في ذكرى بلقيس، حين يصبح العزاء صرخة أمة مجروحة، تفاصيل رسالة يوسف إدريس إلى نزار قباني
في مثل هذا اليوم، السادس عشر من ديسمبر عام 1981، كتب الأديب الدكتور يوسف إدريس رسالة مواساة أدبية من صديق يشعر بوجع الصديق إلى الشاعر السوري نزار قباني، بعد استشهاد زوجته بلقيس إثر انفجار مبنى السفارة العراقية ببيروت، نتيجة سيارة مفخخة استهدفت مبنى السفارة في الخامس عشر من ديسمبر 1981، وكان نتيجته ضحايا كثيرين، منهم بلقيس زوجته.
فكتب نزار يقول: «بلقيس يا وجعي، ويا وجع القصيدة حين تلمسها الأنامل، هل يا ترى من بعد شعرك سوف ترتفع السنابل؟ فحبيبتي قُتلت، وصار بوسعكم أن تشربوا كأسًا على قبر الشهيدة».
رد يوسف إدريس في رسالة المواساة التي ضمها كتابه "أهمية أن نتثقف" يقول: عفوًا يا نزار، فأنا لا أريد بكتابتي أن أؤلمك أو أوجعك، ولكن ماذا أفعل حين تصبح المواساة نفسها مؤلمة، ماذا يفعل الصديق إذا ألمَّت بصديقه فاجعة ما كان يتوقعها له أشد أعدائه خسة وخبثًا، أنا حائر غاضب موجوع، وأنا أرى جلستك أمام السفارة العراقية المدمرة التي سوتها الخسة بالأرض تنتظر معجزة أن تعيد إليك الحبيبة التي سحقها الأشرار، جلستك العاجزة الغاضبة، وأنت الحر مقيد مرغم عاجز حتى أن تفتح فمك.
غطى الطين طاقات الأنوف
وأضاف يوسف إدريس: أنا لا أعرف أيهما أشد وطأة حزني على بلقيسك أم حزني عليك أم حزني على حياتك كلها التي اشتبكت مع مأساتنا العربية حتى صرنا جميعًا نغوص في طينها، ونغوص حتى غطى الطين طاقات الأنوف ولم نعد نستطيع.

يقول يوسف إدريس: لقد رأيتها ــ بلقيس ــ في شعرك كثيرًا ولكنك قط لم تصل إلى تصوير عشر معشار ما كنت أحس أنا وغيري وكأنك تتحدث عن بلقيس أخرى، تتعمد أن تخفى نورها ودورها عن أعين الناس دائمًا حسادة، وإلا ففسر لي بربك، بأي قانون علمي تعتنقه أن يحدث لك هذا، حاول يا نزار أن تفسر لي فأنا قابل حتى الكذب الواضح أقبله ان تموت منك بلقيس هكذا، ميتة كالحالة التي لا تحدث إلا مرة فى كل مليون مرة.
دك السفارة العراقية بالمدافع
وتابع يوسف إدريس في مقاله: أن تكون بلقيس موظفة في سفارة من المفروض أن تكون مؤمنة، وأن تدك السفارة دكًا بالقنابل والمدافع في وضح النهار لا ديناميت مخبأ ولا طائرة ألقت بالمتفجرات واختفت قبل أن تلمحها أو تدركها عين.

إن هذا ليس موتًا حتى لو كان الميت حبيبًا ونادرًا ندرة بلقيس، ليس موتًا حتى يجد الإنسان لنفسه سلوكًا تجاهه يعزي أو يوازي أو يزرف الدمع عجزًا، أبدًا ليس موتًا وإن تكن ضحيته بلقيس بالذات ملهمتك أنت الشاعر المرهف الذي تبكيه فعلًا ليجسد القبح بأشد ما يكون الغدر خساسة والفجيعة بأبشع ما تكون الفواجع عهرًا.. ليس موتا إنما هو إشارة إلهية ضحيتها صحيح بلقيسك.

إنها علامة قادرة من عند الله سبحانه لقد أراد ان يرينا ما وصلنا إليه، وكيف أصبحنا وكم أصبحت وحشيتنا -كما ذكرت في قصيدتك- وحشية ترتعد لها وحشية الوحوش ويصيبها الذعر فتتوب عن وحشيتها وترتعد وتهرب.

واستطرد يوسف إدريس قائلُا: لقد أوقعتني بقصيدتك عن بلقيس يا نزار في حيرة كبرى، فهي قصيدة لا يمكن أن يكتبها سواك ولا يمكن لك أن تكتبها إلا إذا اختطفت منك بلقيسك وعلى تلك الصورة المخيفة، فلقد أفزعتني وأنت تصور لنا حقيقة ما أدت إليه خلافاتنا، فكم من فواجع دارت وتدور لنا، عبرت بفجيعتك عن أغلبية مفجوعة صامتة لا تجد من يعبرون عنها.
اللهم اجعل ما نراه وما نحياه كابوسًا حتمًا سنفيق منه، إن لك أن تزأر يا نزار مجروحًا على مدى 250 بيتًا من حزن فولاذي إذا به لهيب الغضب وتدلقه على أمة تحجر قلبها في التكرار المتعمد للفجيعة والفواجع حتى أصبحت لا تستنكر ما حدث للسفارة العراقية ولبلقيسك وكل بلقيس بريء.. أن لا تتحرك أمة يحدث لها كل يوم ما يحدث لدليل على أنها ماتت فعلًا، أفلح الأعداء حتى أصبح وجودها زي عدمه.
جرحك يا نزار جرحنا
واختتم الدكتور يوسف إدريس رسالة المواساة قائلًا: الزئير بكاء القادر مثلما الدموع وسيلة العاجز، جرحك يا نزار جرحنا، وما دام الموت قد أصبح قدرنا الذي لا نهرب منه فلنمت ونحن نزأر، إذ ما أخيب أن نموت ونحن نعوي.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا
