الاحتجاجات المغربية.. الصراع الخفي بين أمريكا والصين وروسيا
ليس من قبيل المبالغة القول إن المظاهرات التي تشهدها المملكة المغربية ليست مجرد احتجاجات على سوء الأوضاع الاجتماعية أو الاقتصادية، بل يمكن اعتبارها مؤشرًا على استمرار صراع القوى الكبرى على النفوذ في شمال أفريقيا.
فالمغرب، بموقعه الاستراتيجي عند مفترق الطرق بين الأطلسي والمتوسط، أصبح عقدة حيوية في خريطة النظام العالمي الجديد، حيث تتقاطع مصالح واشنطن وبكين وموسكو في صراع يمكن وصفه بالبارد، لكنه ملموس في الاقتصاد والسياسة والإعلام.
على السطح يبدو المشهد الداخلي بسيطًا: جيل شاب يواجه البطالة وغلاء المعيشة واتساع الفوارق الاجتماعية، فيخرج إلى الشوارع احتجاجًا بين الحين والآخر. لكن خلف هذه الصورة تكمن معركة أعمق بين القوى العظمى على توجيه المغرب وتحديد موقعه في التوازنات الجديدة.
الولايات المتحدة ترى في المغرب حليفًا استراتيجيًا لا يمكن التفريط فيه. فمنذ سنوات تُنظَّم مناورات «الأسد الأفريقي» التي تشارك فيها القوات الأمريكية والمغربية إلى جانب حلفاء من الناتو، في رسالة واضحة بأن واشنطن تعتبر الرباط ركيزة أمنية جنوب المتوسط.
هذا النفوذ العسكري يترافق مع تأثير سياسي واقتصادي قوي؛ فاعتراف إدارة ترامب بسيادة المغرب على الصحراء الغربية لم يكن مجرد خطوة دبلوماسية، بل رهان استراتيجي لضمان استمرار التحالف مع الرباط وإبعادها عن النفوذ الصيني والروسي المتزايد في القارة.
وتواصل واشنطن حتى اليوم تشجيع الاستثمارات الأمريكية والإسرائيلية المشتركة في مشاريع الطاقة والبنية التحتية، في محاولة لتثبيت حضورها الاقتصادي إلى جانب حضورها الأمني.
في المقابل، تتحرك الصين بهدوء ولكن بثبات، معتمدة على الاقتصاد لا السياسة. انضمام المغرب إلى مبادرة الحزام والطريق فتح الباب أمام استثمارات صينية ضخمة في الموانئ والطرق والسكك الحديدية.
والأهم هو دخول بكين مجال صناعة البطاريات الكهربائية عبر مشروع ضخم في القنيطرة بقيمة تفوق مليار دولار، إضافة إلى مصانع أخرى لمكونات البطاريات في طنجة والجرف الأصفر. هذه المشاريع تمنح الصين نفوذًا مستدامًا داخل الاقتصاد المغربي وتخلق تبعية صناعية جديدة.
بالنسبة لبكين، فالمغرب ليس مجرد سوق، بل محطة استراتيجية في شمال أفريقيا لتأمين طريق الطاقة والسلع نحو أوروبا. وفي الوقت ذاته تقدم الصين نفسها للمجتمع المغربي كشريك تنموي لا يتدخل في السياسة الداخلية، على عكس الولايات المتحدة التي تميل إلى ممارسة الضغط السياسي على حلفائها.
أما روسيا فحضورها أكثر هدوءًا ونعومة، لكنه مستمر في النمو. موسكو تتحرك عبر قنوات متعددة: علاقات دبلوماسية متنامية، صفقات اقتصادية محدودة، وتواصل ثقافي وإعلامي. الإعلام الروسي، من خلال قنوات مثل «روسيا اليوم» و«سبوتنيك»، يقدم روايات بديلة عن الغرب ويمنح مساحة للخطاب المناهض للسياسات الأمريكية، خصوصًا في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية أو حرب أوكرانيا.
كما تتحدث تقارير عن رغبة روسية في توطيد التعاون مع الرباط في مجالات التكنولوجيا والطاقة، مع استعداد دبلوماسي لإبداء تفهّم أكبر للموقف المغربي في ملف الصحراء، في إطار مساعي موسكو لتعزيز حضورها في أفريقيا بعد تراجع نفوذها في أوروبا.
وسط هذا الصراع الثلاثي تجد المغرب نفسها داخل مثلث لا يمكن الفكاك منه: واشنطن من جهة، وبكين وموسكو من الجهة الأخرى. والنتيجة أن أي توتر داخلي أو احتجاج اجتماعي يتحول إلى حدث تتابعه هذه القوى بدقة، كل طرف يفسّره بطريقته أو يحاول توظيفه لصالحه.
الجيل المغربي الشاب، الذي يشكل أكثر من نصف السكان، يقف في قلب هذه المعادلة. احتجاجاته ليست دائمًا مسيّسة، لكنها تعبّر عن أزمة ثقة في المستقبل في ظل غياب فرص العمل وضعف الأمل في التغيير.
هذا الجيل، الذي يعيش على تفاعل يومي مع العالم عبر الإنترنت، أصبح ساحة نفوذ بحد ذاته. واشنطن تراهن على احتوائه داخل منظومة غربية منفتحة، وبكين تراهن على إقناعه بأن التنمية والوظائف تأتي من الشراكة الاقتصادية، بينما تحاول موسكو استمالته بخطاب ثقافي وإعلامي يضع الغرب في موقع الخصم.
من هنا يمكن فهم الاحتجاجات الأخيرة ليس فقط كحراك اجتماعي، بل كصدى لصراع خفي بين القوى الكبرى على كسب المغرب إلى هذا المعسكر أو ذاك. قد لا تكون هذه القوى قد أشعلت الشرارة، لكنها بالتأكيد تراقب اللهب وتستفيد من اتجاهه.
فكل احتجاج داخلي في بلد استراتيجي مثل المغرب يُقرأ اليوم كاختبار لتوازنات جديدة في شمال أفريقيا: من يحافظ على نفوذه، ومن يملأ الفراغ إن اهتز النظام القائم.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا
