسة تنقل الطلاب إلى لجانهم كطلاب ضمن مدرسة أبناء الأندلس بكرداسة رغم أنهم لا يعلمون حتى عنوانها.

وأكدت مصادر بإدارة التعليم الخاص بوزارة التربية والتعليم، أن "سلومة" ليس الوحيد من بين أصحاب المدارس الخاصة الذي يلجأ إلى هذا الأسلوب، لافتة إلى أن "سلومة" يعد تلميذًا لأحد أكبر قيادات نقابة المهن التعليمية في مجلس النقابة الأسبق، الذي يمتلك مجموعة مدارس خاصة بالقاهرة، ويتفق مع بعض مراكز الدروس الخصوصية على أن يسجل طلابها لديه وأن يحصلوا على شهاداتهم باسم مدرسته دون أن يحضروا فيها، مقابل 50% من قيمة المصروفات الدراسية التي يتحصل عليها أصحاب تلك السنترات التي تتحول في مثل هذه الحالة إلى مدارس موازية.

وأوضحت المصادر ذاتها، أن القيادي المذكور سجل العام الماضي نحو 600 طالب وطالبة من أبناء الجالية السورية بمدرسته بالمخالفة للقانون، رغم أن هؤلاء الطلاب كانوا يتلقون دروسهم في مجموعة شقق كان قد تأجرها مجموعة من السوريين وقتها باعتبارها مراكز للتدريب وتعليم اللغات.

والغريب في الأمر أن مديرية التربية والتعليم بالقاهرةـ اعتمدت نتائج هؤلاء الطلاب العام الماضي رغم أن الكثافات المحددة للمدرسة التي كانوا مقيدين بها لا تسمح بأن تضم كل هذا العدد.

وأكدت المصادر، أن وزارة التربية والتعليم آخر من يعلم بوجود مثل هذه المدارس، وأن شكاوى أولياء الأمور التي بدأت ترد للوزارة خلال العامين الماضيين عن وجود مشاكل في قيد أبنائهم في لجان الثانوية العامة، هي التي كشفت واقع مدارس "بير السلم".
الجريدة الرسمية