حديث الأربعاء
هم عبيد منافعهم وطابعهم الغدر
كتب عبد الرحمن الكواكبي في أحد فصول كتابه طبائع الاستبداد، يقول: "إن أكثر الناس لا يحفلون بالدين إلا إذا وافق أغراضهم، أو لهوًا ورياءً، وأن الناس عبيد منافعهم وعبيد الزمان، وأن العقل لا يفيد العزم عندهم، إنما العزم عندهم يتولد من الضرورة"..
وهذا المشهد أصبح الطابع العام لبعض الناس في واقعنا المعاصر خاصة جماعات تيار الإسلام السياسي بكل طوائفهم وبكل أحزابهم وجماعاتهم لا أستثني منهم أحدا، فلا يخفى على أحد؛ اتخاذهم من الدين ستارا ومن قصصه ورواياته خطابا رنانا، ومنبرا يصدح بعبارات غسلوا بها أدمغة العوام وبعض الشباب ممن استجابوا لدعواتهم الخبيثة مستغلين في ذلك ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية، كل ذلك وأكثر بغية الوصول لكرسي الحكم.
وما أشبه الليلة بالبارحة، فالتاريخ يحدثنا كثيرا عن المجازر التي راح ضحيتها أناس لا ذنب لهم إلا أنهم مسلمون، وأقصد زمن ما بعد العصر المحمدي وما تلاه من خلافات، بل ومعارك طاحنة من أجل الخلافة.. ومن يقرأ في تاريخ الفتن يجد العجب.. ثم يأتي من يحدثنا بكل فخر وعزة عن الخلافة الإسلامية في العصر الأموي والعباسي وغيرهم.
فضلا انتظر قليلا، فربما تصورت أن كاتب هذه السطور يهاجم الإسلام، أو أنه لا يختلف عن الذين لا يريدون دينا قائما في المجتمع أو في الحياة كلها كأفكار الملحدين التائهين، كلَّا، والله يشهد على حُسن نيتي وبُغيتي ومقصدي من تناول هذا الموضوع الذي ليس بجديد على القاصي والداني، والله متم نوره ولو كره أعداؤه، ويشهد الله أني حريص كل الحرص على ديني المعتدل ومعتقدي السمح..
لذلك بوصفي مسلما غيورا على إسلامه فقد سئمت هؤلاء الذين كانوا سببا في الاستهانة بالدين وبرسالة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، لأنهم أكدوا بأفكارهم المتشددة والمتعصبة والمتطرفة على أن الإسلام دين إرهاب ودين عنف وقتل، دين داعشي حتى النخاع، وهذا ما اتخذه أعداء الإسلام حجة وذريعة لمهاجمة الإسلام وعداوته في كل مكان..
وربما معهم حق فما يرونه ويسمعون عنه من تشدد الأصوليين وإرهابهم أكد كل تصوراتهم الخاطئة عن الدين الحنيف، دين التسامح برسوله الذي أرسله ربه رحمة للعالمين، فكان على خلق عظيم وهذا إلهنا الذي قال لنبيه {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} وليس بالرصاص والقنبلة والأجساد المفخخة وقتل الأبرياء.
منذ فجر دعوتهم وهم يتحدثون عن شرعية الخلافة، فيشيدون بخلافة قامت على أسنة سيوف مروية بالدماء من أجل الملك والسلطة، وإسألوا عن بطش الحجاج وتسلط بني مروان، واسألوا عن السفاح وسيوف العباسيين، واسألوا عن كل الجبارين الذين لم ترتج في افئدتهم عاطفة رحمة عند قتل أفراد أو أمم..
اسألوا عن المؤامرات والدسائس والسموم حتى بين أفراد العائلة الواحدة، كل ذلك وأكثر كان لغايات سياسية ومصالح شخصية وولاية العهد ثم الجلوس على كراسي الحكم فوق رفات المظلومين إرهاقا بالسيف أو إزهاقا بأي وسيلة أخرى من وسائل القتل، ثم اسألوا عن أحداث غرناطة وملوك الطوائف وثمانية قرون بالأندلس كيف كانت وكيف عادت لأصحابها.
يا سادة الإسلام في وادٍ وهؤلاء في وادٍ آخر، فما آلت إليه الأمة من مآلات مخزية كانت وما زالت بسبب هذه الأفكار العدائية التي جعلت من تاريخ دموي عدلا، ومن حروب من أجل الحكم خلافة شرعية، ومن أحكام مغلظة حدودا وشريعة. فليس من الدين أن نجعل هؤلاء هم الدين فالدين بريء من أفعالهم وهو أعظم من أن يمثله إرهابي، وأعظم من أن يكون هؤلاء أوصياء عليه.
عندما تسأل أحدهم عمّا فعله معاوية وابنه يزيد، يقول: المُلك لا يقوم إلا بالسيف، وأن معاوية كان صحابي جليل متناسين من كان سببا في الفتن والطائفية، وحين تسألهم عن خلافات الصحابة ومعاركهم في موقعة الجمل وصفين يقولون: إن الطرفين كانا على حق، ولا أدري كيف كان الجيشان على حق، وإن كانوا كذلك فكيف يحارب الحقُ الحقَ!
بينما لو سألتهم عن سياسة الحكم الآن، فيجمعون على أنه قائم على ظلم بيِّن وانقلاب صارخ على سلطة شرعية! هذه المفارقة العجيبة هي من دعائم كل خطاباتهم ومبدأ أحاديثهم.
يحدثونك عن الخلافة الأموية والمروانية وكأنها خلافة شرعية وملك عادل رغم ما فعله هؤلاء السلف الشرعي من سفك للدماء، وبطش للضعفاء، ومذابح لكل مَن عارضهم ورفض مبايعتهم.
وعن الفساد الأخلاقي حدث ولا حرج، فالليلة خمر وسُكر ومعازف ورقص وجواري، وغدا غزو وحرب ومغانم جديدة وسبايا فاتنات، فكانت قصورهم تضج بكل أنواع الملاهي والملذات حتى الفجر وما بعد الفجر، رغم ذلك تجد هؤلاء المتطرفين يؤكدون في خطابهم الديني على أن السبب الأول في مرض الأمة يتمثل في فساد أخلاقها وظلم حكامها..
فهل كانت أخلاق بعض الخلفاء وظلم أغلب الأمراء في الدولة الأموية والعباسية وغيرها؛ هل كانت على أكمل وجه من الأخلاق والفضائل، والعدل المُطلق، وهل كانت تلك الخلافات المتعاقبة نموذجا رائعا لكي يحتذى به في واقعنا المعاصر؟!
وما زالت إجابة هذا السؤال قابعة في أرشيف أفكارهم وصناديق عقولهم المغلقة ومحظورا الخوض فيه صراحة، لأن الإجابة عنه سوف تنسف كل مطالبهم الخبيثة وخطاباتهم المكذوبة، فهم لا يتحدثون في الدين إلا بما يخدم أغراضهم ومصالحهم، ومقاصدهم الدنيوية، فهم عبيد منافعهم وأعداء لمن يقف في طريقهم، أبدا لم تكن نيتهم خالصة للدين بل كانت النية هي الوصول لسُدة الحكم ولقد وصل بعضهم بالفعل، فماذا فعلوا للدين! لا شيء غير الشعارات الجوفاء والخطاب العقيم.
Nasserkhkh69@yahoo.com
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا
