قوة دفاع عربي مشترك.. ضرورة مؤجلة أم لحظة فرضها عدو لا يعترف بالحدود؟.. قمة الدوحة الطارئة تكتفي ببيانات الشجب والإدانة والاستنكار
شهدت العاصمة القطرية الدوحة اجتماعات القمة العربية الإسلامية الطارئة، وذلك بعد أيام من استهداف إسرائيل لعدد من قادة حركة حماس على الأراضى القطرية، وهو تطور صادم قلب المعادلات الأمنية والسياسية فى الخليج وأعاد إلى الواجهة سؤالا ظل معلقا لعقود، لماذا لم ينجح العرب حتى الآن فى بناء قوة دفاع مشتركة تحميهم من الاعتداءات الخارجية وتواجه الأخطار المتصاعدة التى تهدد وجودهم وأمنهم القومي؟
القمة الطارئة، عقدت وسط توقعات كبيرة من الرأى العام العربى بأن تكون مختلفة عن القمم السابقة التى اكتفت ببيانات إدانة لا تتجاوز أوراق الصحف ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، وانتهت كما بدأت.
المشهد لم يكن يحتمل تكرار الخطاب التقليدي، خاصة أن استهداف قادة من حماس فى قلب الدوحة كشف بوضوح هشاشة الأمن القومى العربي، وعجز المنظومة الحالية عن توفير مظلة ردع حقيقية لأى دولة عضو فى الجامعة العربية.
فكرة الدفاع العربى المشترك ليست جديدة، فمنذ معاهدة 1950 والدول العربية تتحدث عن التعاون العسكرى لمواجهة أى عدوان خارجي، لكن طوال 75 عاما لم تتحول هذه المعاهدة إلى واقع ملموس.
الرئيس عبد الفتاح السيسى كان من أبرز القادة الذين حاولوا إعادة إحياء هذه الفكرة عندما اقترح قبل 10 سنوات من الآن تأسيس قوة عربية مشتركة لمكافحة الإرهاب وصيانة الأمن القومي، وحظيت دعوته آنذاك بتأييد سياسي من الجامعة العربية، لكن المشروع تعثر بسبب غياب التوافق حول المهام والتفاصيل، وظل مجرد فكرة مؤجلة، ولأن الشىء بالشىء يذكر فإن كلمة الرئيس السيسى فى قمة الدوحة تكاد تكون هى الكلمة الأكثر وضوحا وكشفا لكل أبعاد الأزمة الحالية.
لعل التجارب الجزئية التى عرفها العالم العربى تكشف حجم التعثر، ففي حرب أكتوبر 1973 ظهر التحالف المصرى السورى كأقوى نموذج للتنسيق العسكري العربي، مصر وسوريا شنتا هجوما متزامنا على إسرائيل وحقق الجيشان إنجازا عسكريا كبيرا فى الأيام الأولى.
فى حين قدمت بعض الدول العربية دعما اقتصاديا وسياسيا، مثل قرار حظر تصدير النفط، لكن بعد توقف القتال لم يتحول هذا التعاون إلى مؤسسة دائمة، وظلت الحرب مجرد تجربة ظرفية لم تثمر كيانا عسكريا مشتركا.
بعدها بثلاث سنوات شهد لبنان تجربة أخرى عبر قوات الردع العربية التى أنشئت عام 1976 بقرار من قمة الرياض والقاهرة لوضع حد للحرب الأهلية اللبنانية، هذه القوات ضمت فى البداية نحو 30 ألف جندى أغلبهم من الجيش السوري، إلى جانب وحدات رمزية من دول أخرى كالسعودية والسودان والإمارات، لكن سرعان ما تحولت إلى أداة لشرعنة الوجود السورى فى لبنان أكثر من كونها قوة عربية متوازنة، مما أدى إلى فقدان ثقة الشارع العربى فى جدواها.
وفى 1991 جاء التحالف العربى والدولى لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي، مصر وسوريا والسعودية ودول خليجية أخرى شاركت عسكريا إلى جانب قوات الولايات المتحدة وحلفائها، ورغم أن هذا التحالف حقق هدفه المباشر وهو إنهاء الاحتلال، إلا أن التجربة لم تؤسس لقوة عربية مستقلة، بل أبرزت اعتماد العرب على قيادة دولية خارجية، وهو ما جعلها تفقد بعدها العربى الخالص.
وفى 2015 طرحت القمة العربية فى شرم الشيخ مبادرة مصرية لتشكيل قوة عربية مشتركة بقرار رسمي، وبالفعل تم تكليف لجنة من رؤساء الأركان العرب بوضع تصور عملي، لكن الخلافات حول طبيعة مهام القوة ومجالات تدخلها أدت إلى تجميد المشروع.
البعض أرادها قوة لمكافحة الإرهاب حصرا، فيما رأت أطراف أخرى ضرورة أن تكون قادرة أيضا على مواجهة التدخلات الإقليمية مثل التمدد الإيرانى أو الطموحات التركية، ومع انعدام التوافق لم تر الفكرة النور.
اليوم، ومع استهداف إسرائيل لقادة من حماس فى قطر، باتت الحاجة إلى قوة دفاع عربى مشترك أكثر إلحاحا من أى وقت مضى، هذا الاعتداء لم يستهدف قطر وحدها بل مس سيادة كل الدول العربية، وأرسل رسالة واضحة مفادها أن الفراغ الأمنى العربى يسمح لأى طرف خارجى بأن يضرب فى أى عاصمة عربية دون حساب، والاكتفاء ببيانات إدانة فى مثل هذا الموقف يجعل القمة العربية فى الدوحة كأنها لم تكن، ويعيد إنتاج مشهد الضعف الذى لازم النظام العربى لعقود.
الأسباب التى عرقلت فكرة القوة المشتركة كثيرة ومعروفة، ولعل أبرزها تضارب المصالح بين الدول العربية، غياب الإرادة السياسية الجماعية، تدخلات خارجية لا ترغب فى قيام قوة عربية موحدة، إضافة إلى ضعف التمويل المشترك وانعدام الثقة بين بعض الأنظمة.
لكن الفرص ما زالت قائمة، فمجلس الأمن والسلم العربى الذى أقر فى قمة الخرطوم 2006 يوفر إطارا قانونيا يمكن البناء عليه، كما أن المخاطر المشتركة مثل الإرهاب العابر للحدود والتدخلات الإقليمية يمكن أن تكون دافعا لتجاوز الخلافات.
الرئيس السيسى أكد فى أكثر من مناسبة أن الأمن القومى العربى وحدة واحدة لا تتجزأ، وأن أى تهديد فى أى دولة عربية يعنى تهديدا لمصر أيضا، هذه الرؤية، إذا تبنتها القمة فى الدوحة بشكل عملي، يمكن أن تفتح الباب أمام مشروع جديد يعيد الاعتبار لمعاهدة الدفاع العربى المشترك ويحولها من نصوص منسية إلى قوة فعلية على الأرض.
ويمكن القول إن القمة الطارئة فى الدوحة أمام اختبار حاسم، فإذا اكتفت بإدانة الاستهداف الإسرائيلى فلن تختلف عن عشرات القمم السابقة التى ملأت أرشيف الجامعة العربية ولم تغير من الواقع شيئا، أما إذا قررت المضى قدما فى تأسيس قوة دفاع عربى مشترك بجدول زمنى واضح وتمويل مضمون وآلية قيادة محددة، فقد تسجل نقطة تحول فى التاريخ العربى الحديث، وهو ما يطرح سؤالا ينتظر الإجابة عليه، هل يلتقط القادة العرب هذه اللحظة النادرة لكتابة فصل جديد، أم أن الحلم سيظل مؤجلا يقتل فى كل مرة قبل أن يولد؟
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا
