رئيس التحرير
عصام كامل

موسم إعادة ترتيب الأوراق في أزمة سد النهضة.. إثيوبيا تستعين بالسودان لتمرير المشروع.. القاهرة تلجأ لأوغندا وتنزانيا للخروج من المأزق.. وجولات السيسي الأفريقية تستعيد دور مصر في حوض النيل

فيتو


المعارك الكبرى لا تحسم من جولة واحدة، وفي السياسة لا مكان للعواطف، وأزمة سد النهضة واحدة من المعارك المهمة والحاسمة ليس في تاريخ مصر وحدها ولكن في تاريخ القارة الأفريقية، معركة لا يمكن النظر إليها من الجانب الفني فقط، فالسياسة حاضرة بقوة في صدارة ملف المياه، وعلاقات الدول تلعب دورا مهما في حسم الصراع المحتدم بين القاهرة وأديس أبابا.


ويبدو أن ذلك الوقت هو وقت القاهرة، الأسباب كثيرة، انتهاء 60% من منشآت سد النهضة، توقف المناقشات الفنية لمدة تزيد على الثلاثة أشهر حتى الآن، تقرير المكاتب الفنية المفترض صدوره في هذا الشهر بات يحتاج عاما آخر من أجل إنجاز دراسته بعد أن استطاعت أديس أبابا تأجيله لأكثر من عام.

إنذار مصري
تلك الدلائل لم تكن غائبة عن مصر التي صعدت من لهجتها، وكانت البداية بـ«إنذار» مصري على لسان وزير الخارجية سامح شكري، تبعه هجوم من البرلمان وخبراء المياه على أديس أبابا التي تراجعت أمام هذا الهجوم، وأكد رئيس برلمانها أن أديس أبابا لا يمكن أي تقوم بإضرار القاهرة أو السودان.

استوعبت إثيوبيا الغضب المصري، وأدركت القاهرة أن «الإنذار» والخضوع الإثيوبي أمر مؤقت، ومن ثم بدأ كل طرف في تجميع بعض الأوراق في يده، وكانت البداية كما يوضح مصدر داخل اللجنة الفنية لسد النهضة بالضغط على السودان للموافقة على عقد جولة أخرى لمفاوضات سد النهضة، وهو ما استجابت له الخرطوم، وبالفعل بدأ الحديث عن جولة جديدة من المفاوضات لم يتحدد موعدها بعد، وإن كان تم تحديد مكانها في العاصمة السودانية الخرطوم.

ملء الخزان
المصدر ذاته أكد أن تلك الجولة رغم أن الحديث فيها سيدور على استئناف المفاوضات الفنية، لكنها في الأساس ستناقش نقطة واحدة باتت هي الأهم، تلك النقطة كما يوضح المصدر ستكون سنوات ملء الخزان، وبعد أن كان إعلان المبادئ ينص على أن أديس أبابا ملتزمة بتغيير منشآت السد إذا كان ذلك سيسبب ضررًا، لكن ما حدث أن إثيوبيا أهدرت 11 شهرًا برفضها منح المكاتب الاستشارية أي بيانات عن السد.

أمر آخر يجعل استئناف الدراسات الفنية «حبر على ورق» وهي أن الحكومة الإثيوبية وصلت بالإنشاءات لدرجة لا يمكن فيها أي تعديل، وهو ما يعارض إعلان المبادئ الذي ينص على أن إثيوبيا ملتزمة بتغيير في المنشآت إذا ثبت أي ضرر على دولتي المصب «مصر والسودان».

وبجانب تلك الصورة كما أوضحها مصدر داخل اللجنة الفنية فإن الجولة المقبلة ستناقش سنوات ملء خزان السد البالغ سعته 74 مليار متر مكعب، وفي الوقت الذي ترى فيه إثيوبيا أن الملء سيكون خلال عام أو ثلاث سنوات كحد أقصى، وهي مدة تنذر بكارثة، إذ إن هذا يعني حجب كميات كبيرة من مياه نهر النيل في وقت قصير، وبالتالي نقص في الحصص المائية للقاهرة والخرطوم.

على الجانب الآخر ترى مصر أن مدة ملء الخزان المناسبة 7 سنوات حتى لا يؤثر على أي مخصصات مائية للقاهرة، وقد ظهر أول خلاف بين مصر وإثيوبيا أثناء مشاركة وزير الري في اجتماع لمناقشة اتفاقية «عنتيبي» منذ شهرين، لتخرج صحف أوغندية تكشف عن الخلاف بين القاهرة والخرطوم في هذا الشأن.

ضربة البداية
الرئيس السيسي كانت لديه ضربة البداية، فبدأ في جولة أفريقية استهدفت بعض الدول التي تعتمد عليها إثيوبيا في تمرير بعض الاتفاقيات المتعلقة بنهر النيل، وكما كانت زيارة «أوغندا» سببا في فزع الحكومة الإثيوبية، لم تمر زيارة «تنزانيا» مرور الكرام، إذ إن الدولتين حليفتان لإثيوبيا فيما يتعلق باتفاقيات حوض النيل.

ورقة أخرى لعب بها الرئيس السيسي كانت كافية لإثارة رعب «ديسالين»، تمثلت ذلك في زيارة الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو للقاهرة منذ ما يقرب من أسبوعين، والتي لقي فيها «فرماجو» ترحيبا كبيرا دفع بعض وسائل الإعلام الإثيوبية لتكرار مزاعمها بأن القاهرة تعتزم دعم الصومال عسكريا لتضغط على أديس أبابا في ظل العلاقات المتوترة بين الصومال وإثيوبيا.

زاد من هذا الاعتقاد تصريحات عبد الغني محمد سفير الصومال بالقاهرة، الذي أكد أن الزيارة تكتسب أهمية كبيرة، وحققت تقدما على جميع المستويات، ووصف الزيارة التي أثلجت قلوب الصوماليين بـ«الناجحة».

ويشير مراقبون للشأن المائي إلى أن تحركات الرئيس في الوقت الذي تم الإعلان فيه عن جولة جديدة لمفاوضات سد النهضة هي  نوع من الترتيب وامتلاك لبعض الأوراق التي يمكن فرضها على أديس أبابا، من خلال ضغط دول حوض النيل، خاصة أن القاهرة «استمالت» تلك الدولة بالحديث عن مشروعات تعاون بدأ بعضها بالفعل في أوغندا.

تحرك أثيوبي
ديسالين لجأ هو الآخر إلى نفس الأسلوب من خلال «الارتماء» في حضن السودان، كي تقف بجواره في الجولة المقبلة لمفاوضات سد النهضة، هذا من جهة، وفي «اللوبي المصري» الجديد من جهة أخرى، خاصة أن شهادة السودان -وهي دولة مصب- تؤثر كثيرًا في مفاوضات سد النهضة.

ولم يكن الأمر يحتاج للكثير من التكهن، إذ إن الرئيس السوداني عمر البشير كان أول تصريحاته بعد تلك الزيارة إن سد النهضة لا يمكن أن يسبب أي ضرر للقاهرة، ما دفع البعض إلى القول إن الزيارة جاءت بنتائجها، وضمن «ديسالين» حليفًا خلال الجولة المقبلة.
الجريدة الرسمية