رئيس التحرير
عصام كامل

تايوان في قلب الصراع الدولي

قراءة في صفقة السلاح الأمريكية وتداعياتها

18 حجم الخط

لم تعد قضية تايوان مجرد ملف إقليمي عالق في شرق آسيا، بل تحولت إلى أحد أبرز مفاتيح الصراع حول شكل النظام الدولي في مرحلته الراهنة، فمع تسارع إعادة توزيع القوة عالميًا، باتت الجزيرة نقطة التقاء بين ثوابت السيادة الصينية التي تؤكد أن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين، ومحاولات أمريكية لإعادة ضبط معادلات النفوذ والردع على المستوى الدولي.


وفي هذا السياق التصادمي، كشفت واشنطن خلال ديسمبر عن إقرار صفقة تسليح جديدة لتايوان بلغت قيمتها 11.1 مليار دولار، لتكون الصفقة الثانية من نوعها منذ انطلاق الولاية الثانية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب عقب عودته إلى البيت الأبيض، وذلك بعد صفقة سبقتها في نوفمبر بقيمة 330 مليون دولار، في مؤشر واضح على تصاعد وتيرة الانخراط العسكري الأمريكي في هذا الملف الحساس.


تعد هذه الصفقة، بما تحمله من أنظمة صواريخ متقدمة وصواريخ مضادة للدبابات ومدافع هاوتزر وطائرات مسيرة وغيرها من المعدات، ليست مجرد بيع عسكري تقليدي، بل تُظهر رغبة واشنطن في العمل علي إعادة تشكيل ميزان القوة في مضيق تايوان وفي المنطقة الأوسع من آسيا–المحيط الهادئ. كما أنها تعد رسالة دعم مستمر لتايوان، في وقت تصف فيه بكين كل تعاون عسكري خارجي مع تايوان بأنه تدخل في شؤونها الداخلية وتهديد مباشر للاستقرار الإقليمي.


ترى واشنطن في ظل إدارتها الراهنة، أن دعم تايوان يعد جزءًا من جهودها لمحاولة احتواء الصعود الصيني، وهو توجه يتسق مع السياسات الاستراتيجية الامريكية التي تشدد على الاعتماد على الحلفاء في آسيا لمواجهة نفوذ بكين، وتجاهل كافة الاتفاقيات الدولية.


فمن الناحية التاريخية والقانونية، تمثل عودة تايوان إلى الصين مكونًا أساسيًا من نتائج الحرب العالمية الثانية، وجزءًا لا يتجزأ من ترتيبات النظام الدولي الذي تشكل بعد عام 1945. وقد حظي مبدأ الصين الواحدة باعتراف دولي واسع، وأصبح قاعدة مستقرة في العلاقات الدولية، وأحد مرتكزات الشرعية الأممية.


وعليه، فإن أي محاولة لتقويض هذا المبدأ لا تمس فقط السيادة الصينية، بل تضرب في صميم قواعد النظام الدولي ذاته، وتفتح الباب أمام سوابق خطيرة في التعامل مع قضايا السيادة ووحدة الدول.


ومن منظور تحليلي، يمكن النظر إلى هذه الصفقة على أنها ارتفاع في مستوى العتاد الأمريكي المقدم إلى تايوان، ليس فقط للحفاظ على التوازن الدفاعي كما تروج واشنطن، بل لتعديل المعادلة الراهنة، وتعزيز قدرة الجزيرة على المقاومة بعيدًا عن وضع المناورات التقليدية للدفاع. هذا التحول في النهج يعكس فهم واشنطن بأن القوة العسكرية والمنظومات المتقدمة تمثل أداة لردع الصين وليس فقط للدفاع، ما يرفع من احتمالات التوترات في مضيق تايوان.


وبالتزامن مع الإعلان عن الصفقة الامريكية التايوانية، كثّفت الصين من الضغوط العسكرية والدبلوماسية حول الجزيرة، عبر مناورات مكثفة ووجود بحري وجوي قرب المياه الإقليمية التايوانية. هذه الاستراتيجية لا تأتي من فراغ، بل تتقاطع مع رؤية صينية ترى أن أي تصعيد خارجي في دعم تايوان -خصوصًا على الصعيد العسكري- يشكك في ثوابت السياسة الصينية حول الصين الواحدة ويعتبر استفزازًا للمصالح الأمنية الوطنية لبكين.


وتواصل بكين ترسيخ موقفها الداعم لوحدة الأراضي الصينية ورفض التدخلات الخارجية، في وقت أكد فيه وزير الخارجية الصيني في عدة مناسبات أن قضية تايوان تمثل عنصرًا جوهريًا في السيادة الوطنية، وأن الصين ستتخذ ما يلزم لحماية مصالحها.


على الصعيد الدولي، لم تخلُ الساحة من تصدعات محتملة للاتجاه الأمريكي. في أواخر ديسمبر 2025 أعلن وزير الخارجية الروسي أن روسيا تعتبر تايوان جزءًا لا يتجزأ من الصين وتعارض أي شكل من أشكال استقلالها، ووصف القضية بأنها شأن داخلي صيني بالكامل. كما أكد أن موسكو ستدعم الصين في حفظ وحدة أراضيها وسيادتها إذا ما تصاعد الوضع في مضيق تايوان. 


في هذا السياق، لم تقتصر الاستجابة الصينية على الدبلوماسية وحدها، بل شملت تعزيزات استراتيجية ميدانية عبر تدريبات ومناورات حول مضيق تايوان وفي محيطها، تهدف إلى إرسال رسائل ردع للقوى الخارجية وأيضًا لإعادة تدوير قواتها لتكون في حالة تأهب قصوى. هذه التدريبات التي تتوسع في نطاقها تُظهر قدرة الصين على استخدام قوتها العسكرية كأداة ضغط وتحكم في توازنات القوة في المنطقة، وليس فقط كوسيلة دفاعية.


الموقف العربي ومصر: ثابت في احترام السيادة وتوازن العلاقات

على الصعيد العربي، تمثل وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية لعام 2016 نقطة انطلاق مهمة لفهم العلاقات بين الجانبين. فقد أكدت الوثيقة -التي تعكس رؤية استراتيجية طويلة الأمد- التزام الصين بتعميق العلاقات مع الدول العربية على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. كما أشادت ببعض المواقف العربية التي تدعم مبدأ الصين الواحدة ورفض التطبيع الرسمي مع تايوان.


بالنسبة لمصر، فإن ثبات موقفها تجاه القضية التايوانية يتسق مع مبادئ السياسة الخارجية المصرية القائمة على احترام السيادة وعدم التدخل، وهو ما يعزز الثقة بين القاهرة وبكين في ملفات استراتيجية، ويجنب المنطقة المزيد من الانقسامات وسط منافسة القوى الكبرى.


وقد أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي، في أكثر من مناسبة، التزام مصر الثابت بمبدأ الصين الواحدة، وهو ما أعاد التأكيد عليه وزير الخارجية الدكتور بدر عبد العاطي، خلال اتصالاته الأخيرة مع نظيره الصيني وانغ يي، مشددًا على رفض مصر القاطع لأي تدخل خارجي في الشئون الداخلية الصينية.


ومن المتوقع في عام 2026 أن تبقى قضية تايوان في صدارة التوترات الدولية، مع استمرار التنافس الأمريكي–الصيني على نفوذ إقليمي وعالمي. وفي ضوء التطورات الراهنة، يمكن توقع:
• استمرار الدعم العسكري الأمريكي لتايوان، وفتح مناقشات جديدة حول توسيع الصفقات أو تعزيز التعاون الاستخباراتي والتدريبي.


• استخدام واشنطن لتايوان كورقة تفاوض مع بكين في الشئون التجارية والاقتصادية والتكنولوجية بل والعسكرية أيضًا.
• تكثيف الصين لمناوراتها العسكرية والقوة البحرية حول المضيق، ما قد يؤدي إلى مواجهات دبلوماسية أو احتكاكات غير متوقعة.


• زيادة التنسيق الروسي– الصيني في القضايا الدولية، بما في ذلك دعم الموقف الصيني حول الوحدة الإقليمية.
• بروز مواقف عربية أكثر وضوحًا في التوازن بين القوى الكبرى، مع اعتماد على مبادئ الاحترام المتبادل والمنفعة المتبادلة كما نصّت وثيقة السياسة الصينية العربية.


• في المحصلة، تمثل قضية تايوان اختبارًا حقيقيًا لمصداقية النظام الدولي، ولمدى احترام القوى الكبرى لمبادئ السيادة وعدم التدخل. وبينما تدفع بعض الأطراف نحو التصعيد وإعادة إنتاج منطق الحرب الباردة، تظل مواقف دول مثل مصر –القائمة على الاتزان والشرعية الدولية– عنصرًا أساسيًا في كبح الانزلاق نحو صراعات مفتوحة.


• إن الحفاظ على السلم في مضيق تايوان لا يتحقق عبر عسكرة الأزمات، بل من خلال احترام مبدأ الصين الواحدة، والالتزام بالحوار، وتغليب منطق التعاون على حسابات الاحتواء والصدام.
 

خلاصة القول:

فانه لا يمكن فصل صفقة السلاح الأمريكية الأكبر في تاريخ العلاقة مع تايوان عن التنافس الاستراتيجي الأمريكي– الصيني، كما لا يمكن تجاهل الدور الذي تلعبه القوى الإقليمية والمحورية مثل روسيا، ولا أهمية الثوابت الدبلوماسية التي تميز الموقف العربي والمصري.

إن عام 2026 قد يشهد مزيدًا من التعقيدات في هذه المعادلة، لكن من المؤكد أن التوترات حول تايوان ستظل اختبارًا حقيقيًا لقدرة النظام الدولي على إدارة الصراعات واحتواءها بعيدًا عن الولوج الي صدامات مفتوحة.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية