رئيس التحرير
عصام كامل

فوضى التقارير الطبية "المضروبة".. تحذيرات من "الاستسهال في كتابتها".. تلويح بـ"عقوبات قاسية".. وطبيبة تكشف الضوابط

 تزوير التقارير الطبية
تزوير التقارير الطبية - صورة تعببيرية
ما بين التحذير من خطورتها والتلويح بعقوبتها، لا تزال ظاهرة «التقارير الطبية المزورة» تفرض نفسها على الشارع المصري، فرغم التحذيرات الواضحة التي أطلقتها الهيئات المسئولة عن الرقابة على هذه النوعية من التقارير، أو العقوبات التي نص عليها القانون فيما يتعلق بـ«تزويرها»، إلا أن هذا كله لم يمنع أنها أصبحت ظاهرة مزمنة وتحتاج إلى تدخل واضح وعاجل لإنهائها أو حتى التقليل من خطورتها.

 
ومن المتعارف عليه أن التقارير الطبية التي تصدر من المستشفيات ومن عيادات الأطباء الخاصة لها ضوابط ومعايير، كما أن قانون العقوبات المصري نص على عقوبة تزوير «التقارير الطبية» قد تصل إلى السجن والتعويض المادي، هذا فضلا عن الشروط التي نصت عليها اللائحة المنظمة لعمل الأطباء لكتابة التقارير الطبية.




أنواع التقارير الطبية
وفي هذا السياق قالت الدكتورة دينا شكري، رئيس قسم الطب الشرعي بكلية الطب جامعة القاهرة، الخبير الدولي للطب الشرعي: التقارير الطبية من يكتبها يجب أن يكون طبيبا متخصصا في فروع الطب المختلفة، ويمكن الاعتماد على نتائجه وذلك وفقا لائحة عمل الأطباء ٢٣٨ لسنة ٢٠٠٣ مادة رقم ٣٣.

وهي عبارة عن معلومات تكتب بطريقة معينة بها مقدمة عن الشخص الذي يخضع للكشف، ويحتوي التقرير على تشخيص من خلال كشف إكلينيكي أو فحوصات أو كشف طب شرعي، ويضم التقرير الخلاصة والرأي النهائي، وأضافت: هناك أنواع للتقارير منها مرضية أو جنائية في حالات العنف، موضحة أنه بالنسبة للتقرير المرضي يكون عن شخص يذهب إلى المستشفى أو العيادة للتشخيص وإعطاء العلاج.

وتنقسم إلى تقرير طبي ابتدائي يكتب في استقبال المستشفى بناء على رؤية مبدئية من طبيب الاستقبال ، ثم تقرير نهائي بعد تناول العلاج وبينهم تقرير متابعة، بينما في الحالات الجنائية يوجد نوعان من التقرير إما ابتدائي طبي أولى أو تقرير طبي قانوني يكون في حالة وجود قرار إحالة من النيابة أو المحكمة، ويمكن لأي مستشفى أن يكتب تقريرا ابتدائيا يكتبه أي طبيب في الاستقبال لحالات ضرب أو حوادث طرق أو إصابات العمل لشخص لديه جرح أو علاج، وليس شرطا أن يكتبها طبيب شرعي.

ضوابط التقارير الطبية 
وتابعت: هناك ضوابط قانونية لكتابة التقرير الطبي وفقا لقرار ١٨٧ لسنة ٢٠٠١ لوزير الصحة بشأن ضوابط التقرير الطبي، والتي تشمل أولا أن يحتوي التقرير على معلومات صحيحة بعيدة عن المجاملة، فعلي سبيل المثال شخص يرغب أن يحصل على أجازة وليس لديه مرض ويتم كتابة تقرير طبي له أمر غير قانوني.

ووصفت تلك التقارير بالمزورة والتدليس، وفي حالة وجود أي معلومات مغلوطة يقع من يكتبها تحت طائلة القانون وفقا للمادة ٢٢٢ في قانون العقوبات المصري لسنة ١٩٣٧، إذا تم إثبات ذلك، ويحصل على عقوبة سالبة لللحرية حبس أو سجن حسب خطورة التزوير مع عقوبة إضافية مدنية بالتعويض.

«د.دينا» أوضحت أن «ثاني الضوابط القانونية للتقرير، ألا يكتب بمقابل مادي وهو أمر مجرم، وثالثا ألا يوجد أي نوع من المصلحة وألا يتحول الغرض منه تحقيق مكاسب وربح فقد حرم القانون ذلك، ويجب كتابة التقرير بدون أي مقابل، ورابعا ألا يوجد تضارب مصالح فمثلا، لا يمكن كتابة تقرير لقريب أو ولاية على أموال ويكون كاتبه مستفيد من ذلك.

وتابعت: التقارير الطبية تكون إما لتشخيص أو علاج وتكتب بعد الكشف الإكلينيكي وعمل فحوصات وتحاليل وأشعة ويتم تحديد مدي صحتها من خلال تقارير الأشعة حيث تثبت ما يوجد في التقرير، وإذا لم يوجد فيها مرض تكون مخالفة للواقع.

كما تكمن أهمية التقرير الطبي الأولى عند كتابة طبيب الاستقبال في المستشفى، في أنه أول شخص يري المريض لأول مرة ويكون الجرح دون أي تغيير، والطبيب الشرعي يكتب تقريره بناء على وصف طبيب الاستقبال الذي رأي الحالة لأول مرة، مؤكدة أن ٩٣ % من حالات الإصابة يمكن أن يكتبها طبيب الاستقبال بطريقة احترافية دون الحاجة إلى طبيب شرعي تسير به المحاكم وتعتمد عليه في قضايا العنف والإجراءات الجنائية.

وأكملت: في قضايا العنف يجري الطبيب الشرعي الكشف الطبي، لكن الأهم تقرير الإصابة الأولى الذي كتبه طبيب الاستقبال، لذا يجب على كل الأطباء في أقسام الاستقبال أن تكون على دراية لكتابة التقارير بما يتفق مع الضوابط القانونية والطبية لها ، وتستطيع  إعطاء وصف دقيق للجرح.

كما أنه يوجد نوع آخر في تقارير الطب الشرعي منها تقرير الاستشاري وهو دفاع ثان إذا ادعي المصاب بأن التقرير الأول به ظلم له من حقه طلب لجان ثلاثية أو خماسية من المحكمة تكتب تقريرا أعلى في المستوي ليحصل على حقه، وتتكون تلك اللجان من أعضاء من تخصصات مختلفة وأساتذة طب شرعي في الجامعة، أو اللجوء إلى استشاري مقيد تخصص طب شرعي في النقابة العامة للأطباء، حيث يكتب له تقريرا استشاريا بمقابل مادي وهو قانوني، إلا أنه ليس كل القضاة يأخذون به حتى لا يوجد به محاباة أو تدليس.

ولهذا أرجو من الأطباء عدم الاستسهال في كتابة التقارير الطبية أو المجاملة فيها، لأنها تعتبر شهادة أمام الله عز وجل وكل طبيب مسئول عما يكتبه.

استغلال
«د.دينا» في سياق حديثها كشفت عن عدة ممارسات خاطئة لا يجب التهاون فيها، مثل طالب يريد أن يتغيب عن المدرسة ويحضر شهادة مرضية وهو غير مريض أو مثلا في حالات الإجهاض يوجد إجهاض دون سبب أو بسبب لو السيدة كملت الحمل يؤثر على صحتها وإذا كانت ترغب في إجهاض الجنين دون سبب تحضر، شهادة من استشاري تفيد أن الحمل لو اكتمل ستموت السيدة وأن حالتها خطر عكس الواقع.

وذلك نوع من التدليس ويعتبر جريمة قانونية وأخلاقية لأن الكلمة أمانة والتقرير يعتبر شهادة أمام الله يجب عدم كتمانها.

بدوره.. قال الدكتور إبراهيم الزيات، عضو مجلس نقابة الأطباء: أي مستشفى وطبيب يمكنه أن يكتب تقريرا بالصيغة التي يراها، مع الأخذ في الاعتبار أنه لا توجد صيغة واضحة وملزمة، وما يلزم الطبيب هو أن يكتب في تخصصه الطبي، التقارير الطبية من المستشفيات يكتب فيها الطبيب ما يراه سواء في الحوادث والاعتداءات.

والتقرير يكتب فيه ما رأه الطبيب بالفحص الإكلينيكي على المريض والتقرير النهائي بعد الفحوصات والأشعة.

وتابع: الطبيب الذي يسمح له بكتابة التقرير الطبي إما نائبا أو أخصائيا أو استشاريا بينما الطبيب المقيم يكتبه تحت إشراف الاستشاري، وفي العيادات الخاصة يجب أن يكون حاصلا على درجة علمية سواء اخصائي أو استشاري معه ماجستير أو دبلوم، بينما الممارس العام الحاصل على بكالوريوس من حقه كتابة تقرير طبي وليس تقرير تخصصي ويكتب كشفا ظاهريا فقط.

بينما التقرير الرسمي يكون معتمدا بختم النسر من المستشفيات الحكومية وفي الروشتة الخاصة من العيادة يكون عليها دمغة من النقابة، ويمكن لتوثيق الروشتة وضع ختم النقابة، وهو ما يؤكد أن الطبيب مسجل في النقابة حيث يمكن مراجعة اسم الطبيب إذا كان مسجلا لديها وتخصصه العلمي.

عقوبات التزوير
من جهته قال الدكتور هاني سامح، الخبير القانوني: قانون العقوبات أوضح جرائم التزوير للشهادات الطبية وفقا للمادة 222 بأن «كل طبيب أو جراح أو قابلة أعطى بطريق المجاملة شهادة أو بيانًا مزورًا بشأن حمل أو مرض أو عاهة أو وفاة مع علمه بتزوير ذلك يعاقب بالحبس أو بغرامة.

فإذا طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعدًا أو عطية للقيام بشيء من ذلك أو وقع منه الفعل نتيجة لرجاء أو توصية أو وساطة يعاقب بالعقوبات المقررة في باب الرشوة. ويعاقب الراشي والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي أيضًا»، موضحا أن عقوبة الرشوة وفق القانون، السجن المؤبد، المقررة بالمادة 103.

وأضاف: القطاع الطبي يشكو من انتشار التقارير الطبية التي يتساهل الأطباء في اصدارها مجاملةً للأشخاص والأقارب والأصدقاء، وربما طمعا في ود المرضى والمواطنين المترددين على الطبيب، والعقوبة مشددة حيال تلك الجريمة وتصل للحبس لثلاث سنوات بل وتصل إلى السجن المؤبد.

«د.هاني»أرجع إصدار تلك التقارير إلى الجهل القانوني وغياب الضمير لدى البعض مع التساهل والفوضى التي تضرب المجال الطبي وتعيق المحاسبة والمراقبة الأخلاقية والمهنية والقانونية لغالب ما يصدر عن الأطباء، مضيفًا «في حالة تزوير التقارير الطبية ماديا بتقليد توقيع طبيب وكتابة رقم قيده بنقابة الأطباء أو محاكاة أختامه ومطبوعاته فإن الجريمة تندرج تحت طائلة السجن الذي يصل إلى خمس سنوات».

نقلًا عن العدد الورقي...،
الجريدة الرسمية