رئيس التحرير
عصام كامل

طلاق الشجعان

تشهد ساحات محكمة الأسرة، سجالا متصاعدا بقضايا «الطلاق والخلع والنفقة» وما إلى ذلك من عناوين لسجالات دائرة بين أطراف النزاع التي يريد كل طرف فيها تصفية الطرف الآخر ماديًّا ومعنويًّا، ويدفع الأبناء كالعادة ثمن خطأ لا ذنب لهم فيه، ووفقا لأحد العلماء فإن «الطلاق يكون دعمًا للاحتياطي الاستراتيجي للشيطان»، وذلك في إشارة إلى تشريد الأبناء المرتبط بانفصال الزوجين.


إنَّ الأزمة في كوارث تلك القضايا، هي تحويلها من خلاف وضع له الدين إطارًا محترمًا لإدارته بحكمة وعقلانيَّة، إلى معارك قانونية يواصل كل طرف فيها الضغط على الآخر بسياسة «عض الأصابع»، ويتناسى الطرفان أن بينهما الأبناء ويرتكبان الجرائم الممنهجة بحقهم من دون رحمة ولا هوادة؛ فيعيش الطفل بعد طلاق والديه أشد المًا من اليتيم، وتبدأ الإجراءات العقابية لدى الطرف الذي بحوزته الأطفال لقطع صلة الرحم ومنع الطرف الآخر من مجرد رؤية أبنائه.

حقوق الأبناء
وحال عدم نشر ثقافة الحقوق والتسامح والتعقل بشأن قضايا الطلاق ستظل تداعاياتها السلبية قائمة كما هي ولن تحرك الكتابات والنداءات ساكنًا، إن المطلوب الآن هو ترسيخ ثقافة «طلاق الشجعان»؛ لأن الطلاق ببساطة شديدة أن زوجين قد استحالت العشرة بينهما، وليس بالضرورة أن يتحول إلى معركة «تصفية حسابات»، بل الأهم أن يتم باتفاق قائم على إرضاء الطرفين، ليس طبعًا لسواد عيون المطلقين، ولكن لإعلاء قيمة إنسانية كبيرة اسمها صلة الرحم وحفاظا على حقوق الأبناء من الضياع وألم الإنكسار النفسي المرير.

ألا يدرك أولئك من يفكرون في قرار الطلاق بالصور التي تعج بها أروقة محاكم الأسرة في مستقبل أبنائهم والأثر النفسي المترتب على همجية تصرفاتهم؟ ألا يدركون معنى أن يتصاعد الخلاف فيمر العيد تلو العيد وقد عاش الطفل محرومًا من رؤية أبيه أو والدته؟ ألا يدرك أولئك من يشوهون صورة أحد الوالدين لدى الأبناء بعد الانفصال التداعيات المترتبة على ذلك مستقبلا؟

خروج بالمعروف
إن ثقافة «طلاق الشجعان»، تقوم على اتفاق رضائي بين طرفي العلاقة الزوجية بعد استحالة العشرة بينهما بأن يكون «الخروج بالمعروف»، وبالأسلوب الحضاري الذي أرسته قيم الدين الحنيف، فالذي خلق فسوى وقدر فهدى قال في كتابه الكريم «لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا»، وقد ذهب المفسرون  - بتفسير الطبري – إلى أن المقصود بالآية الكريمة؛ أي «لعلّ الرجل يراجعها في عدتها».

وأمام جمال النص القرآني المحكم البديع يصول المفسرون ويجولون ففي سورة الطلاق يقول تعالي:{ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا «2» وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا «3»}.

إن مطالعة متأنية لمعاني سورة الطلاق في تفسير الطبري؛ تعطي المزيد من المعاني للقارئ الكريم، وعلينا إذن أن نتقي الله أن أردنا مخرجًا، ليس بشأن الطلاق فحسب بل بشأن الحياة كلها. والله من وراء القصد.
الجريدة الرسمية