رئيس التحرير
عصام كامل

الأسئلة الممنوعة حول الاستثمارات الخليجية.. تدفقات دولارية كبيرة تعكس الثقة في تعافي الاقتصاد المصري، أم طفرة مؤقتة؟

الاستثمارات الخليجية
الاستثمارات الخليجية في مصر، فيتو
18 حجم الخط

في لحظة فارقة من عمر الاقتصاد المصري، وبين ضغوط تمويلية متراكمة وتحديات إصلاحية لا تحتمل التأجيل، عادت الاستثمارات الخليجية لتتصدر المشهد بوصفها «اللاعب الأثقل وزنًا» في معادلة الإنقاذ الاقتصادي، مليارات الدولارات تدفقت إلى السوق المصرية ليس فقط بحثًا عن عائد سريع، بل في إطار رهانات استراتيجية ترى في مصر بوابة إقليمية كبرى، وسوقًا لا يمكن تجاوزها في خريطة التوسع الخليجي، لكن خلف هذه التدفقات الضخمة، تبرز أسئلة أكثر عمقًا، هل نحن أمام موجة استثمارية مستدامة أم مؤقتة؟

حيث سجلت الاستثمارات الخليجية في مصر قفزة نوعية هي الأكبر منذ تحرير سعر الصرف في 2016، مدفوعة بصفقات ضخمة أعادت رسم خريطة الاستثمار الأجنبي المباشر، حيث إن التدفقات الأخيرة تجاوزت في حجمها ما تحقق خلال عدة سنوات، لتؤكد أن رأس المال الخليجي عاد بقوة، وبرؤية أكثر انتقائية، منها الإمارات التي تصدرت المشهد عبر صفقات سيادية كبرى، بينما عززت السعودية حضورها في قطاعات متعددة، في حين دخلت قطر والكويت على خط الاستثمارات طويلة الأجل، خصوصًا في التطوير العمراني والخدمات.

الاستثمارات الخليجية في مصر تاريخية، ورأس الحكمة أعطت دفعة غير مسبوقة

وفي ذات السياق، يؤكد الدكتور وليد جاب الله، خبير الاقتصاد، أن الاستثمارات الخليجية ليست طارئة على الاقتصاد المصري، بل تمتد بجذور تاريخية عميقة وتشمل معظم القطاعات الاقتصادية، موضحًا أن وتيرة دخول هذه الاستثمارات إلى السوق المصرية بدأت تتخذ شكلًا أكثر كثافة وانتظامًا مع انطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادي في 2016، حيث شهدت مصر منذ ذلك الحين تحسنًا ملحوظًا في مناخ الاستثمار وقدرتها على جذب رؤوس الأموال الأجنبية.

41.5 مليار دولار حجم الاستثمارات الخليجية خلال العام المالي 2023/ 2024

وأوضح جاب الله أن حجم الاستثمارات الخليجية وصل خلال العام المالي 2023–2024 إلى نحو 41.5 مليار دولار، مع استمرار الاتجاه التصاعدي لهذه التدفقات، لافتًا إلى أن الدفعة الأكبر جاءت من خلال صفقة رأس الحكمة التي مثلت نقطة تحول مهمة، إذ ضخت وحدها نحو 35 مليار دولار سيولة مباشرة في الاقتصاد المصري، بخلاف إجمالي الاستثمارات التي سيجري ضخها لاحقًا في المشروع على مدار سنوات التنفيذ.

وأكد جاب الله أن مصر شهدت مؤخرًا أيضًا صفقة علم الروم مع الجانب القطري، والتي تقترب قيمة الاستثمارات القطرية فيها 30 مليار دولار، مؤكدًا أنها تتمتع بحضور واسع في مختلف القطاعات الاقتصادية المصرية، إلى جانب استثمارات كويتية فاعلة، ما يعكس تنوع مصادر الاستثمار الخليجي واتساع رقعته داخل السوق المحلية.

قطاع العقارات يستحوذ على نصيب الأسد من الاستثمارات الخليجية

وينوه جاب الله إلى أن الاستثمارات الخليجية تنتشر في قطاعات متعددة، أبرزها العقارات، والخدمات المالية، والصناعة، والسياحة، فضلًا عن قطاعات أخرى حيوية، مشددًا على أن لهذه الاستثمارات دورًا بالغ الأهمية في خلق فرص العمل، وتحفيز معدلات النمو الاقتصادي، ودعم الاحتياطي النقدي الأجنبي، خاصة في ظل وجود ودائع خارجية بأحجام متفاوتة داخل الاحتياطي المصري، وهو ما ساعد على تعزيز الاستقرار المالي في فترات ضاغطة.

2026.. عام الفرص من خلال صناديق الاستثمار الخليجية

ويرى الدكتور وليد جاب الله أن صناديق الاستثمار الخليجية تلعب دورًا محوريًا في 2026 في دعم الاقتصاد المصري، مستندًا في ذلك إلى قوة العلاقات السياسية والاقتصادية بين مصر والدول العربية، موضحًا أن الاستثمارات العربية ساهمت بشكل كبير في تمكين مصر من مواجهة التقلبات الاقتصادية العالمية، في وقت شهد فيه العالم تراجعًا ملحوظًا في حجم الاستثمار الأجنبي المباشر نتيجة الأزمات والاضطرابات الدولية، بينما استمرت الاستثمارات العربية في التدفق إلى السوق المصرية وحققت أثرًا إيجابيًا واضحًا.

ويؤكد جاب الله أن المرحلة المقبلة ستشهد دورًا متناميًا للاستثمارات العربية، لا سيما مع تفعيل برنامج الطروحات الحكومية، موضحًا أن البرنامج مفتوح أمام جميع المستثمرين، إلا أن الصناديق والكيانات الاستثمارية العربية مرشحة للحصول على حصة مؤثرة فيه، في ضوء طبيعة العلاقات الاستراتيجية التي تربط مصر بكل من الإمارات والسعودية وقطر والكويت، وهو ما يعزز فرص نجاح البرنامج وتحقيق أهدافه.

مواصلة إجراءات الإصلاح الهيكلي

وأكد أن القطاعات الاقتصادية المصرية باتت أكثر جاذبية للاستثمار بعد ضخ الدولة مليارات الجنيهات في تطوير البنية التحتية وتحسين بيئة الأعمال، مشيرًا إلى أن القطاع الصناعي أصبح من أكثر القطاعات الواعدة، إلى جانب القطاع السياحي، وقطاعات الاتصالات والتكنولوجيا، فضلًا عن قطاعات المستقبل المرتبطة بالطاقة الجديدة والمتجددة ومشروعات الهيدروجين الأخضر، التي تمثل فرصًا استثمارية استراتيجية خلال السنوات المقبلة، مشيرًا إلى أن استمرار تدفق الاستثمارات الخارجية، بما فيها الخليجية، يظل مرتبطًا بمواصلة مصر لإجراءات الإصلاح الهيكلي، وفي مقدمتها تمكين القطاع الخاص، والحفاظ على التوافق مع المؤسسات الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، معتبرًا أن هذه العوامل تمثل ضمانة أساسية لاستدامة الثقة الاستثمارية.

القطاع الخاص ودور أكثر فاعلية في جذب الاستثمارات الخارجية

ويختتم جاب الله حديثه بالتأكيد على أن الفترة المقبلة قد تشهد تواجدًا أكبر للاستثمارات العربية، بشرط أن يلعب القطاع الخاص المصري دورًا أكثر فاعلية في جذب هذه الاستثمارات، إلى جانب أهمية أن تقوم الهيئة العامة للاستثمار بدور حلقة الوصل بين المستثمرين الحاليين والمستثمرين الخليجيين الجدد، بما يسهم في تعظيم العائد الاقتصادي وتحقيق شراكات طويلة الأجل تخدم التنمية المستدامة.

الاستثمارات الخليجية ليست مجرد أرقام ولكن صفقات ذات صدى واسع

ومن جانبها، قالت الدكتورة درية ماضي، خبير الاقتصاد: إن عودة الاستثمار الخليجي لم تكن مجرد أرقام في بيانات رسمية، بل تجسدت في صفقات ضخمة أحدثت صدى واسعًا في الداخل والخارج. من رأس الحكمة إلى مشروعات الساحل الشمالي، ومن الشراكات السياحية إلى الاستحواذات الصناعية، بات واضحًا أن دول الخليج لا تضخ أموالًا فقط، بل تعيد ترتيب أولوياتها داخل السوق المصرية، حيث إن هذه الصفقات منحت الاقتصاد المصري دفعة نقدية قوية، ووفرت سيولة دولارية مباشرة، لكنها في الوقت نفسه رفعت سقف التوقعات بشأن ما يمكن أن تحققه مصر إذا أحسنت إدارة هذه الشراكات خلال السنوات القادمة.

لماذا يتمسك الخليج بمصر؟ الاستثمار هنا ليس صدفة

وأكدت ماضي أن الاستثمارات الخليجية في مصر لم تأتِ بدافع المجاملة أو الدعم الظرفي، بل انطلقت من حسابات استراتيجية دقيقة، فمصر تمثل سوقًا ضخمة تتجاوز 100 مليون مستهلك، وبوابة إنتاج وتصدير إلى إفريقيا وأوروبا، فضلًا عن امتلاكها بنية تحتية ضخمة جرى إنفاق مئات المليارات عليها خلال السنوات الماضية. بالنسبة للمستثمر الخليجي، فإن ضخ الأموال في مصر يعني الدخول إلى اقتصاد قادر على النمو السريع إذا استقرت قواعد اللعبة، وهو ما يجعل هذه الاستثمارات ركيزة أساسية في دعم الاحتياطي النقدي وتمويل برامج الإصلاح دون تحميل الموازنة أعباء ديون جديدة.

بالإضافة إلى تزامن موجة الاستثمارات الخليجية مع سعي الدولة المصرية لزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر وتنفيذ برنامج الطروحات الحكومية، وهو ما منح السوق رسالة ثقة مزدوجة، منها دخول مستثمرين خليجيين بثقلهم أعاد شهية المستثمرين الأجانب والمحليين، وخلق حالة من الاطمئنان النسبي تجاه قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها الإصلاحية، كما لعبت هذه الاستثمارات دورًا محوريًا في تحريك قطاعات متجمدة وخلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، خاصة في السياحة والعقارات والخدمات.

2026 على الأبواب، هل تتسع الموجة أم تتباطأ؟

وتابعت ماضي قائلة: مع اقتراب 2026، تتجه الأنظار إلى المرحلة التالية من الاستثمار الخليجي في مصر، حيث إن التوقعات تشير إلى توسع محتمل في قطاعات جديدة أكثر إنتاجية، مثل الهيدروجين الأخضر، والطاقة المتجددة، وتحلية المياه، والصناعات الثقيلة، والتكنولوجيا المالية، إلى جانب استمرار الاهتمام بالسياحة الفاخرة والعقارات، غير أن السؤال الأهم لا يتعلق بحجم الأموال، بل بطبيعتها: هل يفضل المستثمر الخليجي الاستحواذ الكامل أم الشراكات التشغيلية طويلة الأجل؟

سعر الصرف وصندوق النقد.. مفاتيح القرار الاستثماري

وأشارت دريه ماضي إلى أنه يبقى ملف سعر الصرف أحد أكثر العوامل حساسية في حسابات المستثمر الخليجي، إذ تؤثر تقلباته مباشرة على العائد الحقيقي، كما تلعب مراجعات صندوق النقد الدولي وبرامج الإصلاح المرتبطة بها دورًا حاسمًا في تحديد سرعة التدفقات. الالتزام بالإصلاحات وتنفيذ الطروحات يمنح سيناريو التوسع الكبير فرصة قوية، بينما أي تباطؤ أو رسائل متضاربة قد يدفع المستثمرين إلى التريث وإعادة تقييم المخاطر.

تحديات مزمنة، ما الذي يعوق المال الخليجي؟

ونوهت ماضي إلى أنه رغم الزخم الكبير، لا تزال الاستثمارات الخليجية تصطدم بتحديات هيكلية، في مقدمتها تعقيد الإجراءات وبيروقراطية التراخيص وتعدد الجهات، كما تمثل صعوبة الخروج من بعض القطاعات وعدم وضوح آليات التخارج مصدر قلق دائم للمستثمرين. إلى جانب ذلك، تبرز الحاجة إلى بيئة تشريعية أكثر استقرارًا ووضوحًا تضمن حماية الاستثمار وتقلل من المخاطر القانونية.

فرصة تاريخية، أم اختبار صعب

وتختتم ماضي حديثها، قائلة: في المحصلة، تقف مصر اليوم أمام فرصة تاريخية لتحويل الاستثمارات الخليجية من طوق نجاة مؤقت إلى قاطرة نمو حقيقية. إن الأموال موجودة، والرغبة الخليجية واضحة، لكن الرهان الحقيقي يظل على قدرة الدولة في إصلاح بيئة الاستثمار، وتوجيه التدفقات نحو قطاعات إنتاجية مستدامة، حيث إن عام 2026 لن يكون مجرد عام جديد في التقويم الاقتصادي، بل اختبارًا حاسمًا؛ إما أن تنجح الدولة في تثبيت نفسها كشريك استثماري طويل الأجل للخليج، أو تظل رهينة موجات متقطعة من رأس المال تبحث دائمًا عن مخارج سريعة.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية