رئيس التحرير
عصام كامل

"سيد حجاب" لـ"فيتو": "حسن نصر الله" من كبار هذا الزمان.. "مبارك" رئيس الصدفة كان مجرد موظف ترقى لرئيس جمهورية.. "بليغ حمدى" مات شهيدًا مظلومًا

فيتو

الطريق من باب شقته لمكتبه الصغير يسار الممر الضيق سيحتمل خطواتك الخمس، وفى غرفة مكتبه تسكنك التفاصيل، صورة بليغ حمدى، رسومات طفولية تهمس بأنها تذكار ثمين وسط تلك الدولة العميقة من الكتب، وذهب ليصنع واجب الضيافة المقدس كما سماه ليترك لعالمه اختراقك بكل سهولة.. فتقع فى عشق كلماته وأشعاره وأغانيه، إنه الشاعر الكبير "عم سيد حجاب" الذى أتاح لنا أن نبحر معه فى رحلة شعرية فكرية طرقنا فيها عتبات السياسة وطربنا بالشعر، وحدثنا عن بليغ والسيد حسن نصر الله، وريم حجاب، وليل المطرية والخالة شوق.



رأينا صدام حسين يحاكَم ويُشنَق، ورأينا مبارك يُحاكَم ويُسجَن، كيف تحلل المشهدين كشاعر، ما الذى رأيته فى صدام وما الذى وجدته فى مبارك؟

هناك فرق كبير بين الشخصيتين، فالنسبة لصدام، اشتغل بالسياسة منذ شبابه الباكر، وهناك أقوال كثيرة اجتمعت حول تجنيده من قبل المخابرات الأمريكية، أما مبارك فكان موظفا عسكريًّا ترقى فى عصر السادات، وأصبح موظفا كبيرًا برتبة رئيس جمهورية، والذين حوله هم الذين صنعوا منه هذا الديكتاتور الفاشل، وبالتالى مواجهة الاثنين للمحاكمة والموت اختلفت، الأول فتح صدره للموت، وكان يتكلم كما لو كان صاحب قضية وصاحب مبدأ، ورغم أنه أذاق شعبه ألوان العذاب مات واقفًا، عكس هذا الموظف العام "مبارك" الذى أصبح رئيسًا للجمهورية بالصدفة، وصنع منه الآخرون ديكتاتورًا فاشلًا.


حدثنا عن مساهمات جيلك فى تنشيط الحالة الاندماجية بين المبدع وثقافة أمته؟

منذ اتفاقيات كامب ديفيد قررت أنا ومجموعة كبيرة من الكتاب والمبدعين بعد أن استشعرنا الخطر يحيط بنا وبالشعب رفض الخيانة والاستسلام، والتصدى لتشتيت الوطن، وببساطة شديدة كانت الأعمال الأدبية تحاول الوصول لنقطة التقاطع بين الذات كمبدعين، وبين الحياة بشكل عام، فكانت جميعها تخرج من موقع الدفاع والمقاومة عن حالة التردى المعاشة وتواجه المشكلة بشكل واضح.
فرأينا مثلًا أعمال عبد الرحمن الشرقاوى المسرحية والشعرية، وتواصل معنا أمل دنقل فى "لا تصالح"، واندمج أيضا صلاح عبد الصبور مع قرائه، ولكن فى بعض أعماله الأولى، واشتبك معنا العظيم صلاح جاهين عن طريق رباعياته الرائعة، وغيرهم مثل عفيفى مطر وأحمد عبد المعطى حجازى، جميعًا شعراء ومبدعين تعلموا من شعوبهم وصنعوا التواصل بين فكرهم وشعوبهم، فعشنا زمن الطامحين لحياة أجمل من الواقع المتردى، ووجدنا تاريخ ثقافتنا الحديثة مليئًا بالمتمردين الحالمين.

من صورة بليغ حمدى هناك تحتضنها أرفف مكتبتك لصورة حسن نصر الله بجوارك، خطوات قليلة ووجه شبه أنت تعلمه، فما هو؟

بليغ من المفكرين الموسيقيين الكبار جدًّا، أسعدنى زمانى، وتعاملت معه فى أعمال كثيرة، فكان عاشقًا حقيقيًّا لمصر والموسيقى، ولا همّ له إلا مصر والموسيقى، ولأنه حالم موسيقى كبير مات دون حقه، ومات مظلومًا، لذلك فهو شهيد، رحمه الله، كان الحبة الأخيرة من عنقود عبقرى بدايته سيد درويش، كان يحلم أن يتم تمصير الغناء، ولكن ظلم فى آخر أيامه، ومات شهيدًا مظلومًا فى تهمة مهينة لا تليق بنبل بليغ، فذهب ضحية لهذه الموجة من الهجوم على الفنانين.
أما عمى حسن أو السيد حسن نصر الله، فهو لا شك أحد أكبر رجال هذه الأمة فى هذا الزمان، مثله مثل عبد الناصر، شبه يجمع كل الكبار والأرواح، كلاهما مشتركان فى التجرد الشخصى والحلم، كلاهما فى نفس الموقع، ولكن تختلف الظروف التاريخية المعايير، فهذا رجل يرفض الاستسلام والانبطاح، وما زال يرى أن القضية المركزية للعرب هى – فلسطين- ما زال ينهج نهج المقاومة، واستطاع أن يهزم إسرائيل والولايات المتحدة مرتين 2000 و 2006، فهو يرى فى دينه طريقًا للتقدم، ويستطيع أن يصل إلى مقضيات دينه ومقضيات العصر بسلاسة وذكاء واستنارة، بكل هذه المعانى، كلاهما عاشق لهذه الأمة، وكلاهما يسعى لخير هذه الأمة، كل بطريقته.

وما رأيك فيما يقال بشأن محاولات السيد حسن نصر الله إدخال بعض العناصر الشيعية إلى القاهرة وسوريا بمعاونة إيران؟

مش صحيح.. المشروع الأمريكى الصهيونى الوهابى فى المنطقة يستهدف إثارة هذه النعرات الطائفية، وما زلنا حتى الآن فى الجيب الأمريكى، وما زالت إرادتنا السياسية مستلبة، نحن ما زلنا منخرطين فى هذا المشروع التخطيطى، وأظن أن هذا الخريف الإسلامى الذى أعقب الربيع العربى هو محاولة للالتفاف على ثورات الشعوب فى المنطقة لتحويلها لحروب طائفية ومذهبية، فالرجل لا يقدم مشروعًا دينيًّا لكنه يقدم للأمة مشروعًا وطنيًّا يتجاوز الانقسامات الوطنية والاختلافات الدينية لرحابة أفق الوطن.

محطة ريم حجاب، هل لى أن أتقرب منها وأسألك فى أى المراحل تدخلت فى تكوين توجهاتها؟

أبدًا لم أحاول أن أستنسخ صورة أخرى منى، فقط تركت لها الحرية كى تتفتح فى طريقها الخاص، فهى تكتب الشعر وتصمم الرقص، وتُخرِج وتمثل، ما فعلته معها أنى أتحت لها الفرصة لتختار؛ فرصة التعلم، وأن تقرر لنفسها ما تشاء، أخذًا بقول الإمام على "ربّوا أولادكم على غير ما درجتم عليه؛ لأنهم مخلوقون إلى زمان غير زمانكم"، لذلك حاولت أن أتركها تتفتح وتتحرر من داخها، وأرجو أن أكون قد نجحت.

حدثنا عن الليل فى المطرية "قريتك الصغيرة"، والموت فى حياة سيد حجاب؟

الليل فى المطرية يبدأ بإنارة مصابيح الكيروسين، والتحضير لجلسات السمر خارج البيوت، واستماع قرآن الثامنة وتواشيح طه الفشنى المدهشة، ثم نشرة أخبار الثامنة والنصف.
أما فكرة الموت أنا وضعتها فى مكانها الصحيح مؤخرا، فأنا أرى حضور الموت فى المحيطين بى أكثر، وأتمنى أن لا أموت وأنا فاقد القدرة على الحركة أو فاقدا رشدى بالكامل، ولكنى أدرك فى النهاية أن الموت حقيقة، وما يخفف عنى الرعب من فكرة الموت إدراكى أنى ممتد فى الآخرين بحسن عملى.

هل هناك شخصيةٌ شعبيةٌ ما أثرت فى تكوينك الشعرى؟

"الخالة شوق"، وهى صديقة والدتى، وفنجان القهوة "ساعة العصارى"، تعلمت منها الكثير، فحديثها كان مرصعًا بالأمثال الشعبية، بالإضافة إلى نداءات الباعة وأغنياتهم، وعروض الغجر فى الموالد، وعم محمد على الشناوى الذى كان يشبه محمد على باشا إلى حد كبير، هذا الرجل كان يتجول فى سوق البلدة بفرسه، ويردد جملة واحدة فى عصر الملكية (بُكْرَة تبقى جمهورية، واللى يطول حاجة ياخدها).

الجريدة الرسمية