إجرام بالقانون.. السجن على ورقة إيصال أمانة.. ثغرات إجرائية وقانونية تلقي بآلاف الأبرياء خلف القضبان.. وهذه أبرز الوصايا للضحية
فى دهاليز المحاكم وبين أوراقها وملفاتها، تحول إيصال الأمانة، من مستند قانوني لإثبات الحقوق، إلى أداة فى أيدي البعض، يستخدمونها فى تلفيق القضايا، ويستصدرون بموجبها أحكاما قضائية غيابية ضد الأبرياء، مستغلين ثغرات إجرائية وتشريعية عديدة، ثم يستخدمون تلك الأحكام فى ابتزاز الضحايا والاستيلاء على أموالهم.. وأصبح مئات الآلاف من المواطنين مطالبين بالاختيار ما بين الدفع أو الحبس، ثم يجدون أنفسهم فى دوامة لا يستطيعون منها فكاكا، لتتحول حياتهم إلى جحيم، بسبب شبح الحبس الذى يطاردهم فى كل خطوة يخطونها.
"فيتو" فى عددها السابق بدأت حملة صحفية تحت عنوان "إجرام بالقانون"، وفى الحلقة الأولى منها رصدت بالمستندات، مأساة بعض المواطنين من أهالي محافظة الدقهلية، مع الأحكام الغيابية الصادرة ضدهم بموجب إيصالات أمانة مزورة، وكيف تحولت حياتهم هم وأبنائهم وأقاربهم وحتى معارفهم إلى كابوس مرعب.. وفى الحلقة الثانية تواصل الجريدة حملتها على مافيا إيصالات الأمانة المزورة، وترصد فيها التغرات القانونية والإجرائية التي تعتمد عليها فى الحصول على أحكام غيابية بالحبس ضد الضحايا.
قبل الحديث عن الثغرات القانونية فى إقامة دعوى خيانة الأمانة، نبدأ بتعريف إيصال الأمانة، الذى يعرفه القانون المصري بأنه، مستند عرفي يمثل عقدا من عقود الأمانة، يتعهد فيه شخص باستلام مبلغ معين من شخص آخر على سبيل الأمانة على أن يرده كاملا عند طلبه، ويعد تعهدا قانونيا ملزما لمستلم الأموال، ويوقعه تحت طائلة القانون فى حالة امتناعه عن رد المبلغ، وتقام ضده جنحة تبديد الأمانة.
وحدد القانون مواصفات أو أركان خاصة يجب الالتزام بها عند كتابة إيصال الأمانة تتمثل فى: وجود مودع وهو الشخص صاحب الأموال، ومودع لديه، وهو الشخص الذى استلم الأموال ووقع على الإيصال.. ويجب أن يحتوى الإيصال على بيانات كل من المودع والمودع لديه كاملة، مثل الاسم الرباعي والعنوان والرقم القومي، كذلك لا بد من وضوح التوقيع بالاسم، وبصمة إصبع الإبهام، مع إثبات تاريخ تحرير الإيصال.. وقد يكتفى إيصال الأمانة بوجود طرفين فقط، وقد يكون ثلاثي الأطراف، بحيث ينص على أن المودع سلم أموالا محددة القيمة، إلى المودع إليه، بغرض توصيلها لطرف ثالث.
ووفقا لـ القانون المصري، يصبح الشخص مبددا لـ إيصال الأمانة، مستحقا للعقاب الذى يحدده القانون، إذا توافرت عدة شروط فى دعوى تبديد إيصال الأمانة، أبرزها أن يكون المتهم تسلم الأموال بالفعل، ويقع عبء إثبات ذلك على المودع، وأن يكون قد تصرف فيها لأغراض خاصة، أو بأية طريقة تضر بمصلحة صاحبها الأصلي، وفى حالة الإيصال الثلاثي، لا تصل الأموال إلى الشخص المراد توصيل الأموال إليه.. وبالنسبة للعقوبة المقررة قانونيا للمتهم بتبديد إيصال الأمانة، فقد نصت عليها المادة 341 من قانون العقوبات المصري والتي أشارت إلى أن عقوبة تبديد إيصال الأمانة هى الحبس لمدة تصل إلى 3 سنوات، ويمكن أن تضاف غرامة 100 جنيه فى بعض الحالات، مع إمكانية إقامة دعوى تعويض مدنية.
آلاف القضايا
من جانبهم، أجمع محامون وقانونيون على أن مختلف المحاكم المصرية تعج بمئات الآلاف من قضايا تبديد إيصالات الأمانة، ومن بينها نسبة ليست بالقليلة مقامة بلا أساس قانوني ثابت، والهدف منها هو ابتزاز أشخاص بأعينهم أو الانتقام او لأسباب أخرى.. هذه الدعوى تقام بالتحايل على القانون واستغلال الثغرات إجرائية فى طرق إقامة الدعوى نفسها.. واتفقوا على أن جوهر المشكلة يكمن في غياب الشكل الإلزامي للإيصال والإجراءات السريعة والمجتزأة لتحريك الدعوى الجنائية التي تتم بمجرد صورة ضوئية من المستند وهو إيصال الأمانة نفسه..
وفى هذا الشان يوضح أحمد سيد عبد الفتاح المحامي بالنقض، أن هناك ثغرات قانونية خطيرة في قضايا تبديد "إيصال الأمانة"، تستغل من قبل تشكيلات عصابية ومحامين غير مراعين للأخلاق المهنية، لابتزاز المواطنين بمبالغ قد تصل لملايين من خلال الحصول على أحكام غيابية بعشرات السنين وفى مختلف المحاكم بمحافظات مصر.
وأضاف: ومن بين هذه الثغرات إمكانية تحريك الدعوى القضائية، بناء على صورة ضوئية فقط من إيصال الأمانة مع الاطلاع على أصله، وذلك دون التحقق من صحة البيانات الواردة فيه وخصوصا التوقيعات الوارد جدا أن تكون مزورة، كذلك تشمل مستندات إقامة دعوى تبديد إيصال الأمانة صورة من بطاقة الرقم القومي للمدعى عليه، وهذه يمكن الحصول عليها عن طريق ألاعيب قانونية أو طرق احتيالية يلجأ إليها مقيمو تلك الدعاوى.
وتابع: من الثغرات التي أشار إليها المحامي بالنقض، عدم وجود شكل قانوني محدد وواضح لإيصال الامانة، إذ يمكن كتابته على أية ورقة حتى ولو من كراسة، وهو الأمر الذى يسهل من عمليات التحايل والتزوير، نظرا لعدم وجود ضوابط أو مواصفات محددة للإيصال، كما أن إيصال الأمانة تنتج آثاره القانونية بمجرد كتابة ما يشبه الإقرار بأن فلان تسلم مبلغا قدره كذا، من فلان على سبيل الأمانة، وذلك لتوصيله إلى فلان مع التوقيع الذى يسهل تزويره.
وقال: بعد كتابة هذه الورقة يتوجه الشخص المدون اسمه فى الإيصال بصفته صاحب المال أو المحامي الخاص به، إلى قسم الشرطة ويحرر محضرا ضد الضحية يتهمه فيه بالامتناع عن رد الأموال أو تسليمها للطرف الثالث إن وجد.. وعند إحالة المحضر إلى النيابة، لا تتوانى فى تحريك الدعوى أمام المحكمة، بمجرد وجود صورة إيصال الأمانة وعليها تأشيرة تفيد بأن أجهزة الشرطة طالعت الأصل، وخلال أيام قليلة تحدد المحكمة جلسة لنظر القضية دون استدعاء المتهم إلى النيابة، أو إجراء تحريات جدية، قبل تحريك الدعوى، ومن الثغرات الإجرائية أيضا أن إيصال الأمانة هو مستند لا يشترط وجود شهود عليه، وهو الأمر الذى يسهل عمليات التلاعب فيه وتزويره كاملا.
ولفت المحامي أحمد عبد الفتاح، إلى أن إعلان المتهمين فى مثل تلك القضايا المصطنعة، لا يتم بالطرق القانونية المنضبطة، بمعنى أن هناك آلاعيب قانونية يمارسها بعض القائمين على إعلان المتهمين، بحيث لا يصل الإعلان إليهم فى المواعيد المحددة، كأن يرسل الإعلان على عنوان وهمي، أوعنوان قديم للمتهم، أو يسلم الإعلان لأشخاص غير ذي صفة، ومن ثم لا يحضر المتهم إلى جلسة المحاكمة، فيؤجلها القاضي لإعادة الإعلان، وما حدث فى الإعلان الأول يتكرر فى الإعلان الثاني ولا يحضر المتهم إلى المحكمة، فيصدر القاضي حكما غيابيا ضده، وبنفس الطريقة يتم استصدار أحكام غيابية عديدة ضد نفس الضحية فى محاكم بمحافظات متفرقة، وعندما يكتشف الأمر يجد نفسه فى دوامة المعارضات، والبحث عن إثبات براءته فى عدد كبير من المحافظات، الأمر الذى يرهقه نفسيا وبدنيا وماديا، فيصبح صيدا سهلا لمافيا الاحكام الغيابية، التى تبدأ فى ابتزازه والحصول منه على مبالغ كبيرة بزعم تخليصه من تلك الورطة.
ثغرة قانونية
واختتم المحامي حديثه مع فيتو بالإشارة إلى أن هناك نقطة مهمة يجب الانتباه إليها، وهي عدم التقيد بمحل إقامة المجنى عليه فيما يتعلق بالاختصاص المكاني للمحاكم، بمعنى أن شخصا من محافظة أسوان يمكنه أن يقيم دعوى تبديد إيصال أمانة ضد شخص من الإسكندرية، ويصبح المدعى عليه مطالبا بالسفر من الإسكندرية إلى أسوان، لاستكمال إجراءات التقاضي، ما يمثل عبئا ثقيلا عليه، ويستغل أصحاب النفوس الضعيفة هذا الأمر لتنفيذ جرائمهم، بهدف الضغط على الضحايا.
المحامي بالنقض فهد مرزوق، يؤكد هو الآخر لـ "فيتو"، أن أزمة الأحكام الغيابية التي تصدر ضد أشخاص فى قضايا تبديد إيصالات الأمانة لا يعرفون عنها شيئا، أزمة كبيرة تؤرق الكثير من المواطنين، والمشكلة الكبرى تتمثل فى أن تلك الأحكام يتم اكتشافها بالصدفة، كأن يتم توقيف شخص فى كمين أو أثناء إنهاء إجراءات سفره أو دخوله البلاد أو أية معاملات تتطلب الاستعلام أمنيا عنه، ليجد عشرات الأحكام المقيدة ضده فى مختلف المحافظات، وعندما يبدأ البحث عن تلك القضايا ومعرفة تفاصيلها، يكتشف أنها مقامة من أشخاص لا يعرفهم ولم يلتق بهم ولم يسمع عنهم من قبل، وهنا يقع عليه عبء إثبات براءته من تلك الاتهامات، وبالطبع يتطلب الأمر مجهودا بدنيا كبيرا، بالإضافة للأضرار النفسية، والتكاليف المادية الكبيرة.
وشدد مرزوق على أن طبيعة إيصال الأمانة وإمكانية تحريره حتى ولو على ورقة بيضاء، وعدم الحاجة إلى شهود، وإقامة الدعوى بصورة الإيصال فقط دون تقديم أصله ضمن أوراق الدعوى، وعدم الإعلان بالطرق القانونية الصحيحة، وعدم وجود تحريات جدية، هى أهم الثغرات القانونية التى يعتمد عليها مزورو إيصالات الأمانة.. وأضاف إن إيصال الأمانة هو مستند قانوني مهم، والغرض منه حفظ الحقوق وتسهيل المعاملات اليومية، إلا أن البعض حول هذا المستند إلى سيف مصلت على الرقاب من خلال استصدار أحكام بالمئات ثم استغلال تلك الأحكام فى جرائم الابتزاز.
كيف يتصرف الضحية
مرزوق تحدث عن الإجراءات التى يجب أن يتبعها الضحية فى حالة اكتشاف صدور أحكام غيابية ضده، موضحا أنه إذا تفاجأ الشخص بوجود حكم غيابي، وهذا يتم عادة في كمين، عليه القيام بتقديم طلب المعارضة على الأحكام خلال عشرة أيام من تاريخ علمه بالحكم، ويفضل حضور المتهم والمحامي وطلب إعلان مقيم الدعوى وإلزامه بتقديم أصل الإيصال، وإذا لم يقدمه، تصدر المحكمة فى الغالب حكما بالبراءة، أما إذا قدم أصل الإيصال، فإن الضحية يطعن عليه بالتزوير وتتم إحالته إلى خبير خطوط، وإذا ثبت أن المستند مزور، يصدر حكم بالبراءة، وهنا يجوز للضحية تحريك دعوى تزوير ضد من يقيم دعوى التبديد.
وفيما يتعلق بالاختصاص المكاني أشار مرزوق إلى أنه فور توقيف الشخص الصادر ضده أحكام غيابية، يمكنه أن يتقدم المعارضة فى أقرب نيابة لمكانه، وعلى سبيل المثال لو تم توقيفه فى العريش بسبب حكم فى سوهاج، يقدم المعارضة فى نيابة العريش، ولكنه يستكمل باقي إجراءات التقاضي فى النيابة والمحكمة المختصة فى محافظة المنيا.
وفي نفس السياق، قال خالد ناجي المحامي بالنقض: إن المأساة تبدأ من صميم المستند نفسه، فالقانون لم يحدد شكلا خاصا أو إلزاميا لإيصال الأمانة، مضيفا أن القانون لا يشترط أن يكون إيصال الأمانة مكتوبا على نموذج رسمي أو حتى مطبوع مسبقا، ويكفي أن يتم ملؤه على أي ورقة بيضاء عادية، شريطة وجود توقيع المدين، مؤكدا أن هذا يفتح الباب واسعا أمام جريمة "التوقيع على بياض"، حيث يمكن كتابة أي مبلغ أو أي تفاصيل أعلى التوقيع لاحقا ودون علم الموقع، وأشار إلى أنه حتى لو كان الإيصال مزورا، فإن الإجراءات التي تتبع تقديمه للنيابة العامة تكفل للمزورين فرصة ذهبية للحصول على حكم غيابي غير قابل للطعن، إلا بالمعارضة في خلال فترة محدودة، ويكون هذا الحكم بمثابة سيف مصلت على رقاب الأبرياء.
مافيا تلفيق القضايا
وأوضح، أنه يمكن أن يشتمل ملف الدعوى على إيصال أمانة تم تزويره بالكامل، أو تم التوقيع فيه على بياض، ورغم ذلك، يتم اعتماده كدليل إدانة قوي ما لم يثبت العكس، بجهد فردي ومكلف من المتهم الذي يصارع لإثبات براءته
وقال ناجي: إن قضية مافيا تلفيق القضايا يجب أن تكون جرس إنذار للسلطة التشريعية والقضائية، موضحا أنه لا يمكن أن يظل مصير مئات الآلاف من المواطنين على المحك بسبب إيصال يمكن تزويره بسهولة وإجراءات إعلان يمكن التلاعب بها ببساطة، وطالب بضرورة أن يكون هناك تدخل تشريعي عاجل من أجل تحديد شكل إلزامي لإيصال الأمانة، يجب أن يكون له شكل ونموذج محدد، وربما يتم توثيقه أو تسجيله في جهة رسمية لضمان سلامته، موضحا أن الهدف من القانون هو تحقيق العدل، ولن يتحقق ذلك إلا بسد كل الثغرات التي يمكن أن يستغل بها القانون لتدمير حياة الأبرياء
وفي النهاية، تحت قبة العدالة، حيث يفترض أن تكون الحقوق محفوظة والأبرياء في مأمن.
وتكشف هذه الثغرات عن جانب مظلم يحتاج إلى إصلاح عاجل، ليست القضية مجرد تعديلات قانونية، بل هي معركة للحفاظ على الثقة في النظام القضائي نفسه، الذي يجب أن يكون حصنا للأمان لا مصدرا للتهديد.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا


