رئيس التحرير
عصام كامل

«جبل من الأكاذيب».. حلمى النمنم يفضح تاريخ «الخيانة والعمالة» لـ«إخوان البنا»

 حلمى النمنم
حلمى النمنم

«التاريخ يكتبه المنتصر».. قاعدة لا يمكن الاتكال عليها كثيرًا، لا سيما عند الحديث عن حقب زمنية متتالية، بطلها واحد، فاختلاف الحقب لا يفرض هنا الالتزام بـ«وجهة نظر واحدة»، فالظروف تغيرت والوجوه تبدلت، ولهذا يكون تقصى الحقيقة، والاستماع إلى «شهود عيان» والمقارنة بين ما كتب عن «المرحلة الواحدة» هو المنطق الصحيح للتعامل مع التاريخ هنا، وهذا المنطلق التزم به الكاتب الصحفى، وزير الثقافة السابق، حلمى النمنم، في كتابه الجديد الذي حمل عنوان «الإخوان والجيش».


«النمنم» وإن كان منح القارئ عنوانًا مختصرًا بعض الشيء، إلا أن مطالعة فصول الكتاب الذي جاء في أكثر من 200 صفحة، تكشف أنه مد خيط تاريخ جماعة الإخوان، المصنفة إرهابية، على أخره، منذ لحظة التأسيس وحتى «سنوات الإرهاب»، فوزير الثقافة السابق، لم يتخذ في كتابه موقفًا مناهضًا للجماعة، بقدر ما التزم بـ«رؤية المؤرخ» في تقديم المواقف وعرض وجهات النظر، وترك المسئولية للقارئ ليحدد في أي خانة كانت تقف جماعة الإخوان من الدولة المصرية.

«تاريخ عريض من الخيانة».. القراءة المتأنية لما يحمله «كتاب النمنم» ستضعنا أمام هذه النتيجة، فـ«الإخوان» من البداية لم تعرف الولاء لأى طرف سوى «مصلحتها» ولا يهم الطريق الذي سلكته الجماعة لتحقيق هذه المصلحة، ولطالما كانت «الدعاية» و«الفبركة» في مقدمة الأدوات التي تستخدمها الجماعة في إنهاء جميع معاركها.

وتحت عنوان «الإخوان والملك والضباط.. ليلة 23 يوليو» يبدأ وزير الثقافة السابق فصله الأول من الكتاب، ويقول: «نجحت جماعة الإخوان، عبر عقود من الدعاية المكثفة، أن تبث بعض المقولات والآراء الخاصة بها، وراح بعض الباحثين والدراسين، يتناقلونها باعتبارها حقائق تاريخية، من ذلك مقولة أن شباب وكتائب الإخوان رابضوا (مسلحين) في الأيام الأولى لثورة يوليو 1952 على طريق القاهرة – السويس، لحماية الثورة من احتمال تدخل القوات البريطانية من قاعدتها في منطقة السويس إلى القاهرة، وروج الإخوان ذلك على نطاق واسع في كتبهم وأحاديثهم، وفى الخطب اليومية بمساجدهم وزواياهم، وبناء عليه اعتبروا أنفسهم شركاء في ثورة يوليو، وفى الإطاحة بالملك فاروق، ومن شدة التكرار والإلحاح، صدق الكثيرون ذلك، وبات يذكر في الكتب والدراسات السياسية والتاريخية، حتى لو كان كتابها ليسوا من الإخوان، باعتباره من الحقائق التاريخية المؤكدة، التي لا تحتمل المراجعة، ولا تقبل التساؤل حولها، رغم أن الوقائع المعلنة أو المكشوفة، تثبت أن الجماعة لم تصدر أي بيان تعليقًا على ما حدث ليلة 23 يوليو 1952، والتزمت الصمت التام تجاه ما قام به الضباط الأحرار، وكان المرشد العام حسن الهضيبي في الإسكندرية، حيث كان الملك فاروق يقضى إجازته الصيفية، بعيدًا عن العاصمة، وصدر أول تعليق للجماعة على ما جرى، عقب مغادرة الملك فاروق لمصر نهائيًا إلى إيطاليا، وبعد أن تنازل عن العرش، مساء يوم 26 يوليو 1952، الواضح من هذا الموقف أن الجماعة التزمت الصمت التام والاختفاء، حتى إذا ما نجحت الثورة أمكن لهم السير في ركابها، مدعين أنهم شركاء فيها، وفى تصور آخر أنهم صانعوها، أما لو فشلت، وأمكن للملك فاروق تجاوز الأزمة، يمكن للمرشد العام أن يذهب إلى قصر عابدين مهنئًا ومباركًا، خاصة أنه سبق له لقاء الملك فاروق واستمع إلى توجيهاته ونصائحه، وفضلًا عن ذلك، هناك الاتفاق المسبق بين حسن الهضيبي والديوان الملكى على العودة المشروطة للجماعة، بأن تتفرغ للدعوة والوعظ والإرشاد فقط، دون الخوض في الأمور السياسية، ومن ثم إنهاء دور التنظيم الخاص والعمليات الإرهابية».

وتحت عنوان «الإخوان وليلة 23يوليو.. أساطير ومؤامرات»، ينتقل بنا الكاتب الصحفى الكبير حلمى النمنم إلى نقطة ثانية تكشف «انتهازية إخوان البنا»، حيث يقول: في نهاية الخمسينيات تردد رأى بأن مصر قبل ثورة يوليو 1952، مباشرة كانت تعيش حالة ثورية وأن هناك ثورة شعبية على وشك القيام، ولكن تحرك الضباط الأحرار في 23 يوليو أجهض تلك الحالة، بل قضى عليها، حين قفز الضباط إلى المشهد، فاستبقوا الشارع وأطاحوا بالملك فاروق، انتشر هذا الرأى بين بعض المثقفين الماركسيين، واليساريين عمومًا، والصحيح أن كثيرين لم يتوقفوا عنده ولم يناقشوه، بل إن مفكرًا في وزن د. فؤاد زكريا لم يتوقف أمامه كثيرًا وهو يختلف مع مسار ثورة يوليو، واعتبره مجرد افتراض نظرى، ورفض أن يناقشه لكن الأمر يحتاج التأمل والنقاش الموسع، لو لم يتحرك الضباط الأحرار، هل كانت الثورة الشعبية على الأبواب، وهل لو تأخروا سنة – مثلًا – هل كنا سنجد أنفسنا بإزاء ثورة عارمة في البلاد؟».

ويجيب «النمنم» عن السؤال السابق بقوله: «واقع الحال أن الملك فاروق لو استمر في الحكم عشر سنوات، وبقى على ما كان عليه، ما تحرك الإخوان ولا فكروا في القيام بثورة، لعدم أسباب، هم فكريًا ضد فكرة الثورة تمامًا، وقد ورد ذلك بوضوح وتأكيد في أدبياتهم وفى رسائل حسن البنا، ومن يراجع مذكرات البنا يجد أنه يتحدث عن «الإصلاح» وليس عن الثورة، ولم ترد لديه كلمة الثورة في المذكرات أبدًا ولا في رسائله، والثورة غير الإصلاح تمامًا، الإصلاح يعنى أن تحافظ على الوضع القائم وأن تزيد من إيجابياته وتحد من سلبياته، وليس أن تطيح به تمامًا، وتستبدله بوضع أو بنظام آخر جديد، مغاير وقد يكون نقيضًا له، والإصلاح عندهم ليس إصلاحًا اجتماعيًا وإداريًا ولا هو إصلاح سياسي، ولا إصلاح اقتصادى، ليس أي شيء من ذلك، يقول حسن البنا في مذكرة رفعها سنة 1939 شهر أكتوبر، إلى على ماهر باشا، رئيس الوزراء، (يعتقد الإخوان المسلمون أن الطريق الوحيد للإصلاح هو أن تعود مصر إلى تعاليم الإسلام فتطبقها تطبيقًا سديدًا، وأن تقتبس من كل فكرة قديمة أو حديثة شرقية أو غربية مما لا يتنافى مع هذه التعاليم ويكون فيه خير للأمة)، هذا هو الإصلاح كما يراه، ويمكن أن يتساءل المرء، هل كانت مصر هجرت تعاليم الإسلام ليكون الهدف والرجاء أن تعود إليها؟!».

و«لأن الخائن مشروع عميل» فإن صفحات التاريخ تحمل حكايات ومواقف عدة تكشف «خيانة وعمالة إخوان البنا»، فتحت عنوان «الإخوان واغتيال الملك فاروق» يكتب «النمنم»: «كانت سنوات الحرب العالمية الثانية، سنوات انطلاق جماعة الإخوان ومرشدها العام حسن البنا، وهى السنوات التي حملت جرثومة الفشل للجماعة إلى يومنا هذا، خلال تلك السنوات توثقت علاقتهم بالديوان الملكى في مصر، والحق أن تلك العلاقة نشأت قبل سنوات الحرب، فقد قاد حسن البنا مجموعة من الإخوان شاركوا في استقبال الملك فاروق وهو عائد من لندن عقب وفاة والده جلالة الملك فؤاد، وقدم البنا وصفًا تفصيليًا لتلك المشاركة والهتاف الذي ردده هو وإخوانه، في فصل كامل من مذكراته، وقد حذف الإخوان هذا الفصل من المذكرات بعد خروج الملك فاروق من مصر إثر تنازله عن العرش، والجديد في العلاقة أن الديوان الملكى، مع قيام الحرب، بات يستغل البنا وجماعته ضد من يعتقد أنهم خصوم الملك، وتوثقت علاقتهم أكثر بالإنجليز، ومنذ سنة 1941 نشأت علاقة البنا بالمخابرات البريطانية، على النحو الذي كشفته الوثائق البريطانية ذاتها، بكثير من التاصيل، وكذلك نشأت علاقته مع المخابرات الألمانية، إبان صعود النازية في بداية سنوات الحرب، وكان الإخوان وراء مظاهرات الهتاف لهتلر والإدعاء بأنه اعتنق الإسلام وصار اسمه (الحاج محمد هتلر)! وكشفت الوثائق والدراسات الألمانية الكثير من جوانب هذه العلاقة، والتعاملات التي قامت بين حسن البنا من جانب وألمانيا النازية من جانب آخر».



الجريدة الرسمية