رئيس التحرير
عصام كامل

حديث قلب

الدكتور أحمد هيكل في عيون ابنته

18 حجم الخط

بعد اغتيال السادات استقبل الرئيس الراحل حسني مبارك اللواء حسن أبو باشا وزير الداخلية، وسأله عن وسيلة تحفظ ماء وجه الدولة للإفراج عن المساجين والمعتقلين الذين أمر السادات بحبسهم؟ وكما ذكر لي الوزير في حوار صحفي جري في بيته بشارع المراغي بالعجوزة: نختار لهم مجموعة من العلماء الكبار يجرون حوارات مع هؤلاء داخل الزنازين لتصحيح أفكارهم -حتي ولو لم يقتنع المعتقلين بهذه الحوارات!


فوافق مبارك علي اقتراحه متحمسا، وتم تشكيل فريق العلماء وكان بينهم العالم الجليل الدكتور أحمد هيكل، وكلفني رئيس تحرير آخر ساعة في ذلك الوقت الكاتب الكبير الراحل الأستاذ وجدي قنديل بتغطية هذه الحوارات الهامة التي جرت داخل أسوار ليمان طرة..

 
كان عدد من هؤلاء العلماء ينافق الحكومة ويهاجم المحبوسين من منطلق (إضرب المحبوس يخاف السايب)! إلا أن الدكتور أحمد هيكل كان يخاطب المتحفظ عليهم بكل تحضر وانسانية، ومقارعة الحجة بالحجة، محتكما إلي صحيح الدين..

 
ودارت الأيام وتوطدت صلتي بالعالم المحترم الدكتور أحمد هيكل، بل كنت من الصحفيين القلائل الذين إذا أجروا معه أحاديث صحفية تكون في منزله قرب ميدان المساحة بالدقي.. لن أطيل في وصف شخصية العالم والأديب والشاعر والوزير الدكتور أحمد هيكل؛ فابنته المفكرة المعروفة الدكتورة عزة أحمد هيكل؛ أقدر مني في الحديث عن والدها:
 

أبي الذي لم يعرفه أحد إلا وأقر بعلمه وخلقه وأدبه وفكره ووضع الله حبه في قلوب تلاميذه ورواده وأصدقائه ومحبيه، هذا الرجل لن تحتويه كلمات ولا صفات لأنه تجاوز المحدود إلى رحاب أوسع وأرحب ـأحمد هيكل-.


هو إبن رجل بسيط يعمل بالتجارة ويعيش في إحدى القرى المصرية، يصر والده علي تعليمه فيقطع مسافة عشرة كيلو مترات يوميًا ذهابًا وعودة علي قدميه الصغيرتين في وسط الحقول والمزارع ليذهب ويتلقى العلم في المعهد الأزهري الديني بالزقازيق، بعد أن أتم دراسته في كُتاب قريته "كفر هورين".. 

 

وينتقل إلى الزقازيق ليتعلم علي أيدي الدكتور عبد الرحمن تابع والإمام متولي الشعراوي وغيرهما، ويكون ترتبيه الأول علي أقرانه، فينزل القاهرة ليلتحق بمعقل اللغة والأدب بكلية دار العلوم، وهناك يبرع شاعرًا ومشروع أديب وأستاذًا ويتخرج ليكون أول كليته عام 1948، ويختاره طه حسين وزير المعارف آن ذاك ليخرج في بعثة علمية إلى إسبانيا لنيل درجة الدكتوراه في الأدب الأندلسي عام 1950.


وفي مدريد تبدأ مرحلة جديدة لهذا الشاب الفلاح المصري الحافظ لكتاب الله، والمتعلم حتى الجامعة بالمعهد الديني، هناك في بلاد الأندلس يتعلم الإسبانية ويكتب رسالته عن "ابن سهيل الأشبيلي"، وينال درجة الدكتوراه عام 1954، ويعود إلى مصر في فترة الثورة ليلتحق بالجامعة المصرية مدرسًا للأدب بكلية دار العلوم، والتي كانت منارة ثقافية وأدبية بها مسرح جامعي وندوات شعرية ومسابقات رياضية للفتيات والفتيان..


وهناك وجد أمي طالبته المثالية لأنها تمثل في المسرح الجامعي وتلعب في ملاعب التنس بالجامعة وتلقي قصائده الشعرية، كل هذا في مناخ من التنوير والحرية والعلم شهدته مصر في الخمسينات من القرن الماضي، وكان ذلك الشاب الذي جمع بين جنبات فكره أصالة المعرفة الدينية والأندلسية وإرهاصات التقدم الحزبي والتطور الحضاري.. 

 

كان معلمًا لجيل جديد من حملة لواء اللغة العربية والأدب والشريعة والشعر والنقد والفكر الجديد، الذي كانت مصر بحاجة إليه لتبدأ مرحلة أخرى تلحقها بركب الحضارة الحديثة.. ولكن، عندما بدأ التليفزيون المصري إرساله كان والدي أول من قدم برنامجًا ثقافيًا مع أعلام الفكر والثقافة في مصر حينها من طه حسين والعقاد إلى نجيب محفوظ وزكي نجيب محمود وكان عنوانه: جولة الأدب.


ذلك الرجل العالم لم يترك بلده إلا ليعمل تحت لوائها سواء في جامعة القاهرة فرع الخرطوم أو مستشارًا ثقافيًا بمدريد ومديرًا للمعهد الإسلامي في 1974 وإن كانت نكسة يونيو 1967 ألمًا مصابًا كاد أن يودي بعينيه إلا أنه نعى عبدالناصر وبكاه بكاء الغاضب الذي خذل جيله وأضاع فرصة لا تتكرر لبلده مصر.


وبعد نصر أكتوبر انطلق أبي في رحلته بإسبانيا وأقام الندوات والمنتديات بالمعهد الإسلامي المصري، وأقام أول مؤتمر للأديان بقرطبة "المؤتمر الإسلامي ـ المسيحي الأول" عام 1974 حيث استعاد جزءًا من مسجد قرطبة وأقيمت صلاة الجمعة وكبر المؤذن وارتفع الأذان "الله أكبر"، بعد قرون من الغياب وسقوط قرطبة سنة 1226.. 

 

وكان أن كتب وألقى أمام ملكة إسبانيا سلسلة من المحاضرات عن الإسلام وفقهه وفكره وعن محمد نبينا الحبيب.. وأقام المؤتمر الثاني في قرطبة للإسلام والمسيحية وأطلق عليه صيحة "نبوية" من قبل أحد رجال الكنيسة وذلك بعد أن كانوا يرفضون إطلاق اسم نبي علي "محمد" خاتم النبيين.


وحين عاد إلى مصر تقلد منصب عميد دار العلوم، ودخلت مصر في بئر التطرف وقتل السادات، فدخل والدي السجون والمعتقلات ليحاور الشباب الذي فقد بوصلة الدين، وسماحة الإسلام وعقلانيته، وكم من الشباب في جماعة التكفير والهجرة عادوا إلى رشدهم علي يد أبي، وأيضًا كم من رسائل التهديد والوعيد بالقتل جاءت إلى بيتنا الصغير، ومع هذا رفض أبي تعيين حراسة خاصة، وقال إن الحارس هو الله.. 

 

وحين اختير عميدًا بالانتخاب اختير بعدها نائبًا لرئيس الجامعة، واستدعي ليدخل الانتخابات ضمن قائمة المرشحين عن الجيزة، ونجح واختير بعدها وزيرًا للثقافة في عام 1985، وكانت من أصعب وأقسى فترات حياته.. 

 

 

وفي الوزارة افتتح المسرح القومي بالأزبكية عام 1986 بمسرحية إيزيس، وحضرها توفيق الحكيم والرئيس وحرمه، وتم ترميم المشهد الحسيني وقلعة صلاح الدين، وأقيمت أوبرا عايدة لأول مرة عند سفح الهرم، وأخيرًا أمضى سنتي الوزارة في الإشراف علي بناء الأوبرا الجديدة، ولكن الشعر والسياسة لا يجتمعان.. 

وفي كل هذا كان رجلًا ودودًا عطوفًا جليلًا لم يقبل الخطأ أو يطعمنا الحرام، وعاش في بيت يدفع أجرته ويركب سلالمه ويتنقل بعربة اشتراها منذ كان في إسبانيا، ولم يترك صلاة ولا صيامًا ولم يتشدد ولم يتجهم، وأدخلنا الكنيسة، وعلمنا التواضع، وأطعمنا العلم والقيم، ورحل جسدًا وبقي داخل كل واحد منا.. فلقد كانت دنياه غير دنياهم وهو هناك مع من أحبوه وأحبهم.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية