رئيس التحرير
عصام كامل

مشايخ.. لا يقدرون!


على مواقع التواصل، ساند كثيرون موقف هيئة كبار العلماء في "الطلاق الشفوى". آخرون، كالعادة اعتبروها فرصة للتلاسن ضد الرئيس السيسي، قالوا إن موقف هيئة كبار العلماء، ضرورى في مواجهة مطلب أراد به الرئيس تغيير شرع الله.


غريبة المعركة الدائرة على مواقع التواصل، مثلما كان غريبا إصرار هيئة كبار العلماء على "وقوع الطلاق الشفهى".

تقييد الطلاق الشفهى ليس افتئاتا على شرع الله. حكم الطلاق وحجيته هو الشرع، لكن كيفية وقوعه وثبوته، وجوازه من عدمه.. هي مسألة فقهية بحتة.

لم يطلب الرئيس، إلغاء الطلاق أو توقيفه. لم يطلب عدم الاعتداد به حال وقوعه، وثبوته. ما طلبه الرئيس، من رجال الدين كانت حلولا لمواجهة كارثة اجتماعية، أدت بالكثير من الأسر إلى التفكك.. وبملايين النساء المصريات إلى صفوف المطلقات.

إذا كان ليس لدى رجال الدين حلولا شرعية معاصرة، لقضايا هي الأخرى معاصرة، فما الذي يمكن أن تنتظره منهم من تجديد ؟!

على مواقع التواصل، اعتبر بعضهم أن معنى "تجديد الخطاب الدينى"، هو تغيير أسلوب الدعاة وأئمة المساجد في الدعوة. لو كان المفهوم نفسه، هو معنى "التجديد" عند المشايخ والأزهريين أيضا.. فقل على أي محاولة للتجديد السلام.

التجديد المفترض هو التعامل مع الأصل، بمزيد من المرونة، لاستحداث أحكام شرعية جديدة تلبية لمتطلبات العصر.

الأصل في التشريع الإسلامي هو حفظ سلامة المجتمعات. التجديد المفترض هو الذي يعيد صياغة الأدلة الشرعية، وصولا لأحكام جديدة، اقتضتها ظروف المجتمعات الإسلامية الحديثة.

هذا ما فعله الصحابة، وفهموه في عصور الإسلام الأولى. عمر بن الخطاب، اوقف سهم المؤلفة، وعطل قطع يد السارق، مع أن القرأن كان شديد الوضوح في المسألتين. على بن أبى طالب (رضي الله عنه)، استحدث حدا للخمر، وقدره بـ 100 جلدة، رغم عدم ورود نص في القرآن الكريم بتقدير حدا لشارب الخمر.

فهم الصحابة أن النص ثابت ومقدس، لكن هذا لم ينف أن الصحابة رضوان الله عليهم فهموا أيضا أنه رغم ثبات النص، فإن له من المرونة، ما يسمح للمجتمع الإسلامي بالتعامل معه، واستخراج أحكام جديدة، حسبما يقتضى العصر وصولا للمصلحة.

الافتئات على شرع الله، هو إلغاء الطلاق. الاعتداء على شرعه سبحانه هو اعتبار رغبة الزوجين في الطلاق غير نافذة متى أرادا. لكن تقييد وقوع الطلاق الشفهى، أو الإفتاء بمنح الزوج مزيدا من الفرص، لإعادة التفكير، ومزيدا من الوقت لإعادة النظر في قراره.. ليس افتئاتا على الشرع.

هل عدم الاعتداد بطلاق السكران أو عدم وقوع طلاق الغضبان.. اعتداء على شرع الله؟!

يروى أن امرأة جاءت النبى (صلى الله عليه وسلم) معترفة بالزنا، كانت حاملا، وطلبت منه إقامة الحد عليها... فما كان منه (صلى الله عليه وسلم) إلا أن أمرها فعادت لبيتها، حتى تلد، فلما ولدت عادت إليه، فأعادها حتى ترضع وليدها، ولما عادت أعادها حتى تفطمه. ولما عادت أقام عليها الحد.

سأل الصحابة النبى (صلى الله عليه وسلم) كما في الرواية، لماذا لم يقم عليها الحد أول مرة رغم اعترافها، قال صلى الله عليه وسلم إنه اراد أن تفر بذنبها، فلا تعود.

لو لم يكن للإسلام ما به من رحابة، وما فيه من روح، لما استمر. كيف يقول المشايخ إنه دين ودنيا صالح لكل زمان ومكان، ثم إذا بنفس المشايخ يتوقفون عن إصدار حكم، اقتضته طبيعة العصر، ومصلحة المسلمين؟! 

تغير المجتمعات، وتنوع متطلباتها هي سُنة الله في خلقه، لو أراد رجال الدين التجديد، المفترض فيهم الاستعداد الدائم لإعادة النظر في النص، لاعادة إصدار ما يتطلبه المجتمع الحديث من أحكام.

لم يرد نص قرأني في الطلاق الشفهى. لم يرد نص صريح فيه. تكلمت الآيات القرآنية على "الطلاق "كمبدأ دينى جائز، لكن كيفية وقوعه وحدود الاعتداد به، كما وقع مسألة تظل في يد الفقه.
لو أراد بعض مشايخنا التجديد لجددوا. لكن المسألة ليست في رغبتهم.. إنما في مدى قدرتهم عليه.
يبدو أنهم لا يقدرون.
Wtoughan@hotmail.com
Twitter:@wtoughan
الجريدة الرسمية